العلاقة السايكولوجية بين الممثل وخشبة المسرح؟! هايل علي المذابي
العلاقة السايكولوجية بين الممثل وخشبة المسرح؟! هايل علي المذابي

العلاقة السايكولوجية بين الممثل وخشبة المسرح؟!
هايل علي المذابي
* لخشبة المسرح ذاكرة تنام فيها كما كانت تنام معرفة الخير والشر في التفاحة الإلهية التي أكلت منها حواء وآدم في الجنة!.
==========
طرأ مؤخرا جدل واسع حول الممثل يحيى الفخراني الذي يبلغ من العمر زهاء ثمانين عاما ويسير على عكاز لولا أنه في عرضه المسرحي الأخير “الملك لير” يؤدي دوره على الخشبة ولمدة ساعتين بلا أي ملامح لأي عجز أو وهن وبلا عصا يتكأ عليها وكأنه شاب في الثلاثين من عمره مملوءًا بالنشاط والحيوية فما السر وراء ذلك؟
الإعلامي أسامة كمال وجه هذا السؤال للفنان يحيى الفخراني في حوار عُرض مؤخراً فكانت إجابة الفخراني هي: إن «أدرينالين المسرح» ينسيه أي تعب أو احتياج للعصا التي يستند إليها، فبمجرد أن يطأ الخشبة حتى ينسى كل شيء، لأن فيها طاقة غير عادية.!.
الفخراني فسر حالته هذه من خلال موقف استغربه هو شخصيا، حدث أمامه مع الفنانة الكبيرة أمينة رزق.. ويأخذ الفخراني في شرح حالته فيقول، إنه كان يستعد ذات مرة لافتتاح إحدى مسرحياته في مسرح الجلاء، وقبل العرض سمع في الكواليس صوت الفنانة أمينة رزق وهي غير قادرة على الحركة، وتطلب المساعدة، فساعدها في الوصول لغرفتها، لكن في نفس الوقت توتر وخاف كثيرا من حدوث شيء لها، ثم بادر بالذهاب إلى مخرج العرض ووصف له حالة الفنانةأمينةرزق، وطلب منه تأجيل العرض أو إيجاد حل لأن أمينة رزق متعبة جدا، وليست قادرة، لكن المخرج طمأنه وقال لا داعي للقلق، لكن ذلك لم يريح باله. بعد ذلك وقد حان وقت تقديم العرض رأى يحيى الفنانة أمينة رزق على المسرح، ففوجىء بصوتها الذي يصل إلى آخر القاعة، كما تفاجأ بالطاقة غير العادية التي أصبحت لديها، فبدت وكأنها شخص آخر غير ذلك الذي بدا عاجزا غير قادر على التنفس والحركة قبل بدء العرض….. هذا الموقف أثر كثيرا على الفنان الفخراني إلى الحد الذي جعله يتعثر في تذكر النص الذي كان عليه أن يقوله ثم أخذ بعدها يسأل نفسه: هل من المعقول أن تكون هذه المرأة هي نفسها التي كانت في الكواليس؟ ثم أدرك منذ ذلك الوقت أن للمسرح طاقة لها القدرة على بعث الحياة في أوصال الممثل حتى في أشد لحظات الوهن والضعف.
كيف نفسر ذلك علمياً؟!
لنعرف ذلك يلزمنا أن نُعرِّف الرابط والذي بسببه تكون ربط عصبي لدى الممثل بين شيئين هما خشبة المسرح والقوة البدنية التي لطالما كان يمتلكها وهو يؤدي أدواره عليها ….
والرابط نفسيا وفلسفياً هو: إقامة علاقة بين مُدركين لاقترانهما في الذهن لعلةٍ ما..
وثمة تجربة للعالم الروسي إيان بافلوف توضح ذلك وتفسره حيث أكتشف هذا العالم ظاهرة غريبة عندما كان يدرس كيفية عمل الجهاز الهضمي عند الكلب ، وهذه الظاهرة أطلق عليها ” الأفعال الشرطية الكلاسيكية ” وهي توضح كيف أن المحفز الخارجي يمكن أن يرتبط باستجابة سلوكية معينة (وهذا المحفز بالنسبة للممثل هو خشبة المسرح)، بعد هذا الاكتشاف أصبح بافلوف أحد العلماء المؤثرين في حقل علم النفس السلوكي وأصبحت تجاربه ونظرياته أساساً لكثير من الدراسات والبحوث التي سيطرت على حقل علم النفس لسنوات كثيرة لاحقة ولحد الآن .
وتتلخص التجربة بالنقاط التالية:
أولا/ إذا دُقّ الجرس قرب الكلب فإنه لا يفرز لعاباً في فمه.
ثانياً/ إذا قُدّم الطعام وهو محفز خارجي غير شرطي (ucs) يستجيب الكلب استجابة غير شرطية (ucr) بإفراز اللعاب في فمه .
ثالثاً / إذا تكرر دق الجرس مباشرة قبل تقديم الطعام فإن الكلب يستجيب استجابة غير شرطية بإفراز اللعاب للتهيؤ لالتهام الطعام.
رابعاً/ وبعد محاولات عدة شرطية إذا استمر دق الجرس وهو محفز شرطي (cs) فإن الكلب يستجيب بإفراز اللعاب حتى دون تقديم الطعام ظناً منه أن الطعام سيعقب دقة الجرس وهذا ما يطلق عليه بالاستجابة الشرطية .. ونرى أنه تكون للكلب رابط عصبي بين دق الجرس والطعام….. تماما مثلما يتكون رابط عصبي بين الخشبة و الحياة للممثل…
إن الخشبة بالنسبة للممثل هي ذاتها قميص يوسف الذي ألقاه البشير على يعقوب فارتد بصيرا، وهي ذاتها بدلة المحارب حين يتلاشى كل خوف من قلبه حين يرتديها فتحوله إلى وحش كاسر لا يخشى ما يواجهه حتى ولو كان حتفه…..