المسرح وخطاب ما بعد الكولونيالية قراءة في كتاب “المسرح والهويات الهاربة” للبروفيسور خالد أمين بقلم ياسين الهواري
المسرح وخطاب ما بعد الكولونيالية قراءة في كتاب "المسرح والهويات الهاربة" للبروفيسور خالد أمين بقلم ياسين الهواري

المسرح وخطاب ما بعد الكولونيالية
قراءة في كتاب “المسرح والهويات الهاربة” للبروفيسور خالد أمين
ياسين الهواري[1]
مقدمة:
يُعدّ كتاب “المسرح والهويات الهاربة: رقص على حد السيف” للبروفيسور خالد أمين إضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال دراسات الفرجة والنقد المسرحي، فهو لا يقف عند حدود تحليل الظاهرة المسرحية بوصفها مجرد فعل فني، بل يغوص في أعماق العلاقة المتشابكة بين المسرح والهوية في سياقاتها المتغيرة والمتحولة، حيث تصبح الهوية سائلة، متحركة، وغير ثابتة، أشبه بـ”رقصة على حد السيف” تتطلب توازنًا دائمًا وتأقلمًا مستمرًا مع التحولات الاجتماعية.
الفصل الأول: الفرجة ومآلاتها رقص على حد السيف
يناقش الناقد المسرحي خالد أمين في هذا الفصل مفهوم الفرجة، ويعيد مساءلته نظريًا ضمن السياق المغربي، بداية بالتقعيد النظري لهذا المفهوم ومجالاته بالمغرب، كما هومعلوم أن البدايات والإرهاصات الأولى للفرجة ظهرت مع الدكتور حسن المنيعي باعتباره المؤسس الحقيقي للفرجة في المغرب، وبالتالي تطورت هذه الكلمة “فرجة” في المجال المسرحي حتى أصبحت رافدا من روافد أدبيات النقد المسرحي المغربي، لأنها وظفت في الحقل المسرحي بالمغرب بوصفها مردافا وليس بديلا للعرض والأداء، كما جاء على لسان خالد أمين: “أن الفرجة أشمل من الأداء ومن المسرح بل تستوعب الإثنين معا.
الفصــل الثانــــي: مســــرح المثقافـــــة
يربط المؤلف بين مفهوم المثاقفة وتفاعلات الهوية، معتبرا أن المسرح بوصفه فنا عابرا للحدود، يمثل جسراً لهذه التبادلات الثقافية، لأن المثاقفة حسب تعبيره تتطلب اتصال ثقافتين تؤثر إحداهما في الأخرى، وبالتالي هناك تناسج واختلاط بين الأنا والغير، وإلى جانب المثاقفة هناك “الهوية” باعتبارها عنصر أساسي ساهم في عملية المثاقفة في عدة حقول(المسرح…)، لأن هذه الهوية كما أشار إلى ذلك الناقد في أخر المطاف هي نموذج مثالي للاشكال الهاربة والمهاجرة، وهذا يدل على أن الهوية تتميز بالتغيير والتجديد، لأن تطور الحقول الأدبية وعلى رأسها المسرح جاء نتيجة التبادلات الثقافية بين مختلف الشعوب يقول خالد أمين: “خير دليل على هذا التطور هو ثأثير التقاليد الفرجوية الشرقية في المسرح الإغريقي القديم.”[2]
الفصـــل الثالـــث: المنعطـــف مابعـــد الدرامــــي في المســـرح
يُخصص الدكتور أمين حيزًا مهمًا لتحليل ما يسمى بـ المسرح ما بعد الدرامي، مُحدِّدًا خصائصه في تسعة عناصر، منها: أولا: اللاتسلسل الهرمي، ثانيا: اللعب بكثافة العلامات المسرحية وتنوعها، ثالثا: انفجار البعد الحقيقي، رابعا: التناص أو كتابة المحو على أنقاض كتابات أخرى سابقة، خامسا: الفيزيقية، سادسا: استعمال الجماليات الوسائطية، سابعا: الجوقية، ثامنا: الاهتمام المتزايد بالرقص، تاسعا: انتشار السرد ومسرح الفعل الكلامي. وفي هذا الإطار نستحضر قول الباحث وليمان بخصوص عودة السرد إلى المسرح من خلال مبدأ الحكي: “المسرح أصبح بؤرة للفعل السردي.”[3]
الفصــــل الرابــــع: مســــرح عبد المجيد الهـــــواس إبــــداع عابـــــر للحـــــدود
يتحدث الناقد المسرحي خالد أمين في هذا الفصل عن تجربة عبد المجيد الهواس باعتباره رائدا مسرحيا بامتياز وخاصة في السينوغرافيا، وقد اعتبر خالد أمين تجربة الهواس إبداع عابر للحدود، وذلك من خلال الشمولية في تنوع المنجز والتي تتراوح بين كتابة القصة القصيرة، والتشكيل وإبداع السينوغرافيا، والكتابة الركحية الشاملة، كما هو معلوم الهواس أبدع بشكل كبير في السينوغرافيا مع مجموعة من الفرق “فرق مسرح الشمس، ومسرح اليوم…” لأن الرجل احتك بنخبة من المخرجين من قبيل “عبد العاطي المبارك، أسماء هوري…”، وبالتالي الهواس يميل إلى الإخراج المسرحي، ومن بين أعمله “شتاء ريتا الطويل” 2005.
الفصل الخامس: مسرح محــد قاوتي رهانات الاستنبات المسرحي والكتابة البعدية
يركز خالد أمين على تجربة محمد قاوتي لكونه أحد رواد المسرح المغربي، وفارس من فرسان الاستنبات المسرحي والكتابة الدرامية بالمغرب، ومن إبداعته المسرحية “الحلاج يصلب مرتين 1978..” كما حاول اقتباس نصوص مسرحية عالمية من قبيل “الذي يقول نعم والذي يقول لا” لبريخت في مسرحية العادة 1976 وكذلك” في انتظاركودو” لصامويل في مسرحية “سيدنا القدر”1985” وغيرها من المسرحيات، هذ يدل على الدور الريادي لقاوتي في كتابة الحكاية الشعبية في أبهى تجلياتها مستعملا اللغة اليومية لجهة الشاوية (أولادحريز)، لأن استعماله للعامية يتوافق مع اشتغاله على “الاستنبات” في المسرح: “الذي يفكر هو الذي يحاول جاهداً تطوير الخبرات المنجزة عبر تاريخ المسرح.”[4]
الفصل السادس: حســــــن المنيعــــــي الرائــــــد المتجــــــدد
يتناول هذا الفصل تجربة الرائد حسن المنيعي بوصفه النبيلة الأولى في المشهد المسرحي المغربي، وذلك من خلال أدواره الريادية المواكبة للمنجز المسرحي، ومن أبرز إصدارته قبل الرحيل “مقاربات مسرحية الصادر عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة، وهذا دليل على مواكبة الرجل لمستجدات الساحة المسرحية العالمية، ويتبين ذلك من خلال فك شفرة شعرية “مسرح مابعد الدراما” و”مسرح الهجرة”، لأن المنيعي خصص حياته للبحث والكتابة في عدة ميادين: ثقافية، فكرية، فنية. ومن المؤكد أن الممارسة الإبداعية عند أستاذ الدرس المسرحي بدأت مع كتابه الأول “أبحاث في المسرح المغربي” كما أشار إلى ذلك عبد الله شقرون: “وعندما أصدر النير والمنير “أبحاث في المسرح “سنة 1974…مرجعا أساسا في ميدان المسرح المغربي.”[5]
خاتمة
بعد هذه الجولة المتواضعة في محتويات كتاب “المسرح الهويات رقص على حد السيف” يمكن القول: بأن مشروع الدكتور خالد أمين في الدراسات المسرحية سلط الضوء من خلاله على مفهوم “الفرجة” باعتبارها كلمة متجذرة في المتخيل الفرجوي الشعبي المغربي، هذا التتويج للمشروعي النقدي والفكري جعل صاحبه سبقا لمثل هذا التنظر، مبرزا الدور الريادي لحسن المنيعي في تداول كلمة فرجة من خلال كتابه “أبحاث في المسرح المغربي” وترجمته الفريدة ونقده البناء، لأن خالد أمين طور هذا المشروع وذلك من خلال معرفته الواسعة بثقافات الفرجة في شمال إفريقيا والعديد من نظيراتها العالمية. هذاما جعل الكتاب مؤسسة جديدة يستحق التنويه والاعتناء، وأولى بالقراءة والتوسع والبناء.
[1] طالب باحث في سلك الدكتوراه: الآداب، العلوم الإنسانية، العقيدة، الفنون وعلوم التربية، تكوين المسرح ودراسات الفرجة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي تطوان، المملكة المغربية.
[2] خالدأمين، المسرح والهويات الهاربة رقص على حد السيف، المغرب دار النشر المركز الدولي لدراسات الفرجة، ط1، 2019، ص: 74.
[3] نفسه، ص: 131.
[4] خالدأمين، المسرح والهويات الهاربة رقص على حد السيف، مرجع مذكور، ص: 198.
[5] خالدأمين، المسرح والهويات الهاربة رقص على حد السيف، مرجع مذكور، ص215.