مسرحية «آش مازال» لفرقة مسرح الجنوب في اختتام المهرجان الوطني للمسرح التونسي بقفصة: «لنـا الضحكـة كي لا يقتلنـا الـواقع» #تونس

 

اختتمت فعاليات المهرجان الوطني للمسرح التونسي بقفصة وكان اللقاء في الموعد الاختتامي مع فرقة صنعت لسنوات طويلة مجموعة

من الاعمال الخالدة في الذاكرة المسرحية بقفصة هي فرقة مسرح الجنوب تلك التي تركت في الذاكرة التونسية مسرحيات «حمة الجريدي» وفيران الداموس والشابي واحبك يا شعب وغيرها من المسرحيات الساخرة الناقدة التي تمنحك الضحكة وتسرق منك لحظات للتفكير في الواقع والتساؤل حوله.
في مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة كان الموعد مساء السبت 5 أكتوبر مع فعاليات اختتام المهرجان بمسرحية «اش مازال» لفرقة مسرح الجنوب نص واخراج لمحمد ساسي القطاري وتمثيل مجموعة من الممثلين المبدعين الذين اثثوا العمل.

الوطن…المقبرة…وصراع الانتماء
موسيقى هادئة ، الديكور موزع على كامل الركح، باب في أقصى اليمين، قبور منتشرة في كامل الركح الموسيقى تحمل المتفرج الى المقبرة حيث تدور احداث المسرحية التي جمعت شخصيات من واقعنا اليومي، شخصيات نراها ونعايشها. من قصصها انطلق العمل المليء بالسخرية والنقد.
الفضاء الدرامي للعمل هو المقبرة، المقبرة كناية عن الوطن، سراق المقبرة هم سراق الوطن، الصراع الذي تعيشه الشخصيات لاجل الحصول على الكنز من قبر ما هو صراع رؤساء الاموال لاجل المزيد من الحصول على ثروات الوطن دون دفع الضرائب أو الاداءات، المسرحية ملخص لما يعيشه التونسي من تهافت على السلطة والمنصب مقابل نسيان مصلحة الوطن تماما كذياب المسؤول عن صيانة المقابر والذي استغل عمله ليلتفت الى سرقة القبور بتعلة وجود كنوز فيها الياقوت والمال.

في «اش مازال» تطرح اسئلة عديدة عن الوطن، عن الارض عن الافكار السائدة وعن وطنية التونسي امام الملك العمومي، اسئلة نقدية تنطلق من الكوميديا الساخرة واللهجة المحلية القفصية التي عرفت بها فرقة مسرح الجنوب بقفصة.
المسرح فعل نقدي بامتياز المسرح سؤال وبحث متواصل عن علّات المجتمع وعن هناته، المسرح فعل نقدي متواصل يطرح الاسئلة ويعرّي الواقع ويكشف عن بؤس الساسة والسياسيين هكذا هي مسرحية «اش مازل»، والعنوان مكون من مفردتين باللهجة الدارجة ويفيدان السؤال «اش مازال في ها البلاد؟، اش مازال من خيراتها؟ اش مازال من اخلاق السياسيين وحاكمها» هكذا تتساءل الشخصيات كما يقول مخرج العمل محمد ساسي القطاري.
المقبرة كناية عن الوطن وكما أن المقبرة لم تسلم من النهب والسرقة كذلك الوطن لم يسلم من السرقات المتكررة لثرواته ولموارده، تلك المقبرة الصغيرة تعبيرة عن الوطن الاكبر الذي يعاني من وجع النهب من ابنائه الذين يدعون الوطنية هكذا تقول احداث المسرحية.

الضحك مطية للنقد
ساعة ونيف من الضحك، ساعة ونيف من لهجة ممتعة واشارات مضحكة مع ارتجال بعض الممثلين ارتجال تماشى مع العرض وطبيعة الجمهور ضحكة نقلت المتفرج الى المقبرة وصورت صراعا تعيشه الشخصيات التي تحركها شخصية «الوردي» الحاضر الغائب وهو يحضر في أذهان الشخصيات يعايشهم ويحركهم ويغيب فعليا لانه فقط مرسوم في ذاكرتهم ومخيلتهم، وتحاول شخصية ّذياب» المسؤول عن المقبرة السيطرة على الأحداث وعن أفكار الآخرين.
في «اش مازال» ترمز شخصية «الوردي» إلى المثقف الذي يميل الى شظف العيش للدفاع عن الفكرة يرمز الى المثقف الباحث عن الحقيقة الذي يرى في مجرد ورقة عنوانا للهوية ويرى في السيف عنوانا للتاريخ تقابله شخصية «ذياب» المتكالب على السلطة الساعي الى تحقيق جلّ أهدافه دون الالتزام بميثاق أو شرف إلى حد محاولة ذبح «صابرة» ليخرج بها كنزا من القبر.

«اش مازال» مسرحية ساخرة كوميدية لها نفس تمشي الفرقة منذ بداياتها في السبعينات، من اليومي تنطلق قصة العمل اعتمادا على الضحكة لإمتاع الجمهور وجلب انتباهه وفي الوقت ذاته وضعه امام السؤال ومساءلته عن دوره في هذا الوطن، صراع يحملك إلى الجفاف الذي تعيشه تونس فكريا وأخلاقيا وإنسانيا اسئلة سياسية مغلفة بقالب كوميدي وتلك ميزة مسرح الجنوب منذ بدايته وفي جل أعماله على غرار «سيدي حميدة» و«جحا» و»صاحب الكلام» وفيران الداموس و علول الحجام والسوق وغيرها من الاعمال التي اثرت الذاكرة المسرحية بقفصة.

محمد ساسي القطاري مخرج «آش مازال»
ممثل من الرعيل الاول لفرقة مسرح الجنوب بقفصة، يعرفه جمهور قفصة بادواره في مسرحيات «حمة الجريدي» و»المجنون رقم7» و الصحة يا فلوس» فنان له حضوره المميز على الركح وبعد سنوات من العطاء للمسرح لازال قادرا على الابداع كتابة وتمثيلا، بعد انتهاء المسرحية التي قدمت في اختتام المهرجان الوطني للمسرح التونسي التقت «المغرب» بالممثل محمد ساسي القطاري الذي يعرفه جمهور الشباب بالجملة المشهورة من مسرحية عمار بالزور «الحكومة ماتكرهكمش».
وعن العمل يقول القطاري انّ المسرحية جماهيرية غنية «بالضحكة» و «الفدلكة» عمل يتمحور حول فكرة الاخذ دون ادنى عطاء، أي ان الانسان يسلب البلاد دون ان يقدمّ شيئا، يسلب البلاد بما في ذلك المقابر، الانسان اناني يريد ان يستفرد بالنفوذ لنفسه دون تقديم ادنى مجهود وهذا ما اصبح يميز المواطن التونسي، التونسي اصبح يأخذ الكثير دون ان يقدّم ولو القليل الى بلده، خاصة «الحاكم» الذي ابتعد عن المحكوم، فالبلاد اصبحت مرتعا للفساد.
ويضيف محدثنا البلاد باتت كالمقبرة لذلك كانت الأحداث تدور في المقبرة، في العمل الكثير من النقد والتساؤل، الكل يقول «تونس الخضراء» من أين الاخضرار والقحط يحيط بنا من كل الجوانب.
وقال أنّ البلاد كما المقبرة هناك قبور رخامية واخرى «كنتول» واخرى ترابية فالمقاربة الرمزية بين البلد والمقبرة كانت مقصودة لنقد سياسة الانانية وظاهرة تراجع الوطنية عند الكثير من التونسيين، الأنانية نراها في العمل غير المكتمل هل هناك طريق تنجز في تونس لتكمل سنة دون أن تتحطّم؟ قطعا لا والسبب تراجع الوطنية وعدم الشعور بالمسؤولية وهذه الظواهر الاجتماعية أردنا نقدها في المسرحية من خلال النكتة والضحك.
في «اش مازال» استحضر ما قلته مع مسرحية عمار بالزور «الحكومة ماتكرهكمش، بحجرها بشجرها بسلاحها بكرطوشها» وفي اش مازال اقول : الحكومة تحبكم اكثر بالقحط والجوع والتفقير والتهميش».
فالمحكوم حين يجد الحاكم سارقا هل سيتعظ ويحافظ على الوطن؟ لا بل سيتبع مسيرته ويحاول تقليده في النهب والسرقة، كل هذه الرسائل قدمناها بالنكتة، فانا من الرعيل الاول لفرقة قفصة ولازلت انتمي لذلك الأسلوب وذاك التيار، في كتاباتي ألاصق الواقع ارى ما يعيشه الناس واحوّله إلى الركح، فانا أجالس الناس استمع الى هواجسهم ومنهم استمد الأفكار للكتابة، الوضع السياسي والاجتماعي ننطلق منه لصياغة أعمالنا وننطلق من الجهوي الى الوطني فالعالمي.
عن الكوميديا في المسرحية يقول «اشاهد الوضع واكتب حوله» نحن فقط ملتزمون بقضايا التونسي في اعمالنا نعتمد على النص وعلى الممثلين، فمسرحنا موجه للشعب واتذكر جيدا ان مسرحية «عمار بالزور» كانت تقدم في ثلاثة عروض في اليوم انذاك، وقد قدمنا 748 عرض ومازلنا الى اليوم نريد أن نقدم مسرحا شعبيا يعبّر عن هموم التونسي مسرح يضحك المتفرج ويدفعه للسؤال.

https://ar.lemaghreb.tn

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …