«ليل الجنوب» يثير القضية مجددا وما زلنا نصرخ.. سرقة الإبداع جريمة محمد الروبي #مصر

«ليل الجنوب» يثير القضية مجددا وما زلنا نصرخ.. سرقة الإبداع جريمة – محمد الروبي #مصر

    سبق وأن قلنا مرارا، أن التهاون مع سارقي الإبداع سيخلق جيلا في المستقبل يرى أن السرقة أمر مشروع. معتمدين على أن (هكذا فعل الأولون). وقلنا – مرارا أيضا – أن جودة العروض لا تنفي عنها جريمة السرقة. سواء كانت تلك السرقة في وضع صفة (تأليف) على نصوص الغير ؛ مستندين على ما فعلوه من تباديل وتوافيق في الأحداث وقد تغيير أسماء الشخصيات. أو سواء كانت تلك السرقة متجسدة في نقل الرؤية الإخراجية لنص ما معتمدين على أن أحدا لم يشاهد، وإن شاهد أحد فلا بأس من أن ندعي بأنها مجرد توارد خواطر.

    وأذكر أنني أثناء اشتراكي في لجنة تحكيم الدورة الأولى للملتقى الدولي للمسرح الجامعي في العام الفائت مع الأصدقاء (ماجدة منير وشروق محمد وحكيم حرب وعبد الله العابر)، كدنا نعطي الجائزة الكبرى لعرض أبهرنا إبهارا كبيرا لولا أن أنقذنا الصديق الدكتور عبد الله عابر، وعرض علينا من هاتفه المحمول أجزاء من عرض إيطالي، وكانت صدمتنا كبيرة، وكان شعوري أنا تحديدا هو مزيج من الغضب والخجل. طبعا قمنا بحرمان العرض من كل الجوائز التي كان مرشحا لها. لكن ظلت هذه (الخيبة) تطاردني وتزيدني إصرارا على التصدي لأي شبهة سرقة تظهر ملامحها في أي عرض أشاهده.

    أخيرا وصل التجني ذروته، فها هو المخرج ناصر عبد المنعم ينشر على صفحته الفيسبوكية تسجيلا لعرض قدمته فرقة كلية صيدلة سوهاج عنوانه (ليل الجنوب)، وهو العرض الذي أخرجه ناصر منذ سنوات لمسرح الغد عن نص للكاتب شاذلي فرح، كان عنوانه (الجنوبي) وأحاله ناصر إلى (ليل الجنوب) حتى لا يتماس مع عنوان قصيدة شهيرة للشاعر الراحل أمل دنقل. وكتاب عنه للناقدة الكبيرة (عبلة الرويني). التسجيل الذي نشره ناصر مصحوبا بكلمات تقطر حسرة وأسفا على شباب يستسهلون في بداية حياتهم الفنية سرقة عرض بتفاصيله، أعاد القضية مرة أخرى إلى بؤرة الضوء، وإن كانت هذه المرة تنضح بمزيد من وجع. فالعرض مصري، وشاهده مئات المتفرجين واحتفى به عشرات النقاد وحصل على عدد من الجوائز. ومع ذلك تصور مخرج صيدلة سوهاج أن كل هذه التفاصيل هي أمور تافهة في مقابل حصوله على ثماني جوائز تباهى بها على صفحته!

    الأمر جد خطير، ويطرح علينا مسئولية كبيرة تجاه أجيال مسرحية قادمة، بل وتزداد المسئولية هما إذا ما قرأنا بعض تعليقات من اشتركوا في العرض (الصيدلي) وبعض كبار مبدعينا. والأخيرون هم الأشد إثارة للغضب والشفقة في آنٍ واحد، إذ إن بعضهم طالب ناصر عبد المنعم بالتجاوز عن الأمر لأن (الأولاد صغار)!

    يقيني أن عرض صيدلة سوهاج ليس هو الأول ولن يكون الأخير. ويقيني أن الأمر سيزداد طالما أننا تهاونا مع سارق أكبر لم يجد حرجا في وضع صفتي (تأليف وإخراج) على عمل أنتجه مسرح الدولة وحصل به على جوائز في مهرجانها الرسمي رغم أنه مسروق بالمشهد من رائعة والت ديزني. بل إن السارق لم يجد أي حرج في أن يطلق على عرضه عنوان والت ديزني الشهير (سنو وايت) ثم كررها في (آليس في بلاد العجائب).
والآن.. ما العمل؟ أخشى ما أخشاه أن تتعامل كلية صيدلة سوهاج، ومن قبلها جامعة سوهاج، مع الجريمة بطريقة (الولد يدخن على الأريكة، فلنبع الأريكة)، ويتخذا الأمر الأسهل والأسوأ وهو (فليمنع نشاط المسرح في الكلية بل وفي الجامعة) أعمالا للحكمة القاتلة (الباب اللي يجي لك منه الريح، أغلقه واستريح).

    مرة أخرى نقول إنه لن يستقيم الأمر إلا بالرجوع إلى بديهيات الإبداع. وأن نعلم أبناءنا مجددا أن (السرقة جريمة)، وخصوصا في الفن الذي ينشد استقامة العالم ونشر الخير والحق والجمال، لا الحصول على الجوائز. وأن نقف بحزم مع كل سارق.

محمد الروبي – مصر

(مسرحنا)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش