مسرحية “قبل أن ينتبه الضوء” تأليف حمزة البشتاوي

مسرحية “قبل أن ينتبه الضوء” تأليف حمزة البشتاوي
الشخصيات:
1- صابرين.
2- باسمة.
3- رامي.
4- أحمد.
5- صبرا.
 
تفتح الستارة: 
أربعة أطفال يقفون في وسط المسرح الذي يشبه ساحة من ساحات مخيم صبرا وشاتيلا ويتفرع من الساحة أزقة مفتوحة مع جدران عليها رسومات وشعارات تدل على هوية المكان (المخيم).
الأطفال  يتحركون بتأملون زوايا المسرح ثم يتقدمون باتجاه الجمهور يتفحصون الوجوه ثم يتحركون على خشبة المسرح وينظرون للأعلى.
صابرين: معقولة السما تمطر دم.
باسمة: جدتي قالت من زمان بسنة من السنين مطرت الدنيا دم والناس تشتت وصار خوف كبير.
رامي: يخرج ويعود من زقاق: صبرا ما بتعرف تلعب.
أحمد: أصلاً هي ما بتعرف تلعب.
باسمة: دورت وصرخت أكثر من مرة (أوفريرا) ما طلعت.
صابرين: هي ما بتعرف تتخبى.
رامي: كيف ما قدرنا نكشفها وهي ما بتعرف تتخبى.
أحمد: صار إلنا موقفين لعبة الغميضة زمان وهي ما بينت.
صابرين: وين ممكن تكون.
رامي: مطرح ما كانوا يقعدوا الرجال.
أحمد: بس الرجال راحوا.
باسمة: خلينا ندور عليها.
يبحث الأطفال عن صبرا (يخرجون ويدخلون إلى خشبة المسرح من الأزقة).
ويصرخون كل على حدا (أوف ريرا).
يلفت نظرهم شباك على أحد زوايا المسرح
راديو يتدلى بشكل واضح يقتربون منه
فيسمعون صوتاً يصدر منه ويتابعون البحث عن صبرا
صوت الراديو: بعد قليل سنوافيكم بنشرة مفصلة من الأخيار ثم موسيقى كلاسيكية.
الأطفال يتابعون البحث ويصرخون مجدداً كل على حدا (أوفريرا) وباسمة تقترب من الشباك وتنظر إلى الراديو.
صوت الراديو: تقوم الآن القوات الإسرائيلية بمحاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا من جميع الإتجاهات مع الإشارة إلى وجود حركة غير عادية في مطار بيروت الدولي وتفيد مصادر مطلعة بأن كل من رفائيل إيتان وآرييل شارون قد وصلا إلى المنطقة المحيطة بالمخيمين وإجتمعا بزعماء ميليشيا موالية لهم.
تزداد حركة الأطفال على المسرح بحثاً عن زميلتهم صبرا ومع حركتهم نسمع صوت رصاص وقنابل ، يصرخ الأطفال بأكثر من إتجاه (أوفريرا).
صوت الراديو: لقد تأكد بأن أعمال قتل تجري دون ضجة في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان وهذا يتطابق مع ما ذكرناه عن قيام القوات الإسرائيلية بمحاصرة المنطقة وإطلاق القنابل المضيئة ليلاً فوقهم كما تمنع السكان من مغادرة المنطقة  وتأخذ بعضهم إلى المدينة الرياضية وسط حديث عن تجهيز حفرة كبيرة في المكان.
تزداد حماسة الأطفال بالبحث عن زميلتهم وتصرخ صابرين: هي ما بتعرف تتخبى.
باسمة: تروحوا ندور جنب خالتها شادية.
يذهب أحمد باتجاه الشباك والراديو بينما يتابع الباقون الدخول والخروج الى المسرح ويبحثون عن صبرا ويصرخون : (أوفريرا).
صوت الراديو: أفادت مصادر خاصة بأن المهاجمين قد وصلوا إلى حي الدوخي في مخيم شاتيلا وأن الشارع الرئيسي للمخيم ممتلئ بالجثث وهناك شاحنات تقل أشخاص إلى جهة مجهولة.
الأطفال يتحركون ويصرخون (أوفريرا).
يعود صوت الراديو: كما تحدثت مصادر مطلعة عن إقتحام المهاجمين إلى مستشفى عكا وقتلوا من كان فيه وكذلك فعلوا في مستشفى غزة وسط دعوات المهاجمين إلى السكان للإستسلام والتوجه إلى المدينة الرياضية.
 
الأطفال وهم يواصلون البحث.
أحمد: عن جد ممكن الدنيا تمطر دم.
رامي: أنت خايف.
أحمد: لأ، بس وينها.
باسمة: صرت عم أشوف أو أتخيل صورها عاليحطان.
صابرين: غريبة ما طلع الليل بالمخيم.
أحمد: خلينا نرجع ندور بهالضو الغريب.
 
– يذهبون مجدداً للبحث عن صبرا. وسط فلاشات ضوئية على المسرح وكأنها قنابل مضيئة.
صوت الراديو: لقد غادر المهاجمين القتلة مخيم صبرا وشاتيلا بعد أن شعروا بأن رائحة الجريمة قد فاحت كثيراً خاصة وأنه لم يبقى إلا نفر قليل من الأحياء في المخيمين وقد دخلت المخيمين فرق من الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني وبدأوا بنقل الجرحى وبجمع الجثث من أجل دفنها.
وقد قال شاهد عيان أن القتلة وأدواتهم قتلوا حتى الخيول والكلاب.
 
– موسيقى كلاسيكية-
 
يصرخ الأطفال: أوفريرا.
ويصرخون صبرا صبرا.
يتقدمون باتجاه الجمهور صبرا صبرا
ثم يخرجون من المسرح وهم يصرخون صبرا صبرا.
– يختفي  الأطفال عن المسرح قليلاً ويعودون للبحث بصمت عن الفتاة مع موسيقى كلاسيكية وأضواء خافتة جداً ليظهر شاب على المسرح ويبدأ بقراءة الشعر: – مقاطع من قصيدة مديح الظل العالي لمحمود درويش يقول فيها:
صبرا ـ فتاةٌ نائمة 
رحل الرجال إلى الرحيل 
والحرب نامت بين ليلتين صغيرتين، 
وقدّمتْ بيروت طاعتها وصارت عاصمهْ.. 
ليلٌ طويلٌ 
يرصد الأحلام في صبرا، 
وصبرا ـ نائمة. 
صبرا ـ بقايا الكف في جسد قتيل 
ودّعت فرسانها وزمانها 
واستسلمت للنوم، من تعب، ومن عرب رموها خلفهم. 
صبرا ـ وما ينسى الجنود الراحلون من الجليل 
لا تشتري وتبيع إلا صمتها 
من أجل ورد للضفيرة 
صبرا ـ تغني نصفها المفقود بين البحر والحرب الأخيرة: 
لمَ ترحلون
وتتركون نساءكم في بطن ليل من حديد؟ 
لمَ ترحلون
وتعلّقون مساءكم 
فوق المخيم والنشيد؟ 
 
*****
صبرا ـ تغطي صدرها العاري بأغنية الوداع 
وتعدّ كفيها وتخطئ 
حين لا تجد الذراع: 
كم مرة ستُسافرون 
وإلى متى ستُسافرون 
ولأيّ حلم؟ 
وإذا رجعتم ذات يوم 
فلأيّ منفى ترجعون، 
لأيّ منفى ترجعون؟ 
صبرا ـ تمزِّق صدرها المكشوف: 
كم مرة 
تتفتّح الزهرهْ 
كم مرة 
ستسافر الثورة؟ 
صبرا ـ تخاف الليل. تسنده لركبتها 
تغطيه بكحل عيونها. تبكي لتلهيه: 
رحلوا وما قالوا 
شيئاً عن العودهْ 
ذبلوا وما مالوا 
عن جمرة الوردهْ! 
عادوا وما عادوا 
لبداية الرحلهْ 
والعمر أولاد 
هربوا من القبلهْ. 
لا، ليس لي منفى 
لأقول: لي وطن 
الله، يا زمن..!
*****
صبرا ـ تنام. وخنجر الفاشيّ يصحو 
صبرا تنادي.. مَن تنادي 
كلّ هذا الليل لي، والليلُ ملح 
يقطع الفاشيّ ثدييها ـ يقلّ الليل ـ 
يرقص حول خنجره ويلعقه. يغني لانتصار الأرز موّالاً، 
ويمحو 
في هدوءٍ.. في هدوءٍ لحمَها عن عظْمها 
ويمدّد الأعضاء فوق الطاولهْ 
ويواصل الفاشيّ رقصته ويضحك للعيون المائلهْ 
ويُجَنُّ من فرح وصبرا لم تعد جسداً: 
يُركِّبها كما شاءت غرائزه، وتصنعها مشيئته. 
ويسرق خاتماً من لحمها، ويعود من دمها إلى مرآته 
ويكون ـ بحر 
ويكون ـ بر
ويكون ـ غيم 
ويكون ـ دمٌ
ويكون ـ ليل
ويكون ـ قتل 
ويكون ـ سبت 
وتكون ـ صبرا. 
*****
صبرا ـ تقاطع شارعين على جسدْ 
صبرا ـ نزول الروح في حجرٍ 
وصبرا ـ لا أحدْ 
صبرا ـ هوية عصرنا حتى الأبدْ..
 
ينتهي الشاب من قصيدته
فيضاء المسرح بالكامل، ويتوجه الشاب إلى أحد زواياه ثم يقف الأطفال في وسط المسرح.
أحمد: ممكن الدنيا تمطر دم.
صابرين: لأ، صرنا نخاف.
رامي: ما لازم نخاف لازم نلعب ونتعلم بلا ما نخاف.
باسمة: مش قادري انسى يلي صار.
أحمد: القاتل لازم يخاف.
الجميع: مش رح ننسى يلي صار بس بدنا نكفي مهما صار.
يضعون إيديهم بايدي بعض ويرفعونها للأعلى أمام الجمهور ويقولون بصوت واحد: بدنا نلعب بدنا نتعلم بدنا نكفي مهما صار.
 
– ستار-
مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *