ھاني صنوبر.. رائد المسرح الأردني  #الاردن

هاني صنوبر.. رائد المسرح الأردني

تجانِبُ الصوابَ الآراءُ والمقولات التي اعتبرت أن المسرح بدأ في الأردن في مطلع

العشرينيات من القرن الماضي، هذا إذا شئنا مقاربته من مفهوم الشكل المسرحي

الغربي، إذ إن ما قُدم ليس سوى جهد هواة متعلق )بالألقاء والتمثيل في الأندية

والمدارس والكنائس والجمعيات الخيرية وكذلك في المدن والقرى ومضارب البدو1(.

ويمكن القول إن بدايات المسرح الحقّ تعود إلى ستينيات القرن الماضي، بفعل

عاملين اثنين؛ الأول: حضور أجواء ثقافية واجتماعية وسياسية مثّل المد القومي

العروبي آنذاك رافعتها، وكان من نتاجها إنشاء الجامعة الأردنية.

 أما الثاني، فقد تبلور مع الحضور الفاعل للمخرج الأكاديمي هاني صنوبر (1934-2000) في عمّان ودمشق، بعد تخرجه مباشرة في عام 1957 ،بمرتبة درجة الماجستير في المسرح والدراما من مسرح كوزمان ثياتر في الولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن صنوبر الذي عدّه كثيرون «أبا المسرح الأردني»، قام بمأسسة حقيقية للمسرح في البلاد، ليس ابتداءً من قيادته في عام 1962 فرقة أسرة المسرح الجامعي، التي انبثقت من نشاطات الجامعة الأردنية؛ مروراً بالنهوض في تأسيس أسرة المسرح الأردني (1966-1972) التابعة لمديرية الثقافة والفنون، والتي دعمها آنذاك الشريف عبد الحميد شرف؛ وانتهاءً بآخر ما جادت به قريحة صنوبر من إبداع فكري في عمله المسرحي الأخير «مدينة بلا حدود»، الذي قدمه

نادي اليرموك، وعُرض في المركز الثقافي الملكي عام 1988 على خشبة المسرح الذي سُمي باسمه لاحقا، ليحلّق صنوبر به من المحلية إلى العالمية، فهو من الأعمال الأكثرتميزا على المستوى العربي في الربع الأخير من القرن الماضي ففي هذا العمل الذي تأسس على نص درامي لماهر أبو الحمص، ابتعد صنوبر أكثر عن النصوص العالمية، واقترب كثيراً من الفضاءات والمناخات المحلية المعاشة في

صميم وجدان الشعب، وبخاصة في تناول هذا النص لواقع مدينة القدس تحت

الاحتلال، واحتفائه بالمقاومين.

وفي هذا العمل دعت الرؤية الإخراجية في عملية إنشاء الفضاء المسرحي، إلى الغَرْف من جماليات التراث وكنوزه؛ ليس بشكل فلكلوري، وإنما باستلهام قيمه المضيئة للدعوة إلى التحرر من الاحتلال وإلى حرية الفرد في خياراته الفردية والإنسانية والاجتماعية والسياسية.

أما على مستوى البناء السمعي لهذه المسرحية، التي جاءت بعد ما يزيد عن ثلاثين

مسرحية أخرجها صنوبر، فلم تحضر أيّ أداة موسيقية غربية في بنائها الصوتي، بل إن جمله وأنغامه ائتلفت من صياغات أخرى مغايرة؛ كالأنغام المتأسسة على الأصوات البشرية، المتناغمة مع الإيقاعات الصادرة من الضرب على الدفوف.

بينما تأسس البناء البصري على مرئيات من خطوط ونقوش جماليات الديكور والأزياء الإسلامية والمسيحية، التي تمايزت دلالياً مع قبح أزياء جنود الاحتلال وآلاتهم العسكرية أثناء بطشهم، في سياق الأحداث الدرامية، بالمدنيين من أهل القدس، فضلا عن ممارسته للتهجبر القصري عليهم.

وبدا واضحا انحياز صنوبر لفضائه الإنساني والاجتماعي المعاشين، في مسرحيته

الأخيرة، ما يؤكد أن العالمية تنطلق دائما من المحلية، رغم براعة صنوبر التي شهد له بها القاصي والداني في تعامله مع أدبيات المسرح العالمي.

وكانت أسرة المسرح الأردني قد لعبت دوراً مهماً في رفد الحراك الفني في عمّان آنذاك، فقد مكّنَ صنوبر هذه الأسرة من خلال اشتغاله على فنانين من الجامعة الأردنية، وآخرين من قسم الدراما وهواة الإذاعة الأردنية تم ضمهما إلى هذه الأسرة ضمن عضويتها، ومنهم: أديب الحافظ، وعمر قفاف، وقمر الصفدي، ونبيل صوالحة، ونبيل المشيني، وسهى مناع، ومارغو ملاتجيان.

ويلاحظ المتابع لأعمال صنوبر تركيزه في تلك الفترة على تناول الكوميديا، والحبكة

البوليسية، والثيمات الوطنية والقومية، في جُلّ مسرحياته التي قدمها معتمدا على

نصوص مترجمة ضمن مواسم مسرحية متعددة منها: «الوعد»،«أفول القمر»،«موتى بلا قبور»، «العنب الحامض»، وكانت باكورة نشاطها مسرحية «الفخ» لروبرت توماس.

وكانت طاقات صنوبر وصلت قبل عام 1964إلى سوريا، مؤسِّسةً بدايات مسرحية

أكاديمية، من خلال إنشائه فرقة المسرح القومي في دمشق، وكان كذلك ممن لهم

إسهامات مهمة في تأسيس نشاطات مسرحية في دول الخليج العربي في السبعينيات، وهو ما يتجلى في أثر إخراجه لمسرحية «أم الزين» (1975 (في قطر، عن نص عبد الرحمن المناعي، على إشاعة النشاط المسرحي هناك.

وهكذا، وفي سياق تأمل تطور الحراك السياسي والاقتصادي والثقافي للمجتمع الأردني، يمكن تذكر رائد المسرح الأردني هاني صنوبر، فقد كان يمثل مؤسسة وحده، وأثّر في أجيال، إذ إنه كان أول من قدّم في الأردن هندسة المسرحية وصناعتها بصورة أكاديمية، وأسهم بشكل أساسي في نشوء الفرق المسرحية المستقلة محلياً وعربياً، التي تعد الرافعة الحقيقية لتطور المسرح.

وفي هذه المناسبة أيضاً، يؤمل من أصحاب القرار بأن يعيدوا تسمية المسرح الرئيسي على الواجهة الحجرية لمدخل المركز الثقافي الملكي، من «المسرح الرئيسي» إلى «مسرح هاني صنوبر» كما هو مسمى رسمياً، لإعادة الاعتبار لأحد رواد المسرح المحلي والعربي.

—————————————————————

  • موقع وزارة الثقافة الإلكتروني.

جمال عياد (ناقد مسرحي).

صحیفة الرأي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش