#الاستوديو_التحليلي_المسرح_العربي حلمت بيك البارح .. جدلية التمرين الخلاق : فاضل عباس آل يحيى

(حلمت بيك البارح).. عرض مسرحي مغاير، لأنَّه يتخذ من مزاجات التمرين المسرحي وكواليسه، فضاءات حرة لاشتغال الممثل على الذاكرة الشخصية والجمعية، مما أنتج مشهديات كان الفاعل الأساس فيها هو الخيال والمخيلة مع البحث المستمر في ماهية التمثيل، وتحفيز أدوات التعبير الجسدي صوتاً وإيماءةً، وصولاً لتكثيف دلالي يكون الصمت فيه ضاجاً بالتأويل.

هو بحث عن طرائق أداء تقتصد كثيراً بالانفعال والحركة، استدعت تشكيل سينوغرافيا لا ثرثرة فيها، تحيط بالممثل، وتدعم الصورة وتحركها، كي يبقى العرض / التمرين منفتحا كفضاء جدل عميق بين الممثل والفكرة، ولاداً لحبكات متعددة بلا نهايات جازمة قاطعة.

هو تنقيب في الذات الشخصية وحيوات شخصيات الحكاية لإنتاج كيمياء ثالثة هي دراما العرض.

عرض يعاكس مفهوم العرض الذي نألفه باشتراطاته التقليدية، ويزيحه لمفهوم البناء والهدم لتتحقق غاية التمرين / العرض بأن لا ثبات ولا حقيقة مدركة.

البناء والهدم علامتان واضحتان في الملفوظ النصي والمرئي.

 

هذا التمرين / العرض يكتب ممثليه، ويضعهم في جدل دائم، يؤدي لإطلاق أسئلة، تشتبك مع حياة ومصائر شخصيات الحكاية المفترضة، مع الحرص أن لا تكون هناك إجابات جاهزة معلبة.

لأنَّ الممثل في العرض هائم على وجهه لا يريد أن يبلغ خط الوصول والنهايات، وكما قال الجاحظ (إياكم والخلاصات، فكل خلاصة تعني الموت) : سمعت هذه الحكمة من معلمي الراحل قاسم محمد في واحدة من تدريباته المسرحية الملهمة.

عمد الممثلان لبنى مليكة وإبراهيم جمعة، إلى صنع فرجة مكثفة، ليس فيها بناء مشهدي تقليدي،

إذن هما يفكران ويتحاوران وينفذان أمام الجمهور، ليضعوه في تجربة أداء منظورة بكل التماعاتها وكل عثراتها إنْ وجدت، وإنْ لم توجد، يصنعونها، لتظل الأسئلة تتوالد بلا إجابة، وتخضع للشك والإبهام، وكأنهما تورطا في التوغل في الحدث المحرك الأول الذي أغراهما في تفكيكه، حتى تاهوا فيه، لتنفجر الاحتمالات تتخاطفهما بلا فكاك.

(حلمت بيك البارح) مسرحية الاحتمالات المراوغة

ها هما الممثلان لبنى وإبراهيم يلتقيان مثل البارحة وقبلها في موعد تمرين مسرحي عادي ليتحاورا حول شخصيتين مسرحيتين يريدان أن يلعباها، فيكتشفا أنَّ اللعبة لا تنتهي لعبة دائماً .

كأنَّ الجمهور تسلل خلسة ليشاهد كواليس التمرين المسرحي هذا.

الممثلان منشغلان بواقعة حقيقية هزت تونس في وقت ما، وكيف يفككونها ويعيدون تركيبها كدراما تصلح للعرض !

الواقعة هي:

إنَّ فتىً عمره سبعة عشر عاماً، ذهب لمدرسته حاملاً سكيناً وساطوراً، وانهال على معلمه ضرباً وطعناً، وفرَّ هارباً، نقل المدرس للمستشفى، وهو بين الحياة والموت، وبعد ثلاث ساعات قبض على الفتى في واد خارج المدينة.

الممثلان هنا لا مفر لهما إلا تفكيك الحدث، وتخيل دوافع ومحفزات كثيرة تحرك الشخصيات الحقيقية لتفعل ما فعلت.

لكنَّ شخوص الحدث مبهمة، ودوافعهم غير مدركة بكليتها، وتاريخهم غير معروف، لأنَّهما كما سنعرف بعد حين يعيشون في الهامش.

وأعني الابن وأمه (التي افترضت لبنى الممثلة وجودها في أثناء البحث والتمرين)

افتراض وجود الأم شكل دعامةً لتفسير سلوك الابن المعتدي الغامض.

الممثلة خلقت للأم حلماً سريالياً كان أول مشاهد العرض / التمرين، حيث يضع المشاهد أمام استهلال مهيب، تظهر الممثلة واقفةً تحت مسقط ضوئي يكشفها عدا رأسها (كأننا بها تريد أن نستمع لها بلا رأس، ولينوب عنه باقي الجسد في تلاوة وقائع حلم الأم الملتبس).

تفاصيل الحلم غرائبية لأم تهيم على وجهها في صحراء حاملة رضيعها العطش، تبحث عن الماء، وصدرها يباس بلا حليب، تضعه على الأرض وتركض في المفازة الخالية من أي شيء، كأنَّها هاجر تريد الماء لابنها الرضيع النبي إسماعيل .

الأم تجري بين سبع هضبات ولا تجد شيئاً ، يبدأ الماء ينضح من بين ساقيها ويفيض في المكان، فتنظر لرضيعها تراه يغمر بالماء المتعاظم، ولا تملك إنقاذه وتغرق هي أيضاً ويختفي صوتها، وتفقده.

هذا المشهد الحلمي يؤسس لشخصية الأم من بعد، وعلاقتها بابنها الذي تحول لقاتل فجأة، دون أن تملك تفسيراً لذلك، حيث عمدت الممثلة المؤلفة إلى أن تضع الأم في مأزق ضعفها، وقلة حيلتها أمام غول الحياة التي تعيشها، وكشف الغربة التي تحياها مع ابنها بلا تواصل أو تماسك أو ألفة.

مشهد فيه صوت الممثل هو السيد، رغم أنه يبدو تقريرياً لا انفعال فيه، ليظل التأويل حراً لدى المشاهد، فلا تُفرض عليه عاطفة الممثل لحظتها، وهذا يسري على أغلب الملفوظ الحواري في العرض، محايد ومشحون بالاحتمالات، مع اشتغال صامت للممثل الزميل إبراهيم، حيث يقف خلف الممثلة، لتظهر يده وكأنَّها تنهش خصرها وبطنها، ويده الأخرى تطوق رقبتها، استعارة صامتة تظهر وحشية ما حلمت به الأم.

فكرة  الحلم المفترضة من الممثلين ستتكرر في العرض لاحقاً ، كقراءة واستنطاق لمشاعر مسكوت عنها وغير معلنة، عند الأم خاصة.

هي أيضاً محاولة من الممثلة المؤلفة أن تنشىء تاريخاً متراتباً للأم، وهي تحمل الجنين في رحمها، وعند المخاض، والولادة، حتى لحظة ارتكابه تلك الجريمة، وحبسه، وما بعد ذلك.

بعد أداء مشهد الحلم، تنسل لبنى من الآن بخفة، لتعود ممثلةً تسرد ما فعلته، تهدم البناء بعد أن وضعت الجمهور في لجة أسئلة تحتاج إلى إجابات، لكن المشهد لا يجيب عنها، بقصدية طبعاً، ليظل المشاهد متفاعلاً منتجاً لإجابته الخاصة.

تقابل زميلها إبراهيم كل في بقعته وعزلته، وتقول: (كنت نحاول نمثل أم تحلم بولدها) .

وتشرع بسرد كيف اشتغلت على شخصية الأم، وتلخص درساً في فن المحاكاة بقولها:

(يظهر لي التمثيل هكذا بالضبط، تعيش الحاجة، تؤمن بيها، تعرف اللي لكلها في خيالك، أما ترجع تصاور من ذاكرتك باش بدنك يحسها،

دموعك تهبط، ولا تضحك بالشهقة، كاينك بين نومين، أنت ومكانش انت، كاينك تحلم بروحك غاطس، وكي تفيق تلقى روحك مبلول)

ونظل في مزاج تمرين مسرحي يشترك فيه حتى المشاهد، إذ يستمر الممثلان وهما في عزلتهما المضيئة، البحث والتنقيب عن دوافع أفعال الابن والأم والتي تقودهما لتجريب أداء متغير بعد كل كشف.

يتواصلان سردياً بلا فائض حركة أو إيماءة، تأكيداً قصدياً أنَّهما داخل رأسيهما، يفكران، وينتجان أسئلة لا حلول لها.

إبراهيم الممثل كان في بقعته التي تضيئه فقط، يصغي لزميلته، وهي تحكي فهمها لماهية التمثيل وتقنياته، هو أيضا يتساءل ويؤكد جو التمرين الذي هم فيه، هو الآن مهموم في بحثه عن شخصية الابن، كمن يريد أن يشرك المشاهد في التورط بالبحث، عبر التماهي بين شخصه كممثل والشخصية التي سيحاكيها، الابن، ويقول:

(الإنسان ليش بيتخيل ؟ وليش فكرة بالرأس بتتحول لفعل؟ لحقيقة، كل عمري بسأل هذا السؤال:

كيف ممكن واحد يتخيل حالة حامل سكين، ونازل فيها على راس إنسان ثاني، هيك (يقلد الحركة) ويتحول هذا الخيال لواقع، وهذا الواقع بيرجع يخلق خيال جديد، وهكذا).

هنا مع هذا الترادف بالأسئلة والحيرة بإيجاد أجوبة لها بين الممثلين، ينفتح التمرين / العرض على أسئلة عن حياتهما الخاصة، وتعشقها بالأسئلة التي أثارها بحثهما في شخصيتي الإبن والأم، إنه دخول في التيه وخروج منه، كما سنرى في تلاحق المشاهد التالية.

في اقتصاد مدروس للإيماءة وتلوينات الصوت والنغم، وبقع الضوء ومساقطها، يُؤدى هذا السرد الحواري، بلا زوائد مربكة، ليشكل صورة ذهنية ساخنة للممثل، يستعيرها في تقمصه لحالات الشخصية، ويستحضرها المشاهد كصورة متخيلة مرجعية لما سيأتي من المشاهد.

في مشهد لاحق يستمر فيه التمرين والنقاش،تسرد لبنى الممثلة محاولتها لرسم ملامح شخصية الأم التي لم ترها قبلاً ولا تعرفها لكنَّها تتبناها وتتوغل في الكشف عنها

وإضاءتها،

تقول: (الأم اللي كنت نحاول نمثلها، هي أم بالحق، عمرها ما حكاتلي حلمتها على خاطر منعرفهاش، نعرف ولدها شعمل، عمرو 17 سنة، ما عندوش مشاكل، ما عندوش سوابق، نهار دخل الليسي وقت الريكرياسون، وصدم على أستاذو بسكينة وساطور، ضربو على راسو، خدو، رقبتو، كتفو، قسملو يدو، وهرب، الأستاذ خذوه زملائه للاستعجالات، سبع عمليات، وقالو منع. أما لليوم مينجمش يرجع يقري، والوليد شدوه بعد ساعتين بحذا الواد) .

الممثلة لبنى تقترب من تمثل شخصية الأم، بخلق حياة متخيلة لها، ولا منفذ لمخيلة الأم، إلا باقتراح ظروف معاشة وتصورها، وجعلها متحركة تنمو مع التمرين، لتساعد في تفسير سلوك الابن،

إبراهيم في بقعته راح يسرد أيضاً :

(وأول ما بدينا هاد الشغل، قررنا نعيد الرحلة التي عملها الوليّد من الليسي حتى الواد، قبل ما يمسكوه البوليس) .

ويكشف لنا السرد ما يمكن أن يكون المحرك الأول للابن كي يتحول لمجرم، فهو يعيش في بيئة معزولة مهمشة، يحيط بها الفراغ، نتيجة لتغير ديموغرافي أحدثته سلطة ما في ذلك المكان عزلت تلك الشريحة التي ينتمي لها الابن، فكان ناتجاً عرضياً للتهميش الذي حوله لوحش بشري بصورة طفل.

إبراهيم يظل ساهماً سارداً بلا انفعال محايداً في عاطفته، لأنَّه في تمرين وبحث وتفكيك للحيوات التي بدأت تحيره وتجعله يسأل بلا إجابة شافية.

يقول: هذي حومة الولد، هو يمشي كل يوم ضمن هاذي العوالم، يمشي لحاله من الساعة الثامنة صباحا للسادسة مساء، لأنه مبيقدر يتواصل مع الآخرين، بالبيت أو بالمدرسة، يمشي .

هنا بدأ التمرين يترسخ مع تماسك أجزاء الواقعة المبهمة،

تتوغل لبنى الممثلة سرداً. فحين ترى صورة الابن مقبوضاً عليه، تحرض ذاكرتها لتحيلها يوم ولدت ابنتها قبل 18 عاماً، وتفسر شعور الأمومة على أنَّه مربوط أساساً بالخوف والذنب،وهي الآن تسقط تلك المشاعر على شخصية الأم، وهي ترى ابنها في السجن.

إبراهيم بعد أن اكتشف أن اللاتواصل و التهميش مفتاحان لأفعال الابن، لكنه كممثل ينبش في ذاكرته ليتذكر أنَّه كان يمشي بالساعات وحده في شوارع دمشق القديمة،وقتها لم يكن يعرف لماذا، كما الابن الذي لم يعرف يوماً لماذا هو يمشي.

هو في التمرين يتبادل المفاتيح بين ذاكرته وذاكرة الابن المفترضة،

هو يقرر الآن أن المشي محاولة للهرب من البيت والعائلة وقلة التواصل.

يستمر التمرين، ويتماهى الممثلان مع دواخلهما المكتظة بالصور والأحداث، ويسربان ذلك لشخصية الأم و الابن…عبر البناء و الهدم كما أسلفت في افتراض أنَّ ما يحدث ماهو إلا احتمال من احتمالات كثيرة، فلا حقيقة ثابتة، ولأنَّهما في تمرين يجرفهما لتجريب كل احتمال ممكن، لا يريدان لأي احتمال أن يتأكد، فذلك قتل لمتعة الاكتشاف وخلق الدوافع المتنوعة.

هما يدعان الأسئلة تتسرب للجمهور وتتراكم، ولهم الحكم  في الأخير.

برع الممثلان في الانتقال السلس بين السرد والتقمص، كأنَّنا أمام عرض بريختي بامتياز.

برعا في أداء صامت يطلق أقصى طاقة تعبيرية للجسد، بلا ملفوظ، في مشهد المخاض والولادة.

وأيضاً طاقة الصوت وانثيالاته في فضاء ساكن نسبياً ، سيتحرك حتماً حين يبدأ الجمهور بتأويل ما يسمع، وإحالته لصور ذهنية نبوئية.

هو تمرين مستمر للدخول في الشخصية والخروج منها.

وحين نصل لنهايات العرض / التمرين تكون لبنى الممثلة شخَّصت كل ما افترضته من سلوك للأم تجاه ابنها، لكن تظل الحيرة وأسئلة كثيرة بلا إجابة،كما في سردها لمقابلة ابنها المعتدي في الحبس.

تقول:

(المرة اللي فاتت ثنية كاملة نحضر في كلامي، عندي برشا أسئلة، عدينا الدرجين ساكتين، هو ماخرجش يديه من مكاتبه.

وانا منجمتش نهز التلفون اللي بيناتنا، نغزرلو من ورا البلار، وجهو منفوخ وعينيه زرقا،

ضربوه وما سخفنيش، سخفني؟  ما نعرفش عينيه فارغة كأنه ماهوش يرى فيا، أما أنا نرى فيه محبوس الداخل،

ونرى في روحي محبوسة لبرا، عندي برشا أسئلة خاطر مفهمتش

أما نحب نفهم، وهو بطبيعتو ميتكلمش برشا، وزادة يتغش)

في هذا السرد نكتشف مضمراً شائكاً في علاقة الأم بابنها، يؤكد أنَّ لا تواصل بينهما في الحياة رغم قربهما من بعض، حد أنها تراه قد عذب في الحبس ليعترف ربما، ولا تُظهر لوعةِ أو عاطفةِ أو اهتماماً ،

فلا هو يراها، ولا هي تتعاطف معاه، فهي فقدته من ولدته، وهنا يحيلنا هذا الاحتمال لمشهد الحلم الأول للأم الذي افترضته لبنى الممثلة لتؤسس لهذا الاغتراب العظيم بين الأم وابنها وبينهما وبين الناس والمكان، انفصال حتى في الحلم،

الأم بلا حول ولا قوة، فهي وابنها ضحيتان أيضاً لبيئة ناشزة، أنتجت هذ العنف والتمرد والجريمة ربما.

المشهد الأخير في هذا التمرين / العرض، تخاطب لبنى الممثلة زميلها الممثل إبراهيم، بمباغتة وبتمويه أدائي مقصود،فلا ندري هل هي الأم أم الممثلة، أم كليهما منصهرتان ؟

تقول له: ( قلتلك حلمت بيك البارح؟

ومع اندهاشه تسرد له حلمها العجائبي، والذي يحيلنا ثانية إلى مشهد الحلم الأول للأم، فتتوهنا عن عمد الممثلة لبنى عن الذي حلم، هي، أم الأم، لكننا نرى أنَّ الممثلة بقيت وفية لحلم امرأة هي صنعتها واقترحت سلوكها، حلم افترضه البحث والمخايل، حلم يكشف أن الأم تحيا في عالم متوحش لا حقوق فيه للإنسان، تحيا باستلاب لا أمل فيه.

ولهذا فهي تحلم كثيراً .

في الحلم الأخير وربما ليس أخيراً، الذي تحكيه لبنى لابراهيم، تلخص حال العباد والبلاد بسخرية مرة وعبثية، وكيف أنَّ السلطة تجعل الحياة ورديةً، (ترى نفسها في الحلم وسط ساحة وعمارات عالية تحيطها، وتلفزيونات كبيرة على واجهة العمارات تلك، تعرض برامج الطبخ والأكل ، وهناك طائرات هليكوبتر

والسيارات تطلق منبهاتها. والناس يركضون ويصرخون أن السميد / الطحين توفر، وهناك منظمات دولية توزع تلفونات للناس حتى إذا جاعوا ممكن يتفرجون على صور الأكل.

وتظل متدفقة تسرد حلما لإبراهيم، تخبره أنَّها رأته في بطنها الذي صار شفافاً.

يقاطعها إبراهيم: عندي شلاغم ؟

تجيبه: عندك شلاغم وجوانح وتمسك تلفون في يدك تتفرج..

إبراهيم : على شو؟

لبنى: تتفرج…)

وينتهي العرض / التمرين

المشهد الأخير، والحلم الأخير يفسر كل شيء ، ويلقي المشاهد في صورة عبثية الحياة ومآلاتها.

ينتهي العرض بحلم عبثي كما ابتدأ، حلم يفضح الحياة، ويدينها حين تفتقد للعدالة والرحمة والأمل.

لبنى مليكة وإبراهيم جمعة، ممثلان باهران أشتركا في تمرين خلاق،

ممثلان متسلحان بذخيرة وافرة من أدوات الخيال والتخيل، وجسد مثقف، وقدرة هائلة على ضبط الانفعال في الصوت والإيماءة، بأداء رشيق ينتقل بين الإيهام الكامل وكسره بذكاء،

سينوغرافيا دالة ثرية ببساطتها، أنتجها التمرين واشتغال الممثلين على إبراز العزلة واللاتواصل في بنية العرض.

تظل مسرحية (حلمت بيك البارح) عرضاً مختلفاً لأنَّه يبدأ من كواليس التمرين وكتابة النص ركحياً، ليفضي ذلك لتمرين آخر، واحتمالات أخرى، هو ورشة لتمرين مستمر فيه الحياة تتمرن أيضاً ، والمشاهدون،

تمرين لا يبحث عن يوم عرض رسمي أبداً.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر