مسرحية «المهفات» للهاشمي العاتي في افتتاح المهرجان الوطني للمسرح التونسي: من للوطن إذا كان جل أبنائه انتهازيين؟ #تونس

 

المسرح نقد، المسرح حياة، تعبيرة متمردة وصادقة ونقل للواقع بطريقة فنية مميزة، المسرح صوت الشعوب ومرآة الوطن

هو وسيلة الفنانين للتعبير والتصعيد ومطيتهم للدفاع عن حقوقهم والدفاع عن مشاغل بلادهم هكذا يمكن تقديم مسرحية «المهفات» التي قدمت في افتتاح المهرجان الوطني للمسرح التونسي بمسرح الجهات عشية الجمعة 8نوفمبر.

«المهفات» مسرحية من انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بصفاقس واخراج للهاشمي العاتي وتمثيل مجموعة من المبدعين على غرار لزهر بوعزيز وسعيدة الحامي وعمر بن سلطانة وجميلة خنفير، هي مسرحية ناقدة لاذعة وساخرة.

الرمزية والسينوغرافيا محمل لكل الاحداث
المسرح ترميز، المسرح قراءة نقدية للواقع ومن خلال الرمز وشيفراته العديدة انطلقت مسرحية «المهفات» للمخرج الهاشمي العاتي، ضوء ازرق يقسم الرّكح إلى نصفين، للأزرق دلالة البحر والحلم أيضا، شخصان في أقصى اليمين، مع موسيقى تحاكي مياه البحر ينطلق العمل ليكتشف المتفرج انه أمام صيادين اثنين يعيشان من مهنة

الصيد، بلهجة صفاقسية محلية ممتعة ينطلق الحوار المشاكس بين الشيخين، من الحوار يبدو أنهما رفيقا درب في مهنة الصيد، الأول «المهفّ» يكون الشخصية المحورية والأكثر حركة وحولها تدور أحداث الحكاية.

«المهفات» هو اسم العمل وهي كلمة من الدارجة التونسية ومعناها الرجل الفطن الذكي، ومن رمزية الاسم نكون للعمل «شيفرات» عديدة فمن ذكاء المهف تنطلق أحلامه وحكايته ومشاريعه وهو يتخيل نفسه رئيس للجمهورية.

اعتمد المخرج أيضا على الكوميديا دي لارتي فجلّ الممثلين يلبسون الأقنعة وتلك الأقنعة هي اليومي هي أقنعة السياسيين ، هي اقنعة من يتحدثون باسم الشعب وفي المقابل ينهبون خيراته، اقنعة الكوميدي دي لارتي كان الهدف منها دفع المتفرج الى محاولة اكتشاف وجه الشخصية وهي ايضا عملية رمزية لكشف مدى زيف السياسيين وكلما نزع قناع ظهر اخر اشدّ ظلمة.

للموسيقى رمزيتها، فهي دليل المتفرج لفهم احداث المسرحيثة بالموسيقى يتنقل العمل من مشهد الى آخر، الموسيقى تتماهى مع الديكور فموسيقى مياه البحر خلفها ديكور يحملك الى عوالم البحر وزرقته وامتداداته والموسيقى العسكرية يتغير معها الديكور ليصبح القصر الرئاسي بزينته وبهرجه، ثمّ موسيقى هادئة وحزينة كانها تأوهات شيخ فقد الامل في واقعه ومعها يتحول الديكور إلى دار للمسنين بكراسيها القديمة وحديقتها المنسية فالسينوغرافيا كانت محملا للاحداث ووسيلة للتدرج والانتقال من مشهد إلى آخر لتأكيد أهمية الترميز في المسرح.

في السخرية والنقد: تراجيديا الواقع التونسي
«المهفات» مسرحية ساخرة ناقدة، عمل يضحكك لكنه يكشف عن بؤس السياسة والحيل والخدع التي يستعملها ممارسوها، في المسرحية صياد يدعى المهف، ينام قليلا ليجد نفسه فجأة مع مجموعة من السياسيين يأتونه إلى موقع الصيد ويخبرونه انه انتخب لرئاسية الجمهورية ويصطحبونه معهم وفي القصر يخصصون «جنينة» لخدمته إلى حدّ اقناعه بالتنازل عن المنصب أمام مجلس النواب، من طريقة كلامهم يعرف انهم عنوان للفساد ويريدون مصلحتهم على حساب مصلحة الشعب فيوافق امامهم على قراءة خطاب التنازل وأمام المجلس تكون كلمته «دوّيو» حينها تتغير الخطّة ويرسلون ولده الذي يقنعه تحت الضغط لتعيينه في منصب عال، حينها يمضي على اوراق وبيضاء ويترك للابن المتواطئ حرية كتابة ما يريد، تتغير الموسيقى فيجد نفسه في دار المسنين وقبالته مدير الدار الذي ينافسه على الترشّح للانتخابات، وتتواصل الأحداث لتعود إلى النقطة الصفر ويتضح أن «المهف» يحلم وكل الأحداث محض حلم، تصاعد الأحداث والشيفرات العديدة المستعملة في المسرحية هي لنقد الواقع التونسي وكشف ترّهات السياسة وشطحات السياسيين بطريقة كوميدية ساخرة تخفي خلفها الكثير من الاسئلة الموجعة عن الشعب وعن دوره في الانتخابات والحركة السياسية التي تعيشها الدولة التونسية.

بين التصريح والتلميح، بين الكناية والمجاز تنجز احداث مسرحية «المهفات» لتنقد الواقع التونسي وتتجول بالمتفرج بين قضاياه الاجتماعية والاقتصادية في الحديث عن غلاء المعيشة وضعف الدخل الى شؤونه الاجتماعية عند الاشارة الى انتشار البطالة ونقد سوء الشغل ولهفة السياسيين على المناصب مقابل تجاهلهم للمطالب الشعبية والوعود الانتخابية الكثيرة التي يقدمونها قبل كل انتخابات، نقد قدّم بطريقة ساخرة واستعملت فيه تقنيات رالكوميديا لتقديم نص عن واقع تراجيدي.

المسرح صوت الحق:
المسرح حرية، المسرح ولادة متجددة على الخشبة للممثل كل الحرية ليقول ما يريد ويعبر عن خلجات الذات ومطالب الجماعة، المسرح اداة للتعبير والتغيير هكذا هو المسرح فعل إنساني متمرد لا يلتزم بنواميس الجماعة ولا قوانينها، على الركح ثلة من الممثلين الذين خاضوا في الشأن الثقافي ووجهوا نقدا لاذعا لكل المسؤولين الثقافيين طيلة سنوات، نقدوا سياساتهم التمييزية ونقدوا عدم اهتمامهم بالفعل الثقافي الحقيقي واهتمامهم فقط بالبهرج.

في المسرحية تساؤل عن المسرح ودوره واشارة الى معاناة المسرحيين مقابل السينمائيين او الموسيقيين، ففي الخطاب بين جنينة السكرتيرة والمهف الرئيس يسألها عن القصر فتصفه بأنه كبير وبه غرف عديدة و16 قاعة سينما ومسرح وحيد ويجيب «مسكين المسرح»، جملة تلخص حال المسرح قبالة بقية الفنون فاب الفنون اكثرها تعرض للظلم والفنانون المسرحيون يعانون الكثير في تونس ليبدعوا من مشكلة الدعم الى غياب قانون يحمي الفنان الى انتظار الوقت الطويل لتصلهم مستحقاتهم إلى ضعف منحة الممثل المسرحي ومشاكل عديدة تتكاتف لتنهك المسرحي ماديا ومعنويا رغم انهم لازالوا متمسكين بالحلم وينجزون مسرحا يمثلهم ويعبر عن همومهم فالركح متنفّس لكل الحالمين، والمسرح صوت الحق وعلى الخشبة يطالب المسرحيون بحقوقهم المادية والمعنوية والإنسانية.

https://ar.lemaghreb.tn/

بقلم مفيدة خليل

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …