الرجل امرأة والمرأة رجل: التبادل الجنسي في المسرح

سُئل أحد النحاة : متى يلبس العريس ثوب العروس ؟ فقال : في النحو، من ثلاثة إلى عشرة، إذ يقال ثلاث نساء وثلاثة رجال. وسئل أحد المثقفين السؤال نفسه فأجاب :

 

 

 

في المسرح، حيث يتقمص الرجل شخصية المرأة، وتحلّ المرأة في إهاب الرجل، في عملية تبادل أدوار مسلّية، يكون فيها الفرد ناظرا ومنظورا إليه كجنس غير جنسه، كأنه يتملى في المرآة وجها آخر.

تبادل الأدوار هذا قديم قِدم المسرح، إذ يرجع عهده إلى المسرح اليوناني القديم مع أوريبيد وإيشيل. وقد فشا هذا التقليد في أوروبا منذ العصر الإيليزابيثي إلى الكوميديا ديلاّرتي وبيرانديلّو وجان جينيه، وكذلك في الصين ” الأوبرا ” واليابان ” الأونّاغاتا ورقصة البوتو” والهند ” رقص الشَّكري والغُوتيبْوا ” ثم في أمريكا ” مسرح السخرية لجون فاكارو ” وأمريكا اللاتينية ” المسرح الأرجنتيني الراقص ” والمشرق العربي، إما من خلال أعمال صيغت أساسا لهذا الغرض، أو باختيار هذا الممثل أو تلك الممثلة أداء دور جُعل للجنس الآخر. وقد استقطب هذا الاتجاه كثيرا من مشاهير الفنانين والفنانات.

كذا سارة برنارت في دور “هاملت” وماريا كاساريس في دور “الملك لير” وفيونا شو في دور “ريتشارد الثاني” ولورانس أوليفييه الذي بدأ حياته الفنية بأداء دور كاتَرينا في مسرحية “ترويض النمرة”، وخصوصا الصيني ماي لانفانغ الذي أبهر أعلام هوليود من شارلي شابلن ومايرهولد إلى بسكاتور وإيزنشتاين، وأوحى لبرتولد بريشت بنظريته في المباعدة distanciation أي موقف البعد المتحفظ الذي يتخذه الممثلُ من شخصه والمشاهدُ من العمل المسرحيّ.

وإذا كان المسرح التونسي، مثلا، في بداياته مطلعَ القرن الماضي قد أسند أدوار النساء اضطرارا إلى ممثلين، نظرا لموقف المجتمع المحافظ من خروج المرأة وسفورها واختلاطها بالرجال، فضلا عن صعودها الخشبة أمام جمهور ذكوري في سواده الأعظم، فإن هذا التقليد في الغرب يمضي في الاتجاهين كما بيّنّا أعلاه، ولا يزال قائما حتى اليوم، حيث تُعرض في بريطانيا مسرحيات شكسبير مثل “الليلة الثانية عشرة” أو “حلم ليلة صيف” بأداء فرق ذكورية خالصة.

وكذلك في فرنسا، حيث يتابع عشاق الفن الرابع بمسرح “أتيني” بباريس حتى منتصف الشهر الجاري أوبريت “جزيرة توليبَتان” ” جزيرة وهمية يمكن ترجمتها بزَنْبقتان ” لجاك أوفّنْباخ “1819- 1880” وهي مغنّاة هزلية في فصل واحد أعدتها للمسرح فرقة “قطّاع الطرق” الفرنسية، وتروي بأسلوب يطغى عليه الهزل قصة ملك تضع زوجته في غيابه بنتا، وتوهمه بأنها ولدت ذكرا سمّته ألكسيس حتى تضمن لمُلكه وريثا. وفي الوقت نفسه ولدت زوجة وزير العدل طفلا خافت أن تفقده في المعارك حينما يشتد عوده، فأوهمت زوجها بأنها وضعت بنتا سمّتها هرموسا.

ثم يكبر الطفلان فيرى الناظر إلى سلوكهما ما لا يدل على جنسيهما، فألكسيس يتصرف مثل فتاة، فيما هرموسا هي أشبه بالفتيان في بنيتها وتعاملها، إلى أن يقع أحدهما في هوى الآخر، ولكن الاقتران مستحيل في نظرهما وفي نظر الأولياء، قبل أن يكتشف الوزير السرّ ويفشيه مِن حولِه. عندئذ أسرع كلاهما لاستعادة المظهر القمين بجنسه، وأمكن لهما الزواج.

وتفسّر شنطال أوبري، الكاتبة والصحافية الفرنسية، في كتاب لها صدر منذ أيام عنوانه “المرأة والمتنكّر” نزوع البشر إلى travestissement أي التنكر باللباس والسلوك والخطاب، بعيدا عن الفضاء المحدود للعرض المسرحي بـ “أنه ناتج عن منع الرجل اقتحام المرأة الفضاء العامّ، وحصرها في خدر الحريم، مما اضطرّه، في الغرب كما في الشرق، إلى الحلول محلّها”.

وتحلل كيف تطوّر الحرمان والتجلي بتطور المجتمعات تطوّرا وصل إلى حدّ الانقلاب، كما نشهده اليوم في الأعمال الفرجوية الحيّة أو الموضة، حيث بدأت تطغى مطالب تنضوي تحت ما تسمّيه “عابر الجنس” transgenre.

وليس المسرح وحده الذي يختص بهذا النوع من التبادل، ولكن إذا كان الفتيان يؤدون دور البنات في مسرح المنوعات music-hall فالغرض من ذلك هو الرقص، وفي الملهى cabaret فهو لغاية الغناء، أما في المسرح فللهزل والضحك.

 

العرب أونلاين- أبو بكر العيادي

http://www.alarabonline.org

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *