فن الكتابة لمسرح الطفل — الدكتور حسين التكمه جي#العراق

     شكل مسرح الطفل في أوربا سابقا نقلة نوعية في اعداد جيل الأطفال تواصلا لحياة مستقبلية رصينة , من حيث تطوير الإمكانات الثقافية والأدبية والتربوية والفنية والتعليمية , وتأثيرها غير المحدود لحياة الطفل , فقد تقرر ان يحد ذلك منهاجا مدرسيا تحت عنوان ( المسرح المدرسي ) وبالخصوص في المدارس الابتدائية , لذا صار لزاما على كل حقل مدرسي ان يتبنى سنويا عرضا مسرحيا أو اكثر للتقديم بعدما تأكد للتربويين أهمية النشاط المسرحي الخاص بالطفل .

     مما دعا العديد من الكتاب والمؤلفين للعمل بجدية لكتابة النصوص المسرحية الخاصة بهذا المضمار , ولعل هذا التوجه قد دفع العديد من الدراسات المسرحية أن تأخذ على عاتقها هذا التوجه بالدراسة والتحليل والبحث العلمي , ولعله كان السبب في انتشاره بشكل غير طبيعي في البلدان الأوربية و خارج أوربا كأسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية والوطن العربي أيضا ,فقد كان العرب والعراقيين من المهتمين بهذا التوجه المسرحي بل انهم اهتموا بالمسرح المدرسي ومسرح الطفل , إلا ان البعض ممن كتبوا واجهوا مهمة صعبة في كيفيات الكتابة لمسرح الطفل واليات التخاطب محاكاتا مع ذهنية الطفل , ذلك ان أسلوب الكتابة يستدعي الدخول الى عالم الطفل ومحاكاته بصيغ قريبة من تكوينه السيكولوجي وخياله الخصب فضلا عن مستويات ادراكه قياسا بالمرحلة العمرية ومستويات الذكاء .

     لذا أصبح من الضروري دراسة مستويات الكتابة وآلياتها لمسرح الطفل فضلا عن أهمية مواصفات الكاتب الذاتية وقدراته الابداعية في التعامل مع هذا المضمار الذي لا يخلوا من مجازفة في اكثر الأحيان , فليس كل ما كتب لمسرح الطفل جاء بمستوى فكري وسيكولوجي وتعليمي كما ينبغي والسبب ضعف قدرة الكاتب وعدم التسلح بخلفيات ثقافية ونفسية ولغوية وتربوية , وعليه كان لابد من تحديد مرجعيات ومحاور الكتابة لمسرح الأطفال وتحديد الأهداف المرسومة مسبقا وطريقة اختيار الموضوعات والفكرة أو التيمة وصولا الى الولوج لذهنية الطفل بكل المستويات ولعلنا هنا نحدد أهم تلك المدخلات او اجمالها بهذا القدر او ذاك .

1-الأسطورة والتراث: 

     تعد الأسطورة وما يتبعها من أجواء وأبنية غنية في ان تساهم في انعاش خيال الطفل واشتراطها على توافر الفكرة الخاصة به على ان يبسط الرمز في الأسطورة الى ابسط مستوى ووسيلة للفهم والادراك لدى الطفل, كما ان التراث والفلكلور يزود الطفل بمعلومات واجواء اكثر اشراقية وبالنسبة اليه فهي جديدة تترك في ذهنه الكثير من المظاهر الجميلة الممزوجة بالأغنية الشعبية رغم ارتباطها بالماضي فهي تعد اكتشاف يحقق المتعة الحسية , كما ينبغي التفريق بين ما هو ذاتي وهو موضوعي و ويمكن ان تتراصف هذه المعلومات عن طريق ثلاث مداخل هي الحركة والتشخيص والحكاية أو الحتوتة واخير الشكل الذي يؤدي الى مضمون سابق , وعلية لابد من تشذيب النص من جميع العادات والتقاليد البالية ومشاهد العنف والجريمة وكل شيء يهدد نفسية الطفل , وهنا يتطلب من المؤلف إعادة صياغة الاحداث وتشذيب أشكالها وشخصياتها بما يلائم عقلية الأطفال .

2-البعد الأخلاقي: 

يشكل البعد الأخلاقي عنصرا مهما واساسيا ودرسا تعليميا صرفا وبناءات للذات منذ الصغر , وكذلك هو تعريف حسي بالمواصفات الأخلاقية العالية والقدرة على التأقلم معها وعلى تهذيب النفس اذ ينبغي ان تؤخذ بنظر الاعتبار داخل الخطاب النصي المعرفي الموجه للطفل .

3-البعد الجمالي:

وهوما يوفر المتعة الحسية والمتعة الفكرية والمتعة الجمالية للشكل والمضمون لدى جمهور الأطفال كما انه يساهم في المتابعة للأحداث ويزيد من مفهوم الترقب والاصغاء الجيد لما يدور.

4-البعد الذاتي:

وهو ما يخص الشخصية الخاصة بالطفل والذي بدوره يوفر استعداد الطفل لبناء ذاته وشخصيته وإعادة تكوين الانا كما في الدراسات النفسية وملائمة الشخصيات الممثلة مع تقاربها مع شخصية الطفل او بعدها عنه.

5-التعليمية المبكرة: 

والتي تساهم في ثراء المعلومات العلمية والفكرية اذ يمكن للعرض المسرحي ان يكون عرضا مسرحيا تعليميا في أي مادة دراسية او غير دراسية لكونه يوفر المتعة والتسلية في الافهام العام واستقرار المعلومة في ذهن الطفل بصيغ مختلفة على مستوى التقديم والأداء.

6- الانتماء :

التوجه نحو توكيد مفهوم الوطنية والانتماء للوطن والارتباط بكل ما يحمل من مسؤولية تجاه الوطن .

7-التجديد :

     يبحث مسرح الطفل على الدوام على تقديم وجهات نظر جديدة وصولا لتثوير عملية التفكير في مجال العلوم والموسيقى والآداب والفنون والحركة والتشكيل. وعليه فإن الخصائص السالفة الذكر ما هي إلا قواعد ونظم أساسية أولية تستدعي على الدوام ان يكون الكاتب ملما بها قبل البدء في الكتابة للطفل , اذ ينبغي ان يكون المؤلف ذو مواصفات وصفات تحقق له النجاح في هذا المسعى المهم والذي بات اليوم ضرورة ملحة لبناء الجيل الجديد , كما ينبغي ان يتمتع بفطنة علمية ولغوية في قواعد اللغة العربية وآدابها , فضلا عن ان يكون مبدعا فيها , كما انه يمتلك القدرة على الخيال الخصب الذي بدوره يحاكي خيال الفئة العمرية الخاصة , وينبغي كذلك ان يكون مربيا وتروبويا ليكون على مساس مباشر مع هؤلاء الصبية فاهم لسلوكياتهم وافكارهم وأساليب تربيتهم وتوجهاتهم , والمحافظة على المتعة الحسية والفكرية والجمالية في النص في آن واحد , ولعل الالتزام بالنظرية المعرفية التي تؤكد ب-(لا يفهم الطفل سوى الطفل )وهو ما ندعوه بتقديم الأطفال للأطفال , أما اعمار الفتيان فيمكن ان يقدم الكبار للصغار وهذا هو الناجع علميا , ان صيغ التقديم في اكثر الحيان تقوم على فهم لغة الحيوان

( الأنسنة ) والتي تحبب الطفل على معرفة سلوكيات الحيوان وصفاته الخارجية والداخلية ولعل ذلك ما يحدد الاختيار الدقيق للحيوان وشكله .
ومن المنصف هنا الإشارة الى الكاتب والتربوي جاسم محمد صالح واهتمامه بما يكتب لمسرح الطفل فله تجربة فكرية وفنية تستدعي القراءة والفائدة.

د.حسين التكمه جي – العراق

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش