«أندرو بولارويد»…يابانية تراقص الضوء لتحكي رحلة الإنسان/ناجية السميري

ضمن برنامجه الخاص بالموسم الثقافي الجديد اقترح المسرح الوطني على جمهوره في سهرة الخميس الفارط عرضا راقصا قدمته اليابانية يو كواغوشي القادمة من ألمانيا حيث تقيم منذ سنوات.

العرض جاء بعنوان «أندرو بولارويد» وهي عبارة مركبة تعني بالإغريقية «أندرو» الإنسان و«بولارويد» آلة التصوير، وترتكز مقومات هذا العرض على ثلاثة عناصر وهي :الضوء الذي يتضح أنه عنصر أساسي في صياغة الحكاية، والحركة التي تنبعث من جسد الراقصة، والموسيقى التي تحضر وتغيب حسب السياق…

يتوزع الضوء على الخشبة توزيعا مدروسا من خلال مصابيح مستطيلة الشكل (أشبه بالأنابيب)مشدودة إلى خيوط رفيعة تتدلى بشكل تنازلي يقترب من الأرض تدريجيا يضفي عليها جمالية مدهشة، تضاء كليا أو جزئيا طبقا لتحرك الراقصة وموقعها على الركح وهي تسوق حكايتها بجسد يرتدي الأبيض ويتخلل خيوط الضوء الدقيقة ولا تلامسه فتبدو كشبح لا قدرة لك على ملاحقته أو الإمساك به… تتحرك يو أو لعلها تطير؟ لا أجد في المصطلحات مفردة تؤدي المعنى… دعونا نقول أنها شيء هلامي أقرب إلى السحر منه إلى فعل إبداعي محض، تنطفئ المصابيح فجأة وتضاء فجأة فإذا بها تغير موقعها على الركح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس وأحيانا نراها طائرة في الهواء، تغيّر موقعها في الظلمة بسرعة الضوء دون ملامسة الخيوط المشدودة إلى المصابيح رغم تقاربها… ومن خلال حركاتها الهادئة/ المتشنجة/ الحالمة/ المنفعلة/ الرافضة والمتسائلة أحيانا أو غالبا…تجسد سيرتها، ولادتها في طوكيو, طفولتها وتطلعاتها، ثم انتقالها للعيش في برلين حيث تختلف الثقافات بين البلدين. تكشف صورة الإنسان الذي حوّله إيقاع اليومي إلى روبو في بيئة تكاد تتجمد من فقر المشاعر ودفء الإحساس، تواصل يو كواغوشي هيمنتها المطلقة على الفضاء وتوغل أكثر في السؤال بإضافة قميص أحمر سقط فجأة على الركح… قطعة ملابس واحدة كانت كافية لتأخذ السؤال إلى منطقة أخرى وتصل الحدود بين اليابان وألمانيا.

بتردد وصعوبة تدخل يو في القميص وبنفس الإيقاع تخرج منه فاتحة ذراعيها كفراشة تغادر شرنقتها، تعانق الضوء وتراقصه ترسم معنى الحياة وتفجرها بعد فترة مظلمة بلمسة خفيفة للمصابيح واحدة تلو الأخرى فإذا بها تتدلى على وقع الموسيقى كما النجوم في ليلة صافية محولة الركح/الكون الى غابة ضوء… لتختم العرض الراقص بـ «سلفي» من هاتف افتراضي استحوذ على وظيفة آلة التصوير، وربما أرادت أن تصل بنا إلى مدى ارتباط الإنسان اليوم بهذا الجهاز الذكي الذي حوّله عبدا له (للتكنولوجيا) .

عرض «أندرو بولارويد» الذي صمم ديكوره الضوئي فابيان بالاش لم يتجاوز خمسا وثلاثين دقيقة كانت كافية ليكتشف الجمهور البعد الآخر لجسد الإنسان وما يمكن أن يجسّده من حكايات وقصص ومسائل يفككها ويفجرها بالسؤال. وفي ذلك الحيز الزمني القصير نسبيا يكتشف أيضا رحلة إنسان من بيئة إلى أخرى وتصادمه مع ثقافات وتمزّقه بين ارتباطه القدري بجذوره واضطراره للتعايش مع عوالم أخرى…

عرض ساحر يعطي ملمحا عن خيارات برمجة ثقافية للموسم الجديد 2016/2017، يعد بها المسرح الوطني جمهورا شغوفا بالإكتشاف والإطلاع على ثقافات من عوالم بعيدة ومختلفة.

المصدر/الشروق

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *