نعيمة عجمى.. سيدة اللون والنسيج والتصميم

 

الفنانة نعيمة عجمى.. هى سيدة الجوائز وصاحبة الخلق الرفيع، كنا نتحلق حولها بعد كل عرض شاركت فيه بتصميماتها المميزة، نهنئها على إنجازها الجديد، فتستقبلنا بابتسامة خجولة، وعيون تنطق بفرحة المبتدئين، كنا نثق أن عرضًا تشارك فيه نعيمة عجمى سيحظى على الأقل بتميز عهدناه منها فى تصميم الملابس.

لم تُضبط مرة متلبسة بضجر أو تأفف مهما كانت الميزانية أقل مما تسمح به أجواء العرض، فهى قادرة على تحويل خامات «رخيصة» إلى ملابس راقية مبهرة.

كانت تسعد بفنها وتفرح بإنجاز تلاميذها، وشاركت مخرجين من عمر أحفادها تجلس أمامهم تسمع بإنصات لرؤاهم وملاحظاتهم. 

فكانت نعيمة عجمى نموذجًا للفنان الحق. 

بدأت الطفلة نعيمة ابنة حى سراى القبة الفن مبكرًا، ففى سن السادسة لاحظ أبوها أن ابنته المولودة عام ١٩٤٨ لا تكاد تترك القلم والورقة، ترسم خطوطًا وأشجارًا وشموسًا ووجوهًا ضاحكة، بدأ الرجل يقلق وخاف أن تُفسد عليه الصغيرة حلمه فى أن يراها طبيبة، قاوم وقاوم وقاوم، لكن المراهقة العنيدة التى تقف الآن على أعتاب اختيار المستقبل بعد حصولها على مجموع كبير فى الثانوية العامة، تصر على دراسة الفنون. ويضطر الأب أن يرضخ لحلم ابنته، آملًا أن تكون الفنون الجميلة بوابة لدراسة العمارة، وتصبح صغيرته التى رفضت الطب مهندسة. لكن نعيمة تصر على استكمال حلمها هى فتختار دراسة الفنون لا العمارة.

وفى عام ١٩٧١ تتخرج نعيمة بتقدير جيد وترشح للعمل فى وزارة الثقافة. ومن بين قطاعات الوزارة العديدة تختار هيئة المسرح، ويكافؤها القدر بأن تنضم إلى كتيبة مسرح الطليعة لتعمل تحت إدارة مخرج تصفه هى بـ«الملهم» وهو سمير العصفورى. وهناك سريعًا ما تنجح فى إبهار المخرج الكبير الذى جربها فى أعمال صغيرة، فإذا بها تحقق إبداعًا مغايرًا يجعله يصفها بـ«الآن لدينا صلاح عبدالكريم آخر».

بعد مساعدات كثيرة، يرشحها المخرج الكبير للعمل معه فى عرضين أصبحا من أيقونات المسرح المصرى، وهما «يا عنتر» و«أبوزيد الهلالى سلامة» للمؤلف القدير يسرى الجندى، وللمخرج سمير العصفورى.

العرضان سيلفتان النظر إلى هذه الجنية الصغيرة سواء بقدراتها على تصميم ملابس تنطق بملامح الشخصية، أو باستخدامها لخامات جديدة، استطاعت رغم رخصها أن تحولها إلى موديلات راقية تبهر كل من يراها.. من هذه البداية سينتشر اسم نعيمة عجمى فى الوسط، فيطلبها مخرجون كبار للعمل فى القومى والسلام وغيرهما.

جوائز كثيرة حصلت عليها نعيمة عن أعمالها المسرحية، التى كان آخرها مسرحية أحدب نوتردام للمخرج ناصر عبدالمنعم الذى عملت معه فى أكثر من عمل، وشكلا معًا ثنائيًا متفاهمًا يثق المتخصص والمتذوق أن من بين يديهما سيخرج عمل رائع. 

لكن يبقى أجمل ما فى نعيمة عجمى هو إيمانها بضرورة تخريج أجيال جديدة فى مجال تصميم الملابس المسرحية. وكم من مرة أشارت على مخرجين أن يعطوا الفرصة للشباب، وأن تكتفى هى بأن تشرف عليهم عن بعد ومتطوعة. ولذلك تركت نعيمة عجمى وراءها تلاميذ كثرًا ستظل بالنسبة لهم الأستاذة والأم، وستظل أعمالها علامات يدرسها المتخصصون لأجيال قادمة. 

وأظن أن البيت الفنى للمسرح لن يبخل على نعيمة عجمى، ولا على تلاميذها بإقامة معرض كبير لأهم تصميماتها المسرحية منذ بداياتها، وحتى رحيلها.

 

https://www.dostor.org

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش