نحاور راهب المسرح التونسي.. أنور الشعافى: أداوي نفسى بـ «أبو الفنون»

أحب المسرح فوهبه حياته كلها.. فلقب بـ «راهب المسرح».. تعامل معه على طريقة «أبو نواس»..فعرفه بأنه داؤه ودواؤه.. فقد ساقه بسببه فلم يزده ذلك إلا حبا وهياما بخشبة المسرح أو «الركح» كما يسميه أهلنا في شمال افريقيا.. أعلن التحدي وأحب الحياة.. فالتقط مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الرسالة فقرر أن يوجه تحية للمسرح والتجريبي والإبداع فكرم في دورته الـ29 المخرج المسرحي التونسي أنور الشعافي الذي التقيناه قبل ساعات من مغادرته القاهرة فكان هذا الحوار

سألته في البداية22 عرضاً مسرحياً هي تقريبا حجم انتاجك المسرحي ألا ترى أن الكم قليل نسبيا مقارنة بمشوارك؟

فأجاب :أنا لا أنظر للكم المسألة ليست سهلة والمختصون يعرفون أن العمل المسرحي يتطلب جهداً كبيراً و تفرغ ذهني واعداد نظري مهم جدا.

 كيف استطعت أن يكون لديك هذه الطاقة اللازمة للإخراج المسرحي ؟

 الشغف ليس غيره هو الذي أمدني بهذه الطاقة وأنا يطلقون علي” راهب المسرح” فمنذ طفولتي أخذت طريق المسرح الذي لم يسمى أبو الفنون من فراغ.. لأنه يتطلب معرفة وثقافة شمولية ومتجددة وأنا عملت بالمسرح المدرسي ثم الهواة قبل مرحلة الاحتراف ورفضت أن أتقدم للحصول  على الدكتوراة  لأني أؤمن أن المسرح هو خشبة أو كما نقول في تونس «ركح»وأن تعض على الخشبة بأسنانك وتسقيها بعرقك.. وأن تتمرغ فيها.. لذلك اخترت العمل الميداني.. فواصلت  دراستي العملية في الخارج بين فرنسا وألمانيا عن طريق إقامات فنية خاصة في مسرح شتوتجارت أكبر مسارح أوروبا.. وكان قد سبقني أخي  الأصغر الذي درس تقنية العروض ومقيم في ألمانيا منذ ثلاثين سنة ولي أخ آخر يقيم في باريس وعمل معي بالمسرح فنحن عائلة فنية.. وأنا أتابع معهم كل جديد في المسرح  فهم يرسلون  لي أحدث الإصدارات سواء بالألمانية أو الفرنسية.. فسأظل أتعلم  كل جديد في المسرح

لكل فنان أستاذ أو أكثر فمن هو أستاذك في الإخراج؟

أنا لا أشبه إلا نفسي.. بل إني أحرص في كل عمل أن أكون مختلفا عن نفسي فما بالك عن غيري.. وأستاذتي الأولي هي معلمتي في نادي الأطفال وأنا طفل عمره 8 سنوات وهي آنستي “خيرية” هي من فتحت عيني  على هذا الفن الذي ظل يراودني وأراوده.. و بصفة عامة كل مشتغل بالمسرح هو أستاذي

ألم يجذبك العمل بالسينما والدراما التلفزيونية أم ما زلت متمسكا برهبنة المسرح؟

أنا أعرف جيدا ماذا أريد.. والمسرح فن صعب فكيف أضيف إليه فنون أخرى صعبة أنا أكتفي بالمسرح.. ولو أتيحت لي الفرصة سأشتغل في إدارة الممثل وهو اختصاصي خاصة وأن الأداء  السينمائي والتلفزيوني مختلف تماما..

ألا تعاني من خطف الدراما التلفزيونية والسينما ممثلي المسرح المتعاونين معك؟

كثيرون يقولون إن المسرح مهدد بهذه الوسائل  لكني لن أخون المسرح لأنه لم يخونني يوما ما

تمويل العروض في تونس يواجه صعوبات ربما زادت مؤخرا؟ 

كان لي تجربة كرئيس للجنة الدعم المسرحي  للقطاعين العام والخاص لمدة عامين  وكانت تجربة مهمة لمتابعة تطور المرجعيات الفكرية وإلى أين يذهب المسرح.. وهناك نوعان من الدعم لدينا في تونس دعم تقدمه الإدارة العامة للفنون الركحية  وصندوق التنمية الثقافية.. وكلاهما يدعمان المسرح الجاد وهو استثمار يبني الإنسان

هل وجدت نفسك في موقف متناقض كرئيس للجنة الدعم المسرحي  تمنع الدعم عن عروض بينما كنت تشكو من رفض الدعم لتجارب تتقدم بها؟

 خضت معارك عديدة داخل اللجنة بسبب الصراعمع من كان يتعامل  مع ملفات الدعم  بالجانب الاجتماعي بينما كنت أصر على أن تكون المعايير فنية فقط.. والحمد لله ليس عندنا في تونس رقابة.. فكنت أشترط أن يكون الدعم للفن المبتكر حتى المستنسخ منه كنت ضده و وما زلت وسأظل أحاربه.. لأني مؤمن بالإبداع الأصيل الذي لا حدود له وليس وظيفة.. أما أن تستنسخ إبداعا  فهذا يحولك إلى موظف مسرحي.. وقد قررت ألا أكرر تجربة اللجان و قلت لأصدقائي في وزارة الثقافة اعفوني من أي عضوية في أي لجنة من أي نوع.. لأني أؤمن أن مكاني الحقيقي في الإبداع وحاولت خلال العامين أن اتعامل مع الإدارة بلمسة المبدع

 لماذا لا تعتبر مشاركتك في لجان من هذا النوع خدمة إلزامية لباقي زملائك؟

أنا أؤمن بالتداول في المناصب والمسئوليات الإدارية لأنه لا أحد  يحتكر المعرفة والقدرة ومكاني الذي أجد فيه نفسي هو الخشبة.

أنا أرى أمامي  روح محارب مبدع.. لا يستسلم لإعاقة كيف حدث هذا؟ وبما تنصح من لديه نوع ما منها ؟

المسرح ذاته هو سبب إصابتي بمضاعفات مرض السكر.. لذلك أنا أنصح الشباب المندفع في حب المسرح.. بأن يوازن بين حياته الفنية والشخصية والعائلية .. فالمسرح فن متجدد ونهم لا يشبع.. يأكل من جسد الفنان الذي ينسى نفسه أحيانا في الإعداد والتدريب والجولات المسرحية ويكون ذلك على حساب صحته وعائلته وأصدقائه.. بينما الموازنة مطلوبة وممكنة ومقولة أبو نواس عن «الداء هو الدواء» تنطبق تماما على المسرح.. فالمسرح  هو الذي تسبب في إصابتي وهو نفسه يمنحني المقاومة  ويجعلني واقفا جَلوساً .. فأنا أداوي نفسي بالمسرح وداوني بالتي  كانت هي الداء ولا يمكن أن يسقط الفنان ..فلو سقط قل على الدنيا السلام يجب أن يكون نموذجا يُحتذى به في كل شيء خاصة في الإرادة وحب الحياة.. لذلك سأظل كما كنت وكما بدأت .. لن أتغير

كيف ترصد إنتاجك الفني بعد الإصابة التي تعود لخمس سنوات؟

أصبحت أكثر تجريبا ووصلت لحالة من النضج..  بعد أن قضيت نصف قرن تقريبا  أعمل في المسرح منذ أن كان عمري 8 سنوات.. وتجولت في بلاد العالم وشاركت في تجارب متنوعة.. وشغفي بالمسرح لا ينطفئ ويزداد مع كل عمل جديد والآن أعمل على عمل بمواصفات عالمية بالفعل.. عمل يستند للتكنولوجيا الحديثة دون فقدان لهوية المسرح.. وسوف يصاحبه كتاب نظري بخمسة لغات.. وامامي عام ونصف لأبدأ بروفات هذا العمل.. ومن الممكن ان أقدم عملاً محترماً في شهرين او أشهر لكني أسعى لما هو اكثر من الاحترام هو التميز والتفرد.

 المخرجون «فاضل الجعايبي»، «منصف السويسي» «عز الدين بن قنون»، و«توفيق الجبالي» .. ماذا تعنى لك هذه الأسماء؟

هؤلاء ومعهم آخرون مؤسسون ونحن تعلمنا منهم ونسير على خطاهم فهم قدموا مسرحا تونسيا مختلفا وكلهم أصدقائي ومعلمون وأنا مدين لهم،والجعايبي والجبالي أصدقاء أجلس إليهم وسأظل أتعلم منهم

هل تشارك البعض مخاوفه على تجربة الحرية في تونس؟

أنا أصطف فقط وراء المسرح ولا أنتمي لأي سياسي ومؤمن بأن الأمم العريقة تتعثر لكنها لا تسقط أبدا والفنان بطبعه متفائل والتونسى لديه حضارة ثلاثة آلاف سنة وهذا ما حدث مع مصر صاحبة السبعة آلاف سنة حضارة التي مرت بكثير من الأزمات لكنها لن تسقط أبدا..  وأنا متفائل بأننا سنتجاوز هذا كله والفنان والمثقف له دور كبير في أن يقف شامخا منارة للإنسان العادي وسترجع تونس خضراء متألقة كما كانت منذ العصر القديم.

الفن والمسرح توأم للحرية هل لديك مخاوف بخصوصها؟

 ليس لدي مخاوف إطلاقا.. والفن رديفه الحرية.. وقطار الحرية انطلق ولن يوقفه شيء بفضل الشهداء الذين قدمناهم والمثقف التونسي لن يرجع إلى الوراء.

سمعتك تقول أنك تأثرت سلبيا بالمسرح اجتماعيا و ليس صحيا فقط  كيف حدث ذلك؟

تزوجت متأخرا وانشغلت بالإنتاج والتكوين والسفر للخارج ولو رجعت للوراء كنت سأكون أكثر عدلا.. فلم تنجح الزيجة الأولى  بسبب إيقاع حياتي  وأنا ممتن لزوجتي الثانية فهي تضحي كثيرا لأجلي وترافقني في كل جولاتي رغم أنها تعمل بالتعليم ويكفي أنها تزوجتني بعد الجراحة وليس من السهل أن تجد امرأة تكون رفيقة الدرب بهذه التضحية وأنا أحييها وكل النساء المناضلات.

كيف ترى المسرح المصري؟

الجمهور العربي  قد يحفظ عن ظهر قلب حوارات الواد سيد الشغال” لكن قلة منهم من يعرف أن فرقة الورشة المسرحية لحسن الجريتلي  كانت من ضمن 4 أو خمس فرق مسرحية عربية فقط عرضت في البرنامج الرسمي في مهرجان أفنيون الدولي..  وغالبية الجمهور يحصر المسرح المصري في المسرح التجاري.. ومع احترامي  لنجومه ومبدعيه لكن هذا ليس كل المسرح المصري ذلك المسرح  الرائد.. يكفي أن مهرجان المسرح التجريبي  منذ 1988 يجعل القاهرة عاصمة للتجريب في العالم.. والمسرح كما أفهمه هو تجريب أو لا يكون وهو فن متجدد يستلهم كل الجديد.. فن طازج ولا يستهلك إلا طازجا عكس الفنون الأخرى المعلبة.. وبشيء من الفكاهة أشبه المسرح بأنه الطماطم الطبيعية بينما السينما والتلفزيون هما طماطم معلبة أو معجون طماطم!!.

حوار : أسامة عبد اللطيف

https://m.akhbarelyom.com/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …