#الاستوديو_التحليلي_المسرح_العربي سدرة الشيخ جدل الهوية وأصالة الانتماء للوطن : د.عبد الرضا جاسم

تسلط مسرحية (سدرة الشيخ) للكاتب والمخرج المسرحي عماد الشفري والمأخوذة من رواية (الشيخ الأبيض) للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي كتبها عام 1996 على واقعة تاريخية حدثت في  سلطنة عمان وتحديداً في مدينة ظفار التاريخية عام 1806  حول طمع الأفرنجة في سلطنة عمان ومحاولة احتلالها وخرق كل المواثيق والاتفاقيات بين شيخ مدينة ظفار محمد، لكنهم يواجهون مقاومة عنيدة من أهل المدينة لينتصروا في النهاية ويأسروا الطفل جوهانسبول الذي يتبناه الشيخ محمد ويسميه عبد الله.

وسينقسم التحليل لعرض مسرحية (سدرة الشيخ) لمستويين هما :

 

المستوى الفكري لنص العرض:

يكشف نص العرض عن دفاع أهل مدينة ظفار بقيادة الشيخ محمد عن أرضهم من طمع العرب بخيرات بلدهم الذين تحدوا قائد السفينة الأجنبية التي تحمل الأسلحة والمعدات المتطورة جداً والشيخ محمد، وأبناء عشيرته يحملون أسلحة بسيطة لمواجهة هذه القوة الغاشمة المحتلة  التي أتت لأرض ليست أرضهم وبحر ليس بحرهم وسماء ليست سماؤهم . وببسالة وقوة العربي الأصيل طلب منهم الشيخ محمد الاستسلام  لأنهم في أرضنا، وهذه ممتلكاتنا، ولا نسمح لكم بتدنيسها . فضلاً عن أنَّ الشيخ محمد يؤكد لهم أنَّ هناك عهداً ومواثيق بينهم، وهم خرقوا هذه الاتفاقيات لتحدث المعركة، وينتصر الشيخ محمد، والمفاجأة التي يحملها الشيخ محمد أنَّه جاء بطفل أسير من السفينة إلى قبيلته ليتفاجأ سعيد ابن عم الشيخ محمد والطامع بالشيخة من بعد الشيخ محمد وتابعه وسويلم ومجموعته بهذا الطفل ليسألوا الشيخ محمد من هذا الطفل ليفاجأهم أنَّه جاء به كأسير من هذه السفينة بملابس غريبة وشعر أحمر، ووجه لا ينتمي إلى ملامح وبشرة منطقة الشيخ محمد، وهنا يحاول سعيد أن يتأكد من أنَّ هذا الطفل سيصبح ابناً  لهذا الشيخ وهذا ما يقلق سعيد لأنَّه يخاف أن يتبناه الشيخ ليصبح وريثه بالمستقبل ويقطع عليه أن يكون شيخاً عليهم من بعد الشيخ .ثم المفاجأة الأكبر أنَّ الشيخ محمد يتبناه ليمنحه اسمه ويعطيه اسم عبد الله فيصبح ابن الشيخ محمد واسمه عبد الله، وسيقوم بتربيته ومنحه محبته وثقته وحتى أن يكون الخليفة بعده مما آثار حفيظة ابن عمه الذي قرر أن لا يسمح بحدوث  هذا الأمر ويحاول أن يشوِّه سمعة واسم الشيخ ويدعي أنَّ الناس سترفض هذه القضية لأنَّه ليس ابنه ومن صلبه ليبقي اسم وعائلة عبدالله (جوهان) حائلاً بينه وبين المجتمع الذي ينظر إليه بأنَّه غريب . لكن عبد الله تمسك  بالشيخ وقبيلته وواجه مشكلة مع حبيبته بسبب نسبه . وفي هذه الأثناء يعرض  سعيد على الشيخ محمد أن يتزوج بـ 10 نساء وينجب ما يشاء ولكن ألا يتبنى هذا الطفل لأنَّه عار عليهم  أن يأتي طفل من خارج نسلهم ليصبح وريث الشيخ .هنا سويلم استغل الفرصة وبدا صوته يعلو وطريقة أدائه وكلماته وتعابيره دلالة على قوته في هذه اللحظة لأنَّ تقاليدهم ترفض أن يكون من بعد الشيخ شيخ لا من صلبه ولا من لحمه ولا من دمه لكن باستطاعة الشيخ أن يتزوج أكثر من امراة أو أن يتبنى أي طفل من أبناء العشيرة لأنهم من رحم واحد، ومن نسل واحد لكن الشيخ محمد مصر على هذا الرأي ويقول :إنَّه سيربيه ويعلمه ويدربه ويصبح من رجالاتهم الأقوياء.

إلا أنَّ الشيخ محمد لا يلتفت لهذه الأقاويل ويعلن للجميع لائحته للتعامل مع عبد الله ابن الشيخ محمد الذي هو أسير من سفينة الأفرنجة إنَّه ابنه، ويحمل اسمه ومن يعتدي عليه يعتدي على الشيخ ويتعامل معه كأنَّه ابنه الشرعي، وعلى الجميع أن يتعاملوا معه وفق هذا السياق.

كما ويقوم الشيخ محمد بتبليغ المعلم صالح (الذي يعد قاضياً ومصلحاً ومعلماً ورجل الدين) ، بتعليم عبد الله القرآن وتحفيظه اللغة العربية والشعر وركوب الخيل وهذه هي صفات الرجل الشجاع ، وابن الشيخ لابدَّ أن يحمل هذه الصفات ليكون شخصية مميزة ويحمل صفات العربي الأصيل  التي أرادها لابنه المتبنى عبد الله وتدريبه من قبل المعلم صالح الذي كان يتخذ من شجرة السدرة المقدسة التي تحدث عنها القرآن بشكل واضح ومباشر مكان للتدريس وحل النزاعات . وعنوان المسرحية ب(سدرة الشيخ) دلالة على أنَّ هذه الشجرة هي علامة أساسية ورئيسية في هذا العمل لأصالتها وعمق جذورها داخل الأرض كدلالة على عمق جذور هذه المدينة الضاربة في الأرض كمعادل موضوعي لشخصية عبد الله المقطوع الجذور بهذه الأرض ، وشجرة السدرة الشامخة في وسط المدينة باعتبارها مدرسة المدينة ومحكمة المدينة  تحتها تحل نزاعاتهم ، والدروس الدينية والاجتماعية والتعليمية تحت هذه الشجرة ونزهة المدينة وسفرة المدينة تحت هذه الشجرة فضلاً عن الحب الذي جمع عبد الله  مع ابنه سعيد من خلال الدروس التي  يتلقونها من المعلم صالح تحت هذه الشجرة فكل المواضيع الاجتماعية داخل هذه المدينة تحدث تحت هذه الشجرة ليستمر حب عبد الله لمريم عشرين سنة، وفي هذه الأثناء قالت مريم لعبد الله : إنَّها قلقة من المستقبل، وأن يكون هناك تحدٍ وقتال بين عبد الله ووالدها، وهي تعلم بقوة وبراعة عبد الله في القتال وخوفها على أبيها الا يكون هذا القتال نهاية لحياه أبيها، وهنا تستغل الفرصة وحب عبد الله لها لتأخذ منه عهداً وميثاقاً بأنَّه إذا كان هناك قتال بينهم لا يؤذي أباها ويتعهد لها بأنَّه لن يؤذيه ما دام هذا الموضوع يؤذيها ويقطع أوصال قلبها فحصل العهد والوعد من عبد الله لمريم بأنَّه لن يؤذي والدها إذا اشتد يوماً فيما بينهما القتال.

 

وهنا يحاول سعيد تدارك الأمر في عدم ذهاب الشيخة ومقدرات وأملاك الشيخ محمد  إلى الغريب إلى عبد الله لكنَّ الشيخ محمد يقول : لولا تقاليد العشيرة وأعرافها لأوصيت من بعدي لإدارة هذه المدينة إلى عبد الله لكنه سيترك الأمر شورى بين أهل قبيلته في اختيار من سيخلفه بعد وفاته.

ثمَّ تبدأ خطط سعيد في دفع شخصية متنكرة تدعي بأنها جاءت من مدينته جوهان الأصلية في أمريكا، ومحاولة إقناعه بالعودة إليها  بعد أن أسره هو، وقتل والده وأمه داخل السفينة من قبل الشيخ محمد ومجموعتهم، ويحاول إقناعه بأنَّ هناك مدينة كبيرة وهنا صحراء خالية من كل شيء وهو لا ينتمي لهذه الصحراء وجذوره ودمه أمريكية لكن عبد الله يشبهه وجوده مثل شجرة السدرة الضاربة في القدم وجذورها متعشقة في الأرض فهو ابن هذا الأرض وابن هذه الشجرة وابن هذه المدينة ولا يستطيع التخلي رغم كل المغريات التي جاءت بها هذه الشخصية المتنكرة محاولة إغواءه وإثارته وإقناعه بالعودة لكنَّه يرفض، ويصر على أنَّه عربي ومتمسك بهذه الأرض رفضاً قاطعاً ونهائياً وباتاً رغم أن الشيخ محمد ترك الموضوع لعبد الله في الاختيار هل هو يريد العودة أم يريد أن يبقى داخل هذه القبيلة فهو مخير بالقرار لكنه يختار البقاء مع الشيخ محمد باعتبارة بوصفه جزءاً من هذه القبيلة أصبح لسانه عربياً ويحفظ القرآن ويركب الخيول، وهو مقاتل مهم وقوي

وهنا يحدث تحول في العرض المسرحي بمؤامرة غير واضحة بدايتها من قبل سعيد وسويلم في دفع أحد رجالاتهم، ويُدعى مسعود الأسود لقتل أحد رعاة الإبل العائدة للشيخ محمد وهم يعرفون أنَّ الشيخ محمد لا يسكت على هذه الجريمة، ويذهب بنفسه لقتال مسعود الأسود ويعولون على أنَّه سيقتل الشيخ في هذه المعركة ويتولى مقدرات القبيلة وإدارتها سعيد ، وينتصر سعيد لنفسه من خلال إعلانه بأنَّه بطل ومقاتل شرس يقاتل الأسود، وكل الحيوانات المفترسة، وكل الرجال بدلالة أنه سيصبح بعد لحظات شيخ القبيلة لأنه حاك المؤامرة، ودفع بالشيخ محمد لقتال مسعود الأسود ومتأكد أن الشيخ سيقتل في هذه المعركة، وهو من يتولى إدارة هذه القبيلة بناء على نسبه للشيخ محمد وبطولاته في المعارك فهو من يستحق وراثة شيخ محمد.

وبعد مقتل والد عبد الله  أقسم بأنَّه لا يطلع الشهر خلال الشهر إلا وأمسك برأس قاتل والدهم مع العلم أنَّ مريم تخبر عبد الله بأنَّ المدينة تجتمع لاختيار شيخ من بعد الشيخ محمد تاركين الشيخ ومن قتله إلا أنَّ عبد الله باعتباره ابنه البار وحبه لهذا الأب الذي تبناه وأصبح يدافع عنه في كل مكان عليه أن لا ينام الليل ولا يجلس مع أحد إلا بعد قتل من قتل والده والإتيان برأس هذا القاتل أمام الجميع ليرتاح ويهدأ.

سعيد وبعد مقتل الشيخ محمد ينصب نفسه شيخاً عليهم، ويجلس مكان الشيخ محمد ويخبر العشيرة بأنه الشيخ سواء رضوا أو لم يرضوا وحتى لو تطلب الأمر بأن يقطع كل الرؤوس التي تمنع وصوله إلى شيخ القبيلة . ويخبرهم  أنَّ من يدافع عن ثأر الشيخ عبد الله سيوقظ عداوة بينه وبين الآخرين فينتبه أهل المدينة لخبث سعيد لكنَّهم في نفس الوقت لا يريدون إراقة الدماء أكثر فيقنعهم بقبول دية الشيخ محمد لكن الرجال يرفضون دية كبيرهم وينتظرون ما هي نتيجة ذهاب عبد الله  للأخذ بثأر أبيه وهذا هو ديدن وثقافة العشائر العربية الاصيلة بأنها تثأر لمقتل شيخها ولا تقبل دية مقابل هذا القتل . وفي هذه الأثناء يدخل عبد الله، وهو يحمل كيساً فيه رأس قاتل أبيه يفاجىء الجميع بهذا المشهد البطولي بأنَّه فعلاً ابن لشيخ محمد، وله كثير من المعاني والبطولات ويفرح الجميع بهذا الفعل البطولي في أخذ ثار الشيخ محمد وقطع رأس مسعود الأسود والأخذ بالثأر من قتل الشيخ لكن عبد الله ليقول لهم : إنَّ المعركة لم تنته بعد، وإنّما هناك خونة داخل هذه المدينة هم من تآمروا على قتل الشيخ محمد ، وأنَّ من دفع مسعود الأسود هو سعيد ابن عمي الشيخ محمد وسويلم ودفعوا له المال لقتل الشيخ حتى يخلوا له منصب الشيخ  فيندفع كل أبناء المدينة باتجاه سعيد ليلقوا القبض عليه ومعاقبته إلا أنَّ عبدالله وبناء على عهده لمريم يتم فيها العفو عن سعيد  من قبل عبد الله وأبناء المدينة.  لكن عليه أن يترك المدينة.وتتم مبايعة عبد الله شيخاً لهم ويعاهدهم بأن يكون كشجرة السدرة جذورها في الأرض وظلالها للجميع

المستوى الإخراجي:

العرض يناقش قضية السلطة والخيانة والطمع والعودة إلى التاريخ هو تنبيه إلى أنَّ الخيانة  تؤدي إلى الانهيار والتفكك في كل العلاقات فيقدم رسالة تحذير وانتباه . والعرض بني على إيقاع فنون البحر من غناء ورقص وتشكيلات جماعية والتي كانت عنصراً أساسياً لتكثيف الفعل الدرامي ويشرح الظروف المحيطة به. وينتصر العرض للقيم والأخلاق والوفاء ، فصانع العرض اشتغل على السرد لأن ثيمته تاريخية دقيقة كشفها المخرج من خلال الزي والديكور والموسيقى الحماسية فكان الأداء المسرحي حماسياً اقترب من الصياح على الرغم من تنوع الشخصيات إلا أن أغلبها طغى عليها الصراخ في الأداء.

افتتح العرض بصوت البوق العالي كدلالة بفتح مرحلة جديدة ولحظة جديدة فالبوق  يحمل دلالات كثيرة منها أنه بوق نهاية العالم ونهاية الدنيا وينفخ بالبوق أي أن هناك إشارة إلى الآخرة ثم أنَّ البوق له دلالات عند أهل البحر والمدن الذين يعيشون قرب شاطئ البحر بوصول سفينة أو باخرة من مكان بعيد لهذا الشاطئ . ثم هذا الاستهلال بالأغنية الخليجية الضاربة في القدم دلالة على أنَّ الجو العام للمسرحية هو في منطقة خليجية ثم طريقة الأداء والزي واللبس الخاص بفريق العمل يدل على أنَّ هذه المدينة تقع في سلطنة عمان وفي الزي دلالة واضحة للمدينة وللفترة الزمنية التي وقت فيها هذه الحادثة ثم توزيع كتل الممثلين في فضاء العرض على شكل مجاميع .فالفرقة الغنائية الشعبية القديمة وطريقة رقصهم وحركتهم لتدل على أنها حركة البحر وحركة الباخرة ، ثم المجموعة الثانية التي هي مجموعة سعيد وسويلم التي تترقب الحدث بحذر وبخوف وبقلق ثم مجموعة الشيخ محمد وقبطان السفينة الفرنجية الأجنبية القادمة من أوروبا ويبدأ الحديث معهم في بداية مسرحية على مقربة من السفينة الفرنجية، ليكشف هذا الحوار عن تحد فكري وآيدلوجي بين الطرفين قائد السفينة،  ومجموعة الشيخ محمد التي تدافع عن أرضها ومعه فريق من الفلاحين والعازفين والراقصين الذين يمنحون لحظة التحدي جواً من القوة  ومن الشحن وهكذا تعودت العرب في كل المعارك  فهناك مجموعة من العازفين والطبول التي تمنح المقاتلين القوة والصلابة والجرأة والتحدي

وهنا يأمر قائد السفينة بالمعركة وإطلاق المدافع بينما ترد مجموعة الشيخ محمد بعلو أصواتهم في الأهازيج والأغاني، وفي لحظة سريعة كان من المفترض على المخرج أن يمنح لحظة المعركة بعض الوقت، ويبين مدى قوة وصلابة العرب والشيخ محمد. لنجد أنَّ مجموعة الشيخ محمد قد سيطرت على المعركة واحتلت السفينة واستطاعت أن تأتي  بطفل أسير إلى المدينة، ليتم الاحتفال بعودة  الشيخ محمد ومن معه من المقاتلين لتستقبله مجموعة من المهنئين  يقودهم ابن عم الشيخ محمد وهو سعيد . الذي يظهر عليه ومن اللحظة الأولى النفاق وازدواجية الشخصية .

فقد اختاره المخرج بطريقة ذكية لمنح هذه الشخصية الازدواجية في رفضه لما يقوم به الشيخ محمد وفي نفس الوقت حاول أن يقرأ بعض أبيات الشعر في مدح الشيخ محمد ومعه مجموعة من المنافقين التابعين له والذين يحاولون تهنئة الشيخ محمد لكنهم في الداخل هم ناقمون عليه رافضين هذه المعركة وما آلت اليها من أشياء يخافون في المستقبل أن تؤثر على وجودهم في هذه المدينة في تبني طفل من خارج نسل المدينة. وهنا يحاول سعيد من خلال أدائه اللافت وتعابيره وملامحه وزيه أن يكون بموقف قوي أقوى من الشيخ محمد لكن الشيخ محمد مصر على هذا الرأي ويقول : إنَّه سيربيه ويعلمه ويدربه ويصبح من رجالاته الأقوياء

وهنا الظهور الأول لشخصية المعلم صالح باعتبارة القاضي والمعلم ورجل الدين ومحترم من كل أهل المدينة. لكن المخرج  قدمه بطريقة بسيطة ضعيف الشخصية متردد حركاته تدل على بساطته، لكنَّ الرواية الأصلية تدل على أن معلم المدينة شخصية قوية وحكيم وقاض ويتدخل وله القرار الفيصل في أغلب الأمور لذلك هناك تناقض في كاريكتر الشخصية على خشبة المسرح ووجوده الفعلي والفكري داخل جسد حكاية المسرحية باعتباره شخصية رئيسية ومهمة داخل العمل لكن طريقة الأداء بسيطة جداً ومثار للسخرية ودلالة على عدم ذكاء هذا المعلم من خلال طريقة الأداء.

والآن أصبح واقع حال مدينة ظفار مقترناً بوجود شخصية عبد الله ابن الشيخ محمد لتقام الأفراح والأغاني والاناشيد ابتهاجاً بهذا القرار وهذه القضية ويبدأ المعلم صالح بتعليم عبد الله كل معاني البطولة للشخصية العربية متخذاً من شجرة السدرة التي تحمل دلالات ومعاني كثيرة عند العرب كقدسيتها وعمق جذورها ، مكاناً له

سينوغرافيا المسرحية  ثابت على طول المسرحية ، وهو عبارة عن مدخل كبير للسفينة العربية ومكان ظهور سعيد ومجموعته ، والخلفية الكبيرة تدل على سماء وبحر هذه المدينة وشاشة تدل على أنَّ السماء ملبدة بالغيوم ومستويات بسيطة لحركة الممثلين.

أما مشهد التآمر ما بين سعيد وسويلم ، كشف عن إمكانية كبيرة للممثلين في منح فرصة للكوميديا السوداء من خلال شخصية سويلم بأداءاته وتعابيره وملامحه وألفاظه فهو شخصية بسيطة أراد سعيد أن يزجها في الإجرام والقتل ليكشف عن مهنته البسيطة الطباخ في أغلب المعارك فهو لم يقاتل وإنّما كان رجلاً يطبخ للمقاتلين وصل به الحال إلى أنَّه يعلن أنَّه ليس رجلاً وأكيد أنَّ الشخص الذي يبتعد عن صفات الرجل يبقى مع النساء أو في الطبخ فيعلن سويلم عن صفاته في أغلب المعارك ليتخلص من شر ومكر ومكائد سعيد في التخلص من هذا الطفل سواء رميه بالبحر أو رميه في البئر . لكن سويلم يرفض بشدة هذا الدور ليتخلص من مكائد وغدر سعيد، عندها يحاول المخرج أن يبدد هذه الأفعال المشينة بسقوط المطر والدخول بمرحلة جديدة تمر بها هذه المدينة فهذا المطر سينبت الزرع وينبت الكلأ وتنتعش المدينة وهذه دلالة على أنَّ المرحلة القادمة هي مرحلة ربيع ومرحلة خير ومرحلة فرح لهذه المدينة من خلال دلالة المطر التي استخدمها المخرج في نهاية مشهد مؤامرة سعيد وسويلم.

ومنذ اللحظة الأولى لتعرف عبد الله بمريم يتدخل والد مريم سعيد لمنع هذا التقارب بين الاثنين فيرفض وجودهما ويحاول أن يمنعها من اللقاء داخل دروس التعليمية تحت شجرة السدرة ، المخرج هنا وبذكاء كبير اختصر مرحلة من الزمن عمرها 20 سنة من خلال أجواء أداء المطرب الذي جعلنا نبقى في جو البحر وجو مدينة ظفار الضاربة في القدم فبتحولاته الغنائية وصوته الجميل لعب على مفردة الزمن في التحول من الطفلة مريم إلى الشابة مريم وطريقة لقائها مع عبد الله الذي تحول من طفل إلى شاب وبلحظة فارقة حول المخرج المسرحية وبذكاء من زمن إلى زمن آخر باستخدام مشاعل الفانوس وصوت المطرب وكلماته المؤثرة تحولت الشخصيات وتحول جو المسرحية وانتقلنا بـ 20 سنة من الزمن . لنجد مشهد لقاء مريم وعبد الله اشتغل عليه المخرج من خلال الفوانيس والمؤدي صاحب الصوت الجميل باغانيه التي تعطي للمكان وللحظة ميزتها وعمقها ودلالاتها فحاملي الفوانيس اشتغل عليهم المخرج بغلقهم الى الخلف على السايك الاخير للمسرح بدلالة على انهم لا يرون ولا يسمعون فقط هناك اجواء من خلال الفوانيس

ثم يتبع ذلك قلق سعيد المتواصل وخوفه من عبدالله وكيف اصبح رجلا قويا في المدينة فيقرر ان يبعث له رجلا يدعي انه من اهله في بلاد الافرنجة وباداء تمثيلي مميز يحاول اقناع عبدالله بالعودة  لمدينته حيث الراحة والتطور وترك هذه الصحراء القاحلة والخالية من كل شيء لكنه يرفض العرض وتفشل خطة سعيد ليفكر بخطة اخرى

ثم مشهد بعد صلاة الفجر والاناشيد الروحانية من قبل مطرب العرض الذي اصبح بمثابة الرواي لاحداث المسرحية من خلال اغانيه . حيث تعود ابناء القبيلة بعد صلاة الفجر بالاجتماع واللقاء والتداول في امور المدينة تحت شجرة السدرة بوجود معلم صالح ويستغل الفرصة هنا معلم صالح ليخبر شيخ محمد وبتردد كبير وبعد عمر طويل من سيخلفه في ادارة هذه القبيلة فياتي الخبر الصاعق بقتل احد رعاة ابل الشيخ محمد فيقرر الشيخ ان ينتقم من مسعود الاسود المدفوع اصلا من سعيد ليأتي صوت البوق من بعيد مرة ثانية  لكن الصوت هنا دلالة  على مقتل الشيخ محمد فالبوق هنا اشارة للموت وايذانا بمرحلة جديدة تمر بها قبيلة الشيخ محمد الذي يدخل المسرح كجثة  مدفوعة بعربة وخلفية كبيرة على شاشة العرض تدل على ان هناك ملامح لمدينة ملبدة بالغيوم كنذير شوؤم ويوم حزين فيقرر عبدالله الانتقام لابيه ويكشف خيانة سعيد وسويلم ليقرر رجال المدينة قتل الخونة

لينتهي المشهد بقتل سعيد من قبل ابناء القبيلة مجتمعين وتنتهي وجود شخصية سعيد في العمل المسرحي لنجد ان مريم جاءت مسرعة لابيها بعد سماع مقتله من قبل  اهل القبيلة وتقام الاناشيد والاغاني ايذانا بمرحلة جديدة ليلبس الجميع زي ابيض جديد ورقصة شعبية قديمة فيها من دفوف البحر وكلمات الانتصار ولحظات الفرح من قبل مطرب العرض الذي اجاد في ايدائه لمنح جو من الفرح على مشاهد المسرحية ثم نجد ان عبد الله يعتلي كرسي المشيخة ليعلن على انه شيخ هذة المدينة من بعد والده المتبنيه الشيخ محمد

وهنا نجد ان هناك تغيير في نهاية  عرض المسرحية خلافا لنهاية الرواية الاصلية والنص المسرحي بان مريم قد طلبت من حبيبها عبد الله انه لا يؤذي  والدها سعيد في الرواية الاصلية  التي يتم فيها العفو عن سعيد  من قبل عبد الله وابناء القبيلة لكن عليه ان يترك القبيلة الا ان مخرج العمل انهى المسرحية بنهاية مختلفة في القصاص من سعيد لفعله المشين والخلاص من شره الى الابد وتنصيب الطباخ سويلم شيخا للقبيلة دون معرفة اسباب هذا التنصيب

تكمن قيمة وفرادة  عرض مسرحية سدرة الشيخ  في تسليطها الضوء على واقع التكوين الخليجي المحلي واصوله العربية في الانتماء لهذه الارض من خلال قصة الشيخ الابيض كما دونها الشيخ محمد القاسمي في روايته الاصلية التي جعلها تنطلق من مرجعيات شجرة السدرة عند العرب بقيمتها واصالة انتمائها وجذورها العميقة بعمق هذه الارض وارتباطها بالانسان العربي وتاريخه المشرف في الدفاع عن الارض والعرض

بحيث شكلت بيئة العرض الكثيقة بالدلالات والمعاني ظغطا كبيرا على المكان الحاوي للاحداث الذي اصبح لامتناهي في انتاج المعنى . فالعرض حينما يتطرق لمدينة ظفار بخصوصيتها واصالتها  فانه اعطي احساس كبير بالمواطنة واحساس بالاصالة  لهذه الارض وهو الانتماء الحقيقي الذي لايحدث شيء بدونه . فالوطن عند عبدالله اصبح يشكل الهوية الوطنية والتاريخية ، والطموح لديه في رسم مسارات وجوده ومشروعية بحثه عن شخصيته المستقبلية واين تكمن . والوطن في سدرة الشيخ من وجهة نظر عبدالله اصبح طاقة وفيه الكثير من الحقائق وتوثيق للعلاقة مع واقعه المعاش المكتظ  بالصور الحسية المكتنزة بالدلالات ضمن نسق موحد تترادف في داخل هذا الوطن الحقائق والموروثات ، ووقوع الاحداث ، واصبح لدى عبدالله من خلال وجوده في مدينة ظفار سبب لوجوده في هذه الحياة  التي بدت في لحظة من لحظات زمن العرض بعيدة عنه، ليدرك في لحظات اخرى ان  الوطن ليس في ذاته وانما بما يؤديه من وظائف يسخرها لخدمة مبتغاه ويكشف عن  اصالة انتمائه الحقيقي الذي يشبه انتماء شجرة السدرة لهذه الارض.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

This will close in 5 seconds