مسرحية “عقاب جواب”… أسئلة وجودية ورسائل مناجاة

”عقاب جواب“، هي واحدة من المسرحيات التونسية التي عرضت في افتتاح الموسم الثقافي لهذه السنة، بعد أشهر طويلة من الغياب، دون أن تخضع لنسق درامي تقليدي تترابط فيه الأحداث وتتعقد وتنفرج، بل هي عبارة عن رسائل منفصلة يوجهها بطل المسرحية إلى الخالق.

وتدور أحداث المسرحية، التي عُرضت في مهرجان ”مسارات المسرح“ بمدينة المهدية الساحلية التونسية حول شخصية شابّ أنهكه مرض السرطان وفتك بجسده حتى أصبح يعد أيامه الأخيرة عدًا، ممزقًا بين بقايا أمل وتشبث بالحياة من جهة وبين اليأس والقنوط الذي يطغى عادة على مريض السرطان الذي بات يرى أجله رأي العين.

وكان حضور المرأة التي اتخذت في المسرحية صورًا متعددة، وأدت أدوارًا مختلفة، حاسمًا في انتشال هذا المريض، وزرع بذرات من الأمل فيه، وحثّه على الحياة وعلى بعث رسائل إلى الله يسأله فيها الصبر، والمحبة، والقوة، والمقاومة ويحدثه فيها عن كلّ شيء، وقد اتخذت هذه المرأة من الأسطورة مرجعًا لتحفيز الشاب على الحياة إلى آخر رمق، وتقول الأسطورة إنّ بإمكانه أن يعيش أيامه المتبقية وكأنه يعيش 10 سنوات عن كلّ يوم، وهو ما خلق أمامه هامشًا كبيرًا من الفعل، والحركة، والنظر إلى الحياة بمنظار آخر.

ويقول المخرج محمد علي سعيد، في تصريح لـ ”إرم نيوز“، إن المسرحية التي تروي قصة إنسان مصاب بمرض السرطان ويعيش أيامه الأخيرة، طلبت منه امرأة أن يعيش كل يوم من أيامه الأخيرة وكأنه 10 سنوات، وأن يكتب رسائل إلى الله، وهي رسائل لا تخلو من أبعاد فلسفية، لا سيما عن علاقة الإنسان بالموت، وعلاقة الإنسان بالله والوجود.

ويضيف المخرج: ”حاولنا إيصال الوجع الذي يعيشه مرضى السرطان والذين نفقدهم يوميًا جراء هذا المرض العضال، وأن نقول إن هناك معاناة يومية يواجهها هؤلاء المرضى في زمن حصل فيه تطبيع مع المرض والوباء، لا سيما مع تفشي وباء ”كورونا“.

2021-09-received_543260166739294

والمسرحية تختزن كثيرًا من الوجع والقلق اللذين يعيشهما الإنسان في هذا العصر، لا سيما خلال السنتين الأخيرتين، وقد حاول الممثلون التعبير عن هذا القلق ليس من خلال النص فحسب، بل أيضًا من خلال الإضاءة والموسيقى المصاحبتين لمختلف المشاهد.

واتسم أداء الممثلين بشح الحركة، وعمق الإحساس معًا، فكان لكل رسالة طقوسها وسياقها والصمت الذي يسبقها ويتلوها، فيما حافظت الموسيقى المصاحبة لكل مشهد على مقاطع متشابهة من نفس الجمل الموسيقية، وفي كل ذلك تعبير عن حالة الرتابة التي يعيشها مريض السرطان، خاصة مع اقتراب موعده مع الموت.

وعلّق الممثل ناجي القنواتي الذي يقوم بدور محوري في هذه المسرحية، بأنّ ”التدرب على أداء الدور استغرق طيلة أشهر الصيف ما أدّى إلى حالة من الإرهاق“، مشيرًا إلى أن ”التعب نفسي بالأساس أكثر من التعب البدني، لأن العمل يحمل كثيرًا من الأحاسيس والمشاعر تجاه مرضى السرطان“.

وأضاف القنواتي لـ ”إرم نيوز“ أن ”الرسالة التي يبعث بها هذا العمل هي أن مريض السرطان بإمكانه أن يعيش، ويحلم، ويفكر، ويترك بصمة في الحياة، والرسائل هي شهادة إلى الجمهور بأنه بإمكاننا أن نقتل هؤلاء المرضى قبل الأوان إن لم نحسن التعاطي مع حالتهم“.

ويوضح القنواتي أن ”الرسائل كلها موجهة للإله، ويطرح فيها الشاب المريض أسئلة، ويفرح ويتخيل أنه يتزوج ويحتفل بعيد ميلاده، وفي كل ذلك ثمة كثير من الألم والحسرة على الوقت الذي يمضي من العمر دون استثماره في الفرح، والفعل، والعطاء“، وفق تعبيره.

وتعلّق الممثلة مريم القبودي بأن دورها في المسرحية حاول كسر تلك الصورة النمطية لمريض السرطان خاصة والمريض عامة، الذي يتلقى نظرات إشفاق من المجتمع تزيد من وجعه.

2021-09-received_822479978443922

وأضافت مريم قبودي في تصريح لـ ”إرم نيوز“ أن ”المتفرج قد يرى في دوري الأم أو الحبيبة أو الطبيبة النفسية، وللمتفرج مساحة لأن يفكر بطبيعة هذه الشخصية، لأن في كل رسالة هناك دور جديد، وفي كل رسالة سعي إلى تصحيح رؤية المجتمع الذي يعامل بصفة المريض معاملة خاصة، والحال أنه ينبغي معاملته كغيره من الأشخاص الطبيعيين لأن المعاملة الخاصة تسبب له تعبًا نفسيًا وتضاعف من أوجاعه، ولأن المرض مثل الموت لا يمكن أن يكون عقابًا بل هو أمر وجب تقبله“، وفق تأكيدها.

وتمتد المسرحية بين لحظات يأس وفترات أمل تنتهي بموت الشاب، وبين البداية والنهاية رسائل كثيرة مفعمة بالمعاني والدروس، والدعوة إلى الاستمتاع بالحياة إلى آخر رمق فيها والوقوف بكثير من الصبر والأمل، ورفض الاستسلام رغم الأجل المعلوم.

ومسرحية ”عقاب جواب“ هي من إخراج محمد علي سعيد، أما النص المسرحي فكتبه معز حمزة بتصرف عن نص لإيريك إيمانويل شميت ، وتمثيل: ناجي القنواتي، ومريم القبودي، وحمودة بن حسين.

eremnews.com

 

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.