حاوره- أحمد الطراونة

تنطلق اليوم الدورة الأولى لمهرجان رم المسرحي الذي تنظّمه الهيئة العربيّة للمسرح بالتعاون مع نقابة الفنانين الأردنيين، وهي مبادرة أطلقها حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي بقصد النهوض بالمسرح الوطني العربي، حيث تقام مهرجانات عديدة على مستوى الوطن العربي كجزء من استراتيجية الهيئة في دعم المسرح العربي وحفز طاقاته. تالياً لقاء لـ»الرأي» مع أمين عام الهيئة العربية للمسرح الكاتب المسرحي اسماعيل عبدالله حول هذا الموضوع:

تقدم الهيئة العربية للمسرح جميع الإمكانات للنهوض بالحركة المسرحية العربية، إلى أي حد تراهن على نجاح التجربة الجديدة في المهرجانات الوطنية، كمهرجان رم على سبيل المثال؟

رهان الهيئة كبير على أن تكون هذه المهرجانات الوطنية المسرحية رافعة للنهوض الذي توخاه جوهر المبادرة التاريخية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في 23 مارس / آذار 2018، حيث كلف الهيئة بالعمل على التعاون مع الجهات المعنية بالمسرح في كل دولة عربية ليس فيها مهرجان وطني للمسرح، من أجل تنظيم مثل هذا المهرجان، و كانت الدراسة التي قامت بها الهيئة قد كشفت بأن 14 دولة عربية ليس فيها مهرجانات وطنية للمسرح، و كشفت أن عدداً من هذه الدول تنظم مؤسساتها الرسمية والأهلية مهرجانات دولية وقارية و عربية، دون أن يكون لديها مهرجان وطني و هذا يشكل اختلالاً في فعالية المسرح المحلي على الصعيد الوطني من ناحية و على صعيد محدودية مساهمته في التظاهرات القارية والدولية والعربية، هذا يطرح أكثر من سؤال على البرامج و السياسات الخاصة بالمسرح في كل بلد.

في الأردن كان مهرجان المسرح الأردني في نشأته معنياً بالمسرح الأردني، و خلال بضع سنوات صار عربياً ودولياً، و جميعنا نعرف ظروف النشأة و ظروف التحول، و نحن نرى أهمية إعادة التوازن في هذا الأمر وهو يتم من خلال تحفيز إنتاج المسرح و توسيع وتعميق أثره الوطني، و المهرجان هو واحد من هذه الوسائل، و أعني بالمهرجان كحدث و مناسبة و حاضنة صحية و أرضية تتميز بالعدالة.

مهرجان رم مثالاً حرك مجموعة لم يكن لها عروض في الموسم المسرحي الذي تنظمه الوزارة (للكبار/ المحترفين) و بدل أن يكون لدينا في مجمل الموسم 6 عروض صار لدينا 15، بالطبع أتحدث عن الأمر كآلية و نتائج، يفعل المهرجان دور عدد كبير من الفنانين في اللجان العليا و الفنية و التقنية و التحكيم، ويزيد من المحتوى المسرحي في المشهد الإعلامي، كما يزيد من المحتوى النقدي في المحتوى المسرحي.. هذه فقط بعض ملامح إنجاز مهرجان في الأردن على سبيل المثال.. لكن ما قولك في مهرجان السودان الوطني للمسرح الذي حرك ما يزيد على 76 عرضا مسرحياً؟ هكذا ترى أن المشروع، أعمق أثراً من عرض يقدم.

هل ترى أن هذه التجربة المسرحية الجديدة تجعل المسرح أكثر قربا من الناس، وتعيد تأهيل العلاقة مع الجمهور المسرحي المحلي؟

سؤال قرب المسرح من الناس و إعادة تأهيل العلاقة مع الجمهور المسرحي المحلي، ليست مرتبطة بمهرجان وطني أو غيره، فهي مرتبطة بمعطيات أخرى، مثل وعي المسرحي بهذا السؤال و بآليات تحقيقه بمستوى فني محترم، وقبل وعي المسرحي صاحب العرض يرتبط الأمر بوعي المجتمع للمسرح و معطياته و أهميته في إذكاء الروح الجمالية ولغة الحوار الديمقراطي، و تمركز الثقافة في حياته اليومية، و هذا أمر تقع مسؤولية تحققه على عاتق السياسات الاستراتيجية التنموية في المجتمع، تلك السياسات التي تحصن الإنسان بالمسرح في المدرسة و النادي و الحي و الجامعة و مركز الشباب و تضمن للمحترف بعد ذلك كرامته و حريته، و هذا يحتم أن يكون المسرح و بقية فنون التعبير و التشكيل و الموسيقى مادة فنية/ علمية كباقي المواد التي يتلقاها الطالب، و تؤسس معرفته، و تصقل شخصيته، حينها يكون لدينا جمهور (تربى) على معرفة و تذوق هذه الفنون.

مهرجانات وطنية جديدة…، كيف تقرأ ذلك وطنيا بعيدا عن حساسيات التنافس بين المؤسسات الرسمية والهيئة العربية التي باتت من أهم المؤسسات الراعية للمسرح عربيا؟

منذ انطلاقة الهيئة العربية للمسرح في 10 يناير 2008 و في لائحتها المنظمة، بند واضح بأنها ليست بديلاً عن المؤسسات الرسمية و لا المؤسسات الأهلية في أي بلد من البلدان، إنما هي مؤسسة عربية تتعاون و تتشارك مع المسرحيين مؤسسات و أفراداً لتفعيل المشهد المسرحي العربي، لإنتاج مسرح عربي جديد و متجدد.

بناء على هذا كانت نشاطات ومشاريع الهيئة في كل الدول تتأسس على الشراكات و التكامل، و أظنها قد حققت ذلك في كل ما فعلت، و لذا فإن وزراء الثقافة العرب في آخر ثلاثة اجتماعات لهم، كانوا يؤكدون على أهمية تفعيل الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية التي أنجزتها الهيئة و صادق الوزراء عليها في الرياض 2015، كما أن اسم الهيئة وارد في مراسيم عمل بعض الوزارات كمؤسسة رئيسية من مؤسسات التعاون الدولي.

و في الوقت نفسه أنظر إلى التعاون مع المؤسسات الأهلية و النقابات، في المغرب و تونس و الأردن و غيرها، إضافة للأكاديميات و العاهد العربية، و كذلك الأفراد من الذوات المبدعة في علوم المسرح و فنونه.

خلاصة القول، إن أي حساسية تظهر عند أي طرف، ليست أكثر من شأن ذاتي لديه.

هنالك من يرى أن المهرجانات المحلية تعمق فكرة المحلية من خلال تناول القضايا المحلية، هل تحتوي الاتفاقات بين الهيئة والنقابات المعنية ما يؤكد ذلك أو ينفيه؟

المهرجانات المحلية يفترض أن تكون خلاصة حراك المسرح في عام كامل، و بالتالي هي تتويج لذلك الحراك، الذي ينتج المسرح مستهدفاً مجتمعه المحلي، دون أن يغمض الطرف عن الأفق الإقليمي أو القاري أو الدولي المحلي، وهي مناسبة مهمة و أعني المنتوج المسرحي عامة و المهرجان خاصة لصناعة و تكريس النص المحلي و كاتبه كما هو الأمر بالنسبة للممثل أو المخرج أو الفني، لذا و كما وضعت هناك جوائز رصدتها الهيئة لكل المهرجانات بالسوية نفسها و الأيقونة و القيمة، و تتضمن هذه الجوائز أفضل ممثلة و أفضل ممثل، أفضل مخرج، أفضل سينوغراف، أفضل تأليف موسيقى و مؤثرات، هناك أفضل تأليف لنص محلي،و هذه كلها عناصر محلية، تشجع و تكرس و تدعم، و توضع على منصة التتويج لتنطلق إلى أفقها العربي و الدولي، منطلقة من إبداع محلي بسوية فنية رفيعة، فهذه الجوائز لا تعني دعم المنتوج الضعيف، و لا تعني تفضيل ضعيف محلي على قوي غير محلي، بل هي لتحفيز المحلي ليكون نداً و منافساً.

كيف يمكن التركيز على جودة المنتج المسرحي في المهرجانات الوطنية وهل هنالك آلية تمنح الهيئة المراقبة على ذلك؟

جودة المنتج (نتيجة) مربوطة بأمرين مؤكدين، الأول هو المقدمات التي تنظم آليات الاختيار، التي أفترض أنها موضوعة بحكمة و إحكام، و التي أفترض أيضاً أن تطبق بعلمية و انحياز للإبداع خلواً من أي غايات وحسابات سوى الإبداع.

توجهات الهيئة تمنح المجال كاملاً و الثقة للجهة الوطنية الشريكة لتكون هي المسؤولة عن التنفيذ، بناءً على القيم المتفق عليها و المنحازة للإبداع، المحققة لعدالة التنافس، و التي تسعى لتحقيق شعار مسرح جديد و متجدد، و تحتفظ الهيئة لنفسها بحق المتابعة المحاسبية الدقيقة، و دراسة التجربة و النتائج حتى يتم تقييم العمل، و بالتالي اتخاذ الإجراء لتصويب الاعتوار، أو تعزيز الجيد، و هذا يتم ضمن آليات تقييم فني و إداري على حد سواء.

هل ترى أن الموازنة المرصودة لهذه المهرجانات تسهم في تطوير المنتج أم أنها تأتي فقط في سياق التشغيل والاستمرارية؟

ليس من مهمات المهرجان ولا من مهمات الهيئة التعامل مع المشاريع في سياق التشغيل، فهذه مسألة تضر بالإبداع المسرحي، فالتشغيل مشكلة بطالة و حلها يستلزم خططاً خاصة بمحاربة البطالة و فتح سوق العمل، و هذه المخططات لها علاقة بقوانين المهنة، و قوانين العمل، و حالة السوق، و الوعي المهني لدى الفنان، أما المهرجان فمهمته إبداعية، خلق منصة جديدة لخلاصة ما أبدعه المسرحيون.. و هي مهمة لا تتعمد التشغيل.

من هنا فإن الموازنة المرصودة برأيي لا بد أن تخضع لرؤية عملية تنأى بها عن (هواة التشغيل و التنفيع) و أعتقد أننا سنكون أمام هذا الاستحقاق في الدورة القادمة و ما تلاها، خاصة حين يكتمل عقد المهرجانات الوطنية في كافة الدول، حينها سيكون المسرح العربي أمام استحقاق إبداعي جديد ينظم مخرجات هذه المهرجانات.

من يرى مهمة المهرجان تشغيلية فهو قصير النظر، و من يراها إبداعية فهو الذي يرى المستقبل و يصنعه.