عين على المسرح -قريبا بجامعة أبي بكر بلقايد الملتقى الوطني الـثـاني حول تداخل الفنون في أزمنة متغيرة -آليات الوعي وإستراتيجيات الممارسة- بـقـلـم : عـبـاسـيـة مـدونـي –سـيـدي بـلـعـبـاس- الـجـزائــر

 

جامعة أبي بلقايد بتلمسان ، كلية اللغات والآداب ، قسم الفنون بالتنسيق مع مخبر الفنون والدراسات الثقافية تنفتح على احتضان فعاليات الملتقى الوطني في طبعته الثانية حول تداخل  الفنون في أزمنة متغيرة-آليات الوعي وإستراتيجيات الممارسة- وذلك يوم 24 من شهر جوان 2019 .

الملتقى الذي يأتي انطلاقا من رؤية الإنسان لنشأة الفنون باعتبارها وسيلة لإيجاد التوازن بينه وبين العالم الذي يعيش فيه ، باعتبار أن الفن حقل معرفي تتداخل فيه الفنون والعلوم المعرفية ، للوقوف عند إشكالية الإجادة والإتقان بهذا الملتقى ، وعند عتبة ماهية تلكم الإبداعات الفنية سواء في المهج أو في الموضوع أو في المفاهيم .

لتتثار سلسلة من الإشكاليات لعل أهمها : هل كانت مجموعة تلكم الإبداعات مجرّد  استنطاق لجملة من الأفكار المقيدة          و التشفي في الأحاسيس؟ أم أنها تجاوزت حالتها الفردية، لتصبح نظريات و تمثلات ثقافية وبنية فكرية، في ما هو عقائدي         و اجتماعي و جمالي؟ وكيف نفهم آليات الوعي وإستراتيجية الممارسة التي سمحت للفنون بالتداخل فيما بينها لضرورات    مختلفة ؟

علامات استفهام تبقى شاخصة ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الفنّ هو إحدى حدقتي  تاريخ الحضارات اللّتين نُبحِر بهما، حينما يلتقط تفاصيل الوجود الإنساني، مُحافظاً على استقلاليته الإبداعية، وهو علم له تخصّصات وفُروع، يُدَرَّسُ في الجامعات وفي المعاهد ويُمارس في كل زمان ومكان، وسواء أكانت الأعمال مكتوبة بأقلام النُقّاد والأدباء أو بريشة الفنّانين، فإنها تمثل كمّاً ضخمًا، جعل منها تتخذ ظاهرة لافتة للنظر وواسعة المَدى، حملت بين دفّتيها تداخلاً لأنواع كثيرة من الفنون، وحشدت في تَخَصُصاتها كل أنواع البيان والبلاغة ومن مصطلحات تبدو غريبة أو دخيلة في بعض الأحيان، تستوقف المتلقي لتنبئ في مجملها عن ثقافة واسعة، وحقل لا نهائي من التجارب، مما استدعت الضرورة على الباحث أن يجعل من الفنّ دعامة من دعامات بحثه، وألاّ يصرف عنه الرّيشة أو القلم أو الأداء، لتكون فيها الرُؤية أقرب للحقيقة والبصر ثاقبا، في كلّ خطوة يخطوها، بالتمثلات الثقافية التي أنتجتها الفنون، وبفهم آليات هذا التداخل وممكناته الفنية والجمالية، كعلاقة الفن بالنّقد وعلم الجمال والفلسفة وعلم النفس وعلم الآثار وتأثير أفكار ما بعد الحداثة، وأثر التقنية التكنولوجية على المجال التعبيري والتقني في بنية الأعمال الفنية، وحتى العوالم البانية للأدب الحديث، مقترنة ومتداخلة أثناء اشتغالها بالفنّ والرّمز، ومُدعمةً في داخله، بعوالم المخيال والمسرح والسينما والفنون التشكيلية والموسيقى وغيرها من الفنون والعلوم، التي أسهمت مباشرة أو بصورة غير مباشرة، في رسم منحنى لتّطور الفنّ، والذي يمكن تتبعه بدقّة لإثراء معرفتنا بالفن.

يهدف الملتقى إلى تحقيق جملة النتائج للوقوف عند ظاهرة تداخل الفنون ، مع الاستشهاد بأمثلة حيّة بشأن تطبيقات سلسلة المداخلات التي من شأنها إثراء الملتقى ،  ومتابعة أهم  أعمال الأساتذة وتجارب الكتاب والفنانين والمخرجين الجزائريين وأبحاث طلبة الدكتوراه، والتي تَصُبّ بالأساس في تثقيف المجتمع الجزائري، باعتبار أنّ الجامعة تشتغل وفق مقتضيات الدّور المعرفي والعلمي، لكي تجيب على أسئلة المجتمع، وتستجيب لحاجياته من البناء المعرفي والصّناعة العلميّة والثقافية، وتقديم دراسات مستقبلية.

وعملا بتحري الإشكاليات والوقوف عند عديد الأطروحات التي تأتي في ضوء الملتقى ، فإنه يرتكز على مجموعة من المحاور لعل أهمّها كمحور أوّل إعادة الوحدة المفقودة بين الفنون ، حيث أنه أمام الانفتاح والتطور، لم تعد الفنون تكتفي بأنواعها المستقلة، لدرجة استنفذت فيها الموضوعات طولا وعرضا، فأذابت الحدود الفاصلة بين بعضها البعض، من أجل إحداث علاقات جديدة للوصول لنوعية مميزة، مما يؤثر بشكل وجداني على المتلقي، ومعنى هذا أن الحدود التي أقـامها المنظرون للتمييز، ليست بقوانين، بشرط أن يكون تجاوز الحدود، بتراسل و بتماهي داخلي، من شأنه تطوير العناصر البنائية والموضوعات الفنية، ومعنى هذا أيضا فيما معناه، أن الفنّ يفيد ويستفيد من العلوم، وينفتح على العلوم المجاورة، ويمكنه التمازج و الترابط أو الانصهار، بين مجالات مختلفة في الفنّ، وجعلها منبعا واحدا، لأنّه أقصر طريق للتطور من جهة والتعبير  الكامل وفهم المعنى من جهة أخرى.

وقوفا عند محور ثان يتضمن تداخل الفنون وحوارية الأجناس الأدبية حيث أنه كلُّما تعذّر على النّقاد و البّاحثين تفسير نصّ من النّصوص الأدبية، إلاّ و ربطوه ببعض جوانب الحياة التقليدية والأساطير والعادات للجماعات، إذ يهدف المحور إلى ملامسة كيفية استفادة الأجناس الأدبية من الفنون الشفهية كالموسيقى بالأغنية الشعبية والمديح الديني وغيرها، والأدائية كالرقصات الفلكلورية، أو التعبيرية كالوشم والتشكيلية والحرفية وغيرها كثير ، مع البحث في طريقة تذوق هذا التداخل، وأيضا تراسل الفنون وتقديمها بالمستوى الذي يليق بهذه الظاهرة الحضارية المتسارعة، التي يفرض الواقع اغتنامها لتحقيق قوة دفع تطويرية للفنون، بمضمونها الفطري الدرامي والتلقائي، وبقالب فني ناقل لفكر الأمم من جيل لجيل، وتتويجا لخبرات الإنسان ومعارفه، وأحاسيسه، ومشاعره المعبر عنها.

ليأتي ثالث محور في خانة المفاهيم والمقاربات المعاصرة حول تداخل فنون العرض والأداء ، وهذا بإثارة موضوع المصطلح الفني بين النقل والترجمة والتعريب ، الترجمة والفروق الحاصلة في فهم المعنى، وتوحيد المصطلح ، مع الوقوف عند الفن والفلسفة المعاصرة والبحث في مناهج وطرق معالجة الفلسفة المعاصرة لمواضيع الفن، التي لم تكن موجودة لدى الفلاسفة السابقين ، ناهيك عن وضع اليد على الفن وعلم النفس بمعالجة الكيفيات التي يلتقي في جانبها الفن مع علم النفس، ويختلف معه في جانب آخر منها في التحليل النفسي، في نتاج الفن، مع الوقوف عند كيف نترجم البحوث والأعمال في مجال الفن إلى ممارسات في الحياة اليومية التي في الأساس  تهدف إلى تحسين نوعية الحياة لدى الأفراد.

أما آخر المحاور فيثير موضوع تطور الفنون والتحديات المستقبلية في الجزائر إذ يسعى لوضع اليد على واقع الممارسات الفنية (المتداخلة)، في الجزائر مع عرض نماذج لتداخل الفنون في الوقت الراهن في الجزائر، وتسليط الضوء على معوقات تداخل الفنون في الجزائر، دونما إهمال ذكر الحلول المرجوة لتحقيق الميزة التنافسية في هذا المجال، للحديث عن واقع تداخل الفنون مع التقنيات التكيفية الحديثة في الجزائر، لتمكين أصحاب الإعاقات، كالمكفوفين مثلا من ممارسة المسرح في شكل صور الإمتاع والإقناع الفرجوي، أو كمتلقي وحقه في الاستمتاع بالعرض المسرحي ، وإظهار كفاءة  المكفوف وما يمتلك من قدرات فاقت في كثير من الأحيان، كفاءة نظرائه من المبصرين، فهل احتضن المسرح الجزائري هذه الشريحة كممارسين بالقدر الكافي ، وباعتبار الكرسي المتحرك والعصا البيضاء جزءاً مهما، من الأدوات الدائمة التي يصطحبها ذوي الاحتياجات الخاصة  في حياتهم اليومية، فكان لابدّ من أن نتساءل عن مدى توظيفهما لجعلهما أداة مهمة وضرورية، ليتشكل منهما خطاب تصنيفي ووصفي وتكويني ،   لها من الدلالات والمعاني على الركح المسرحي مالها ، مع إثارة قضية الفنـّـان الممارس والباحث الأكاديمي حيث نلفي عزوف الجمهور عن الارتداد على محلات العرض التشكيلية، بسبب عدم فهم الأعمال الفنية، أو غياب خصوصية مجتمعه في اللوحات الفنية، ولا تكتمل أواصر هذه الحلقة إلا بحضور الأكاديمي، فكيف يتم توطيد العلاقة ما بين الباحث العلمي والفنان التشكيلي.

هذا الملتقى الوطني الثاني ، الذي يحمل بين طياته كثير المفاهيم والمصطلحات وعديد المحاور المهمة التي تعتبر الشغل الشاغل للأكاديمي والممارس على حدّ سواء ، من شأنه أن يكون نافذة حوار جادّ وفاعل للوقوف عند جميع التساؤلات   المطروحة ، والتي ستطرح بأكثر من أسلوب من لدنّ المشاركين الذين سيثرون فعاليات هذا الملتقى في الموعد المحدّد .

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …