لماذا اعترض جمهور مهرجان قرطاج على مسرحية “نموت عليك”؟

لم تمض من العرض غير 30 دقيقة حتى أخذ عدد من المشاهدين ينسحبون من مدارج مسرح قرطاج الأثري، ويعلنون لوسائل الإعلان إحباطهم وغضبهم بعد أن شاهدوا جزءاً من مسرحية “نموت عليك” التي انتظروا عرضها أشهراً عديدة. فهي في نظرهم استعادة لمسرحيات الأمين النهدي السابقة، تستحضر أساليبها في العرض والأداء، وتسترجع لغتها وطرائق كتابتها. ودعوا إلى ضرورة انسحاب هذا الممثل من الحياة الفنية ليترك المجال للأجيال الجديدة تجرب لغة مسرحية مختلفة.

 بعد غياب دام سبع سنوات عاد الأمين النهدي إلى مسرح قرطاج ليقدم مسرحيته “نموت عليك”، وهي ميلودراما ساخرة، ينهض فيها هذا الممثل القدير بأداء 40 دوراً، تتجاور حيناً وتتقاطع حيناً آخر، لكنها تؤسّس مجتمعة عالماً تخييلياً رائقاً يمتزج فيه الخيال بالواقع امتزاج تكامل وترافد.

هذه المسرحية التي كتبها منصف ذويب تلتقط مشاهد من حياة مواطن تونسي اسمه عياش عصفت به الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد التونسية، فأقدم على محاولة انتحار. هذه المحاولة جعلت منه شخصية مشهورة حاولت الأحزاب السياسية وعدد من السماسرة توظيفها لمآربهم الذاتية، لكن طرافة هذه المسرحية لا تكمن في الأسئلة الاجتماعية والسياسية التي أثارتها، وإنما تكمن في أسلوبها، في لغتها، في سخريتها السوداء، في النقد اللاذع الموجه للجميع، فهي صرخة في وجه السماسرة الذين انتشروا بعد الثورة يوجهون الأحداث الوجهة التي يريدون.

وينبغي التذكير أن اسم عياش يشير في الدارجة التونسية إلى المواطن العادي الذي يكتفي بالقليل لسد رمقه، فهو من هذه الناحية رمز للاستكانة والصبر على الملمات والرضا بالقليل.

لماذا فشل العرض؟

بعد نصف ساعة من العرض أخذت أعداد من المشاهدين في مغادرة مسرح قرطاج، الأمرالذي أثار جدلاً كبيراً في تونس، ودفع بالأمين النهدي إلى عقد ندوة صحافية بحضور عدد من الصحافيين ورجال المسرح، لكن الممثل أشاد طويلاً بالحضور الجماهيري الذي عرفته المسرحية وليس بالأمر السهل في نظره، الحفاظ على هذا الإقبال الجماهيري بعد 50 سنة من العمل الفني المتواصل، وأنكر أن يكون الإضحاك هو وسيلة التجاوب الوحيدة مع العرض.

هذه الآراء عارضها كثير من المعلقين ورجال المسرح الذين اعتبروا هذا العرض قد فشل في شد المشاهدين، فكان شتاتاً من المشاهد التي لم تقنع الجمهور ولم تثر اهتمامه وإعجابه.

اختلفت الآراء في تحديد أسباب الفشل الذي مني به هذه العمل المسرحي، بعضهم ذهب إلى أنّ الممثل الأمين النهدي فقد القدرة بعد أن تجاوز الـ70 على النهوض بمثل هذه الأعمال الكبيرة والمعقدة، ودعوا الرجل إلى الانسحاب من عالم الأضواء والتمثيل. في هذا السياق كتب الإعلامي علي القاسمي: “إننا لا نعرف متى ننسحب ولا نعرف متى نتوقف”. أما الإعلامي وليد منصوري فكتب: “ما حصل البارحة في قرطاج يؤكد أن تونس تريد تغييراً شاملاً لا في السياسة فقط”، ثم يتوجه للممثل مباشرة ويقول: “لم يعد الرصيد النضالي ولا التاريخ الإبداعي يكفي لكي يغفر لك، سي الأمين استوعب الدرس وغادر بشرف، ولك كل الود والتقدير”.

تدخل سياسي؟

من جهة أخرى اعتبر البعض فشل المسرحية أمراً مدبّراً، فهذا  محمد علي النهدي يذهب إلى “أن أطرافاً سياسية استهدفت العرض بسبب النقد الذي تنطوي عليه المسرحية”، مذكراً بأن الأمين النهدي “قدم طوال مسيرته 45 عرضاً على خشبة مسرح قرطاج كانت كلها أمام شبابيك مغلقة”.

أما كاتب المسرحية فيتهم بعض الصحافيين بافتعال هذه المشكلة، وهو ما يؤكده محمد علي النهدي حين يقول إن الصحفية التي سارعت إلى رصد آراء المشاهدين الذين غادروا العرض “مكلّفة بمهمة”

وارتفعت أصوات نددت بالأساليب “القاسية” التي لجأ إليها بعضهم في نقد الأمين النهدي، ودعت إلى احترام تجربة فنية هي من أنضج التجارب الفنية في تونس وربما في العالم العربي، فتجربته الكوميدية تعد تجربة رائدة إذ عمدت إلى قراءة المجتمع التونسي قراءة ضاحكة لكنها عميقة، كاشفاً من خلال المواقف الهزلية عن التناقضات التي ينطوي عليها هذا المجتمع، متخذاً من الهزل الذكي وسيلة كشف واطلاع واستدراك.وأعلن كاتب المسرحية المنصف ذويب فقد أعلن اليوم أنه تقرر إلغاء كل عروض المسرحية هذا الصيف، حتى يتسنى لفريق الإنتاج الوقوف على حقيقة ما حصل في عرض مسرح  قرطاج. أضف إلى كل هذا قرار بعض الجهات الثقافية في تونس، إذ عمدت إلى إلغاء العرض بعد حادثة قرطاج وتعويضه بفعاليات أخرى.

الأمين النهدي من مواليد 1950 في مدينة الكاف، اشتهر بأدواره الكوميدية التي جعلت منه إحدى أيقونات المسرح التونسي الجديد. من أعماله المسرحية “الكريطة” و”القافزون” و”المكي” و”زكية”، والمسرحية الأخيرة تم عرضها أكثر من 600 مرة، ويقال إن بعضاً من المشاهدين قد حفظها عن ظهر قلب.

 

https://www.independentarabia.com/

محمد الغزي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش