المسرحية التشيلية ” الملجأ – بنكر”…تفسخ العلاقات الانسانية في اجواء العزلة

 

 

المصدر/صوت العرب/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

تخرج من العمل الابداعي المميز وانت مسكون بالاسئلة التي تلح على العقل والوجدان،كما في العرض المسرحي “بنكر” ” الملجأ” الذي جاء في اليوم الليلة الاخيرة لمهرجان ليالي المسرح الحر الدولي، ويفتح العرض على مكان من طابقين، في الطابق العلوي شخصيات العرض الهاربة من الحرب، ترتدي البسة واقيه، وكمامات، وفي حركة اشبه بالنزوع الى الخلاص، او الهروب تتحرك الشخصيات نحو المستوى السفلي، حيث الحقائب، وخزائن للطعام والاستخدامات اليومية، وطاولة في مقدمة المسرح، وبجانبها سطل.

اسرة مكونة من الاب والام وولدين وابنة، باحثين عن حياة جديدة بعيدا عن الناس، للوصول الى صيغة جديدة للحياة، في ظل العزلة عن الناس، ويقررون تقويما جديدا لحساب حياتهم الجديدة، حيث على الجدار روزنامة تبدأ بالرقم 1.

المكان ضيق، والالوان قاتمة، والاب والام يتحكمان في تسيير الحياة الجديدة، من توزيع الطعام، الى الاستيقاظ، الى غسيل الاسنان، ومع مرور الايام تصبح الحياة لاتطاق، فالاسرة في مواجهة بعضها البعض، وبهذه الاجواء من العزلة تزداد شحنات الغضب في الدواخل، فالاب غارق في جريدته مع اخبار العالم الخارجي المزعجه، والام منهمكة بتفاصيل البيت، ومحرومة من التعبير عن مشاعرها المتاججة، مقابل حيادية الزوج وبروده في ارضاء رغباتها الجنسية، والابن الاكبر تزداد ازمته مع هذه العزلة عن الناس، فيبدأ بالتحرش باخته، لتتأزم العلاقة بينه وبين اخيه، وهكذا يتحول هذا القبو الى مخزن من العنف والكراهية والشذوذ، وتفكك الاسرة،ووقوع الابن في حب الام،وزيادة الوحشية التي تمثلت بذلك العنف في علاقة الزوج مع زوجته بعد ان فقدت رغبتها العاطفية، والام قتلت ابنها بحجة انه مريض ،لتعطي مريول المطبخ الى ابنتها، لتبدأ حياة جديدة،تعيد سيرة امها من القهر والعذاب، حياة منسوخة عن الالف يوم التي قضتها العائلة بعيدة عن البشر، فلا هي استطاعت ان تتواصل في الخارج، ولا استطاعت ان تبني لنفسها منظومة انسانية جديدة، نظرا لاستحالة اقامة علاقات انسانية في ظل هذه العزلة القاتلة التي لم تعمل الا على تعزيز ذلك الوحش الكامن في الذات البشرية. وان مقتل الابن المتمرد على يد امه، هو اشارة الى قبول هذا الواقع، ورفض اي محاولة للتغيير،وتتعمق المأساة في الخيارات المحدود المتاحة امام الاسرة، حيث قبيل ان تقوم الام بتسليم ابنتها للمسؤولية، نسمع صوت اطلاق رصاص في الخارج، في دلالة على ذلك الحصار المحيط بالانسان في كل الاحوال.

عرض مسرحي مدهش بهذا التكامل مابين عناصر العرض المسرحي، الذي يمثل فيه الممثل المحور الرئيسي،حيث الحركة، والايقاع الداخلي للشخصية، وهذا التواصل مابين الممثلين، بهذه الرشاقة والاتقان والحيوية، دون اخطاء او ارتباك، مع التناغم مابين الحس الداخلي، وادوات التعبير الخارجية، والتعبير عن هذا الصخب والرغبة والتناقض والمشاعر المضطربة،والانانية، والقمع والخضوع، فقد كان هذا الاداء الذي غاب عنه الحوار الا في الحدود الدنيا، كان معبرا عن هذه العزلة التي ايقظت كل هذا الجنون، ونتج عنها هذا التفسخ المتجه نحو المجهول، حيث تعبر عنه اشارة الاستفهام المقلوبة التي حلت مكان الروزنامة.

اداء مدهش للممثلين، والعرض درس في استخدام لغة الجسد كأداة للتعبير المسرحي، حيث التوظيف المدروس، والتناسق والتناغم حد الدهشة، وهذا الوعي عند الممثلين لدواخل الشخصيات ونوازعها، لتكون لغة الجسد بديلا اجمل عن اللغة المحكية، وبايقاع لم يهتز طوال العرض، في حركة تملأ المسرح،حركة محمومة في روتين يومي قاتل، بتنظيف ارضية الملجأ، وتنظيف الاسنان، وتناول الوجبات،ومواعيد النوم، وتوظيف لكل مفردات العرض، مع اضاءة وموسيقى منسجمة ومعبرة عن هذا الجو الخانق، الذي ينزع الانسان من فطرته السليمة، ويجنح به الى تعقيد الحياة، وبناء علاقات مشوهة، عندما يحولة الى اّلة ميكانيكية، او ترس في عجلة الدوران.

يمكن قراءة العرض على اكثر من مستوى، من مداخل التواصل الانساني، وبناء علاقات انسانية في مناخات صحية، وايضا قبول الاخر حتى بتشوهاته النفسية،استمراء قبول الواقع كما هو، وتصفية كل من ىيمتلك بذرة ارادة التغيير، اما على المستوى الفني، فهو عرض يحمل الدهشة والابهار ، ويحمل رسالته من خلال لغة جسد مدروسة وموظفة بذكاء وعمق واحترافية.

العرض من اخراج” باولا كالديرون” وكتابة “تيترو كيوربولمايت” وتمثيل” مايرا كاودرا، وبنجامين جورونو،وبابلو جويرا، وباولا هوفمان، وكارلوس سانشيز”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *