عمان – أحمد الطراونة

تتواصل مساء اليوم على مسارح المركز الثقافي الملكي، عروض مهرجان الأردن المسرحي في دورته الــ26، حيث ستعرض الليلة مسرحية «أمكنة إسماعيل» من العراق، ومسرحية «مؤامرة شكسبيرية» من السودان، فيما عرضت أول من أمس، المسرحية الأردنية «الآخر»، والمسرحية الأردنية «الكفالة».

«الساعة الرابعة» للإماراتي سالم

وكانت عرضت ثاني ايام المهرجان المسرحية الإماراتية «الساعة الرابعة» للمخرج إبراهيم سالم وقدم خلالها جملة من القراءات البعيدة للعديد من الشخصيات المأزومة والمريضة ومن خلال عيادة الطبيب الذي شاركهم المرض ليفجر فيهم حالة البحث عن الشفاء، لتختلط الأمراض في بؤرة صغيرة تمثل مجتمع، ليبدو هذا المجتمع مسطّحا ومكشوفا أمام هذا الطبيب الذي اختفى ليقرأ ويحلل، ويختم بان هذه الأمراض غير مستعصية إذا ما كان هنالك إرادة للشفاء.

«الساعة الرابعة» وفي العيادة النفسية التي ظهرت وكأنها غرفة للتحقيق في خفايا النفوس البشرية وطبائعها وأسباب أمراضها ودوافعها، وبأسلوب كوميدي قدم المخرج رؤية إخراجية بسيطة لكنها نفذت إلى جميع جوانب المسرح وشغل كل مكونات السينوغرافيا التي أثثت فضاء العمل ورسم طريق الحركة بوضوح لممثليه الذين اجتهدوا في رسم ملامح الشخصيات باتزان، ليظهر العمل أكثر تماسكا من خلال الحوارات والحركات والإضاءة التي تواكبت مع الفعل النفسي المضطرب والمتلون.

صفق الجمهور بحب لهذا العمل الذي قدم فيه مجموعة من الممثلين «محمد جمعة، وعبد الله محمد صالح، ونيفين ماضي، وآلاء شاكر، ونور الصباح، وفيصل علي» أداء مهما وزاخرا بالفعل ونافذا إلى العديد من الإسقاطات الفكرية التي قدمت بوعي ومن خلال شحن وتشويق وتوتر جعل العمل مشدودا إلى آخر لحظاته، وقدمت عملا بدا مكتملا إلى حد ما نموذجا جميلا للمسرح الإماراتي.

وفي ختام العرض قدمت د.الزهرة إبراهيم قراءة واعية في العرض ودلالاته الفكرية وتقنياته المسرحية، ودار نقاش موسع حوله.

«الكفالة» للمخرج الزيودي

وفي نفس الليلة عرضت مسرحية «الكفالة للمخرج د.مخلد الزيودي وعن نص للكاتب د. عبدالكريم السوداني حيث قدم الزيودي رؤية جديدة من خلال حكاية «سعيد» الشاب الحالم الطموح، المثقف، والذي يعتقل عشوائيا ولمدة 20 عاما، وبدون تهمة، لتقرر المحكمة بعد هذه الفترة التي ضاعت من عمره اخراجه لعدم ثبوت أي جرم عليه، وكان الزيودي يريد ان يقول من خلال عمله ان هنالك فترة زمنية قد خطفت من عمر هذا الفتى ويريد ان يعيدها من خلال الذكرى ومحاولة الاسترجاع لفترة سبقتها.

وتتضح الفاجعة عندما يكتشف المتلقي ان السجان عاش مع السجين نفس الفترة وفي نفس الظروف لدرجة انهم اصبحوا اصدقاء، فيحاول السجان مساعدة السجين حيث ان الكفالة تحتاج إلى كفيل، ويبدأ سعيد بإعطاء حمدان اسماء من يعرفهم، لكن لا يستجيب له احد لانه في هذه الفترة سقطت الاقنعة عن جميع الاصدقاء والاقارب والاهل، وسادت تقاليد جديدة وتبخرت فيها احلام السجين والسجان معا.

اشتراك الفنان القدير نصر الزعبي في عمق المسرح وتدخلاته الموسيقية في اللحظات المهمة تشعل وهج الفكرة وتعيد توتير المتلقي لينحاز لها بعد ان يتهيأ لتركها، ليؤكد مرة اخرى ان الزيودي ونصر الثنائي الذي انتج العديد من الاعمال قادر على اعادة اثارة الغبار الناعم بسهولة تحت مقاعد المتلقين لكشف وعيهم.

الكفالة التي قدم فيها بكر الزعبي، وراتب عبيدات أداء مميزا ومقنعا، قدمت خطابا واضحا وحادا ضمن أفق غير واضح المعالم في هذا السواد الذي يلف المسرح.

«درس» للكويتي الشيخلي

وعرضت مسرحية «درس» الكويتية من تأليف لؤي عيادة، وإعداد وإخراج إبراهيم الشيخلي، لتؤكد من جديد على أن الفساد مؤسسة لها انظمتها وتعليماتها وقواعدها الخاصة بعيدا عن كل ما يمكن ان يقال بفردية او شخصية من يقوم بهذه الأعمال.

العمل الذي جاء مشتعلا بالتوتر من خلال قصة تسلل احد الانتهازيين في احد المصانع لرئاسته والذي يمكن ان ترى من خلاله العالم، وهو مصنع ورق الحمامات، ومن خلال ديكور بدا ثقيلاً للوهلة الأولى إلا انه كان بخفة من يستخدمه ويصعد عليه ليجسد حالة من التلاقي بين الإبداع التمثيلي والإبداع في خلق الفضاء المناسب للفكرة والسيطرة عليها لتكون أكثر قربا للمتلقي.

صراع قوي وواضح بين فكرة الانتهازية وغيرها من الافكار المضادة، لتؤكد المسرحية ان انهزام جميع الافكار المحترمة امام هذا الانتهازي هو سياق عام يقبله العالم الان ويسقط عليه عناوين اخرى من اهمها النجاح.

قدم المخرج رؤية جيدة في محاولة تطويع جميع الكتل الموجودة على المسرح من سلالم ومكاتب وكراسي لتعبر عن الصراع في تقاطعاتها وتحالفاتها، ولعل المبارزة بالكراسي تؤكد لنا على اهمية من يمتلك الكرسي الاقوى ليفوز، حيث قدم الممثلون صراعا ناضجا في سياقات العمل ليلتحم ذلك مع الاضاءة التي تخلق التوتر وتسهم في تأجيج الصراع في لحظات كثيرة.

الندوة التقيمية

وتلا ختام العرض عقد ندوة تطبيقية أدارها الفنان علي عليان، قدم فيها الكاتب المسرحي عصام ابو القاسم قراءة وافية في هذا العمل حيث اشار فيها الى ان العرض تناول موضوع الفساد، سواء فساد الافراد او المؤسسات، واخذ نموذجا لمؤسسة غير حيوية في الحياة العامة، لكنها تمثل نموذجا لبقية المؤسسات، وقد كان لافتا في العرض هذا الحضور الشبابي المميز على مستوى الطاقات التمثيلية، وكذلك الجانب الفني من حيث المعالجة الاخراجية الواعية.

واضاف ابو القاسم انه يمكن ان نسميها لعبة الكرسي والسلطة، حيث قدم نماذج انسانية مختلفة، ومنذ اللوحة الاولى حوار بين الشخصيتين ينبيء عن فراغات، حيث تم استخدام الحيلة والتحايل، والتي بقيت ناظمة للعرض من البداية وحتى النهاية.

وتوقف ابو القاسم عند الناحية الفكرية، وبناء الشخصية، وطرح اسئلة حول التاسيس لشخصية لديها هذه القدرة على التلون والخداع والتسلق، وعن البيئة التي يعيش فيها، والتي تمثل حاضنة لنمو سرطاني للانتهازيين، حيث ان العرض لم يكن مشبعا فكريا بالشكل المطلوب، الا ان ذلك لم يمنع ابو القاسم بان يصارح فريق العمل بأنه عمل لطيف، وفيه حضور للاداء التمثيلي، وبلاغة في العمل الاخراجي، لكن هناك فجوات في الجانب الفكري.