( مسنون ظرفاء) كوميديا خنجر السوداء – منتهى طارق المهناوي

الكوميديا السوداء او مايسمى ( بالكومك الصادم ).. الدراما الواقعية الانتقادية التي تجمع بين الجد والهزل ضمن فلسفة انسانية مأساوية بتركيبة تضادية فلسفية مثل الحلم والحقيقة الجنون والهذيان الضحك والبكاء الحياة والموت … فالموقف الكوميدي لايمكن انَ يتحقق دون وجود هذه التناقضات بالموقف او الشخصيات التي من خلالها يمكن اثارة الضحك المبني اساسا على المأساة الداخلية التي تثيرها الكوميديا السوداء.. بطرقها على العصب الداخلي للالم عند المتلقي بشكل مضحك استفزازي وصولا الى منطقة التطهير الروحي لدى المتلقي فهي بذلك جمعت بين عنصرين متناقضين مهمين الملهاة والماساة الذين تجسدا بوضوح ضمن مسرحية الدكتور كريم خنجر ( مسنون ظرفاء) التي عرضت على مسرح معهد الفنون الجميلة اخراج الدكتور كريم خنجر مع مجموعة رائعة من الشباب الواعد بمشهد افتتاحي نابض بالحيوية والحركة والضحك بان وظف المخرج العنصر الترفيهي الكوميدي للصورة التكاملية للعرض ضمن خط تصاعدي امتد طيلة مدة العرض ضمن تقنية تكنيكية استهلالية لحركة الممثلين للقبض على مجموعة( الدجاج ) التي بهرجت الخشبة هذه الحركة المثيرة التي استنبطها المخرج من صميم الحياة اليومية ادخلنا بها بجو فكاهي استعراضي لتنتهي بمشهد اخر ينقلنا لبداية ماساوية ضمنا بسخرية تجسدت بشخصية ( المضمد الابله ) المتجسدة بدقة رائعة قادنا فيها لوجبة طعام الدجاج المشوي وطريقة نهمه للاكل لوحة انتقادية تمظهرت لتوضح ماساه شريحة مهمة في مجتمعنا هم المسنون لما يحل بهم من الم واهمال ونسيان وفق جو كوميدي اذ استطاع المخرج ان يكسب ممثليه روح الفكاهة بشخصيات مرتكزة دراميا من خلال طلبته الذين يعتلون الخشبة بحرفية وتقنية وتلقائية واضحة عبرت مسافات الاحترافية بادوار مهمة وصعبة في تجسيدها لممثل مبتدا ولو انَ المخرج اتاح لهذه الشخصيات مهام اوسع في تحريك الجو العام للعرض عبر حركات اكثر خفة وسرعة ايقاعية وحورات كوميدية ضمن مجالها النقدي بايقاع مدروس لاخذت المسرحية صورة اخرى للعرض لكن هذا لايمنع من انَ المخرج قد برع في ان تحاشى الوقوع في كمين التهريج والاسفاف بمعالجات كوميدية واعية للمفارقة التي زاوج فيها نوعين من الدراما( كوميديا وماساة) ضمن صورة دلالية اضحاكية لكل شخصية بمستويات متفاوتة بتركيزه لبث دلالات تضمينية بانتقالات صورية لكل شخصية باطرها الكوميدي الخاص الذ ي اخذ المتلقي بموضع مراة الذات العاكسة لهموم حياتية حقيقيةو بتجسيد متصاعد وفق سخرية مريرة ضمن خطين تقاسما السير للماساة والكوميديا لتظهر العرض بتقنية مكتنزة مرتكزة ذات اسلوب انتقادي اجتماعي يومي واضح حتى لو تخلل العرض لبعض من وقفات الملل لكن هذا لاينفي خلوها من الترهل والفضاضة ليكون المخرج موفقا بعرض اسلوب الكوميديا السوداء ضمن ادارة جمالية متميزة بدائرة جماعية لطلبته بث فيها المخرج الاب الحرص والحب للمسرح دون الاسفاف والتهريج.. ان للمخرج خنجر لمسة او بصمة كما يقال في ديكور مسرحياته باستخدامه ( السايك) الذي يحيط الخشبة الدائرية ليصمم لنفسه موقع عرض بحسب رؤياه الاخراجية طلاه بلونه المفضل الاسود منقوش برموز تضعنا ضمن دلالات وتاويلات تتجاوز وتحاكي تاويلات العرض متلازمة لاحظناها بعدد مّـن عروضه السابقة في حين لاتخلو الموسيقى والاضاءة من دورها المهم والمتساوق في اثراء الخشبة اذ جاءت متناغمة حريصة على اكمال المعنى وحركة الممثلين والجو العام لعرض مسنون ظرفاء التي احالتنا طوال زمن عرضها بالرجوع واستذكار حكايات اجدادنا البطولية التي لاتخلو من الضحك والدهشة وشد الانتباه هذه الشخصيات التي رسمتها طفولتنا وبقيت بذاكرتنا الابدية .. مااريد انَ اوؤكد عليه ضمن ورقتي البسيطة هذه هو دور الممثلين الذين برعوا حقا في اداء ادوارهم رغم صعوبته فكانت شخصيات حقيقية صدقها المتلقي بكل سهولة واندمج معها بشكل ملفت للغاية لما امتلكته مّـُْْmñـُّنْ تلقائية عجيبة فلاعجب بان المخرج يعلن لنا في گـِْل سنة دراسية جديدة عن ولادة ممثلين فلا اتردد بان اقول انَ الدكتور كريم خنجر مكتشف لبراعم سوف تنبت وتخضر ويكون لها دورها المسرحي المهم .. تحية لهم وتحية الذين خلف الكواليس وتحية كبرى للمعلم الاب الدكتور كريم خنجر.

 

 

منتهى طارق المهناوي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش