عن كتاب الإخراج المسرحي العربي المعاصر مسارات وتجارب إعداد وإشراف وتحرير محمد سيف، عمر فرتات، منتجب صقر

عن كتاب الإخراج المسرحي العربي المعاصر

مسارات وتجارب

إعداد وإشراف وتحرير

محمد سيف، عمر فرتات، منتجب صقر

يشكل الإخراج المسرحي العمود الفقري لعملية الإبداع المسرحي الحديث، لأنه كما قال المسرحي الفرنسي أندري أنطوان في كتابه “دردشة حول الإخراج المسرحي” الصادر سنة 1903، الذي يعد بمثابة شهادة ميلاد الإخراج المسرحي الحديث: المخرج هو ذلك الشخص الذي لا يكتفي فقط بدور قائد أوركسترا العرض وذلك بإشرافه على كل مراحل إعداده (إيجاد فكرة العرض، البحث عن التمويل، اختيار النص أو النصوص، ثم الممثلون والممثلات، تحديد جو العرض…) بل هو من يعطي للعمل المسرحي معنى يولد قراءة جديدة آخذا بعين الاعتبار التحديات الاجتماعية، السياسية والإيديولوجية التي يواجهها المجتمع المعاصر.

وهكذا فقد شكل تحول المخرج، في نهاية القرن التاسع عشر، من خادم للنص إلى مبدع العرض المسرحي، حدثا هاما أدخل المسرح في عالم الحداثة وحقق له طفرة نوعية لا زلنا نعيش مخلفاتها إلى اليوم. وإذا كان المسرح الغربي قد عرف لمدة طويلة هيمنة الكاتب كمبدع أساسي للعمل المسرحي، فالعالم العربي اكتشف فن المسرح على يد أشخاص أقرب إلى المخرجين منهم إلى الكتاب. فمارون النقاش، وأبو خليل القباني ويعقوب صنوع، سليمان القرداحي، وإسكندر فرح، ويوسف الخياط… كل هؤلاء الرواد الذين زرعوا نبتة المسرح في عالمنا العربي، لم يكونوا كتابا أو مؤلفين بقدر ما كانوا صانعي عروض ومخرجون قبل الأوان.

 والملاحظ هو أنه رغم أهمية هذا الموضوع، فقليلة هي الكتابات التي تناولت عملية الإخراج ووثقت لتجارب المخرجات والمخرجين العرب. وهي إن وجدت فتقتصر على بعض المقالات الصحفية أو الأبحاث العامة التي لا تتعمق في سبر أسرار هذه العملية الإبداعية التي لا يعرف عنها القراء العرب إلا القليل. وغالبا ما تم تناول وتحليل الإخراج المسرحي في العالم العربي انطلاقا من مجموعة من المفاهيم والاصطلاحات المسرحية المقتبسة عن المسرح الغربي والمأخوذة من كتب تنظيرية غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن واقع هذه الممارسة.

ومن بين المفاهيم الأكثر استعمالا من لدن العديد من النقاد والباحثين هناك “مسرح ما بعد الدراما” الذي وصفت به العديد من الأعمال المسرحية العربية المعاصرة في الوقت الذي لا نجد أنها تنتمي حقيقة لهذا التيار أو الاتجاه الذي تمثله الأعمال غير الدرامية التي يشكك أصحابها بأولوية النص والدراما، وبجدوى إعطاء معنى محدد للحدث الذي لا يقوم، حسبهم، على مبدأ الفعل والقصة وإنما يعرض وضعا أو حالة كبديل لهما. فكما يقول هانس تيس، صاحب كتاب “مسرح ما بعد الدراما”، (… لا يبحث هذا الأخير عن وحدة المكونات الجمالية، بل يأخذ شكله وطبيعته من التشذر وكل ما هو متجزئ؛ كاشفا بهذه الطريقة وعبرها عن قارة جديدة لفن الأداء، وعن وسائل تعبير أخرى بعيدة عن مفهوم الصراع. إذ تشكل فيه الزمكانية عنصرا أساسيا في عكسه للحالة والموقف من أجل “صياغة حس جمالي للمسرح الجديد[1]“.

إن هذا النوع من المسرحة قد ظهر نتيجة لمجموعة من التراكمات والابداعات على مدى سنوات طويلة تحول فيها، كما قلنا، دور المخرج من مجرد مفسر للنص إلى مؤلفٍ له على الركح، وظهرت فيها كتابات مسرحية مختلفة، بحثت واستنطقت في شكلها ومضمونها علاقة الفرد بزمكانيته من خلال أسلوبها وشكل بنائها الدرامي وشخصياتها ولغتها نفسها التي تخلت عن فعل السرد الواقعي ولجئت إلى التعبير عن عزلة الانسان ومشاكله، واتخذت لنفسها أنماطا كلامية تميل للغموض بابتعادها عن المضمون المحض، وتحميله حمولات متعددة بحيث لم يعد أحادي المعنى كما في المسرح التقليدي، من أجل استثارت المتلقي واستفزاز سكونيته. وهذا كله في الحقيقة ما أفرزته مرحلة ما بين الحربين العالميتين في أوربا، وما بعدها من ظروف وأزمات اجتماعية واقتصادية نفسية ووجودية.

أما المسرح العربي فقد ظلت معظم إنتاجاته، مع استثناءات جد قليلة، محصورة في تفسير “الخرافة” و”الحبكة الأرسطية”، مستعملة لغة أحادية البعد والمعنى للتعبير عن مضمون العمل. وهذا يرجع ربما، أولا إلى كون المسرح في الوطن العربي حديث النشأة مقارنة مع المسرح الغربي، حيث لم يتجاوز عمره قرنا ونصف، وثانياً، ربما يعود ذلك إلى طريقة تعامله مع الموروث كأساس لتأصيله، من خلال بحثه عما يشبه الدراما في القصص والحكايات وبعض المظاهر الفرجوية الشعبية، التي أسقطته في فخ السرد.

ولكي يتم الحديث بشكل صحيح عن الإخراج في المسرح العربي المعاصر ألا يجب أولاً التعرف والاطلاع عن قرب وبشكل شامل على تجارب المخرجات والمخرجين العرب؟ ألا يجب الإصغاء جيدا إلى ما يقولونه؟ ألا يجب أن تدون هذه التجارب على الورق لكي تصبح المادة الأولى التي يمكن الاشتغال عليها وبناء تصوراتنا وتحاليلنا من خلالها؟

انطلاقا من هذه التساؤلات – وآخذين بعين الاعتبار كل الملاحظات الي تم ذكرها – ارتأينا أن نخصص هذا الكتاب إلى واقع الممارسة الإخراجية كما يعيشها ويصفها بعض المخرجات والمخرجين العرب المعاصرين. متبعين من أجل ذلك منهجية المسائلة المباشرة، حيث وجهنا لهم مجموعة من الأسئلة حاولنا من خلالها فهم العملية الإخراجية عن قرب. وقد اخترنا أن نتناول موضوع الإخراج العربي المعاصر بهذه الطريقة، أي من خلال الشهادات الحية المنبثقة مباشرة ودون وسيط لصناع العروض أنفسهم، لتجنب فخ التأويلات والإسقاطات التي غالبا ما تكون بعيدة عن واقع الممارسة الذي سقط فيه العديد من النقاد والكتاب الذين تناولوا نفس الموضوع.

     وللاقتراب ما أمكن من حقيقة ممارسة المخرجات والمخرجين سوف لن نتعامل مع الإخراج كظاهرة تاريخية، ولن نتتبع مسارها في هذا البلد أو ذاك، وإنما سنسلط الضوء على بعض التجارب الاخراجية العربية التي لم يسبق لها أن أدرجت في كتاب موحد من قبل. وربما كان الدافع الآخر من وراء سعينا لطرح أسئلة على المخرجين بشكل مباشر، وجعلهم يتحدثون عن تجاربهم بأنفسهم دون وساطة أو تأثير، هو أن يكشفوا الغطاء عن طرق اشتغالهم (قبل وأثناء وبعد…) عملهم الإبداعي، أي تناول واستقصاء العملية الإخراجية من منبعها الأصلي، حيثما ولدت الرغبات الأولى التي حفزت على إنجازها، وحيثما وجدت الحواجز التي واجهتها. وهو ما سيسمح لنا باتباع مسالكها، مسيرتها، طرق كتابتها نصيا وركحياً.

 ومن أجل الإحاطة بالجوانب الأكثر أهمية للعملية الإخراجية، تم طرح مجموعة من الأسئلة (20 سؤالاً تقريبا) على المخرجات والمخرجين، شكلت المحاور والموضوعات الأساسية لهذا الكتاب. للأسف لم نستطع إدراج كل المحاور التي حددناها في البداية لأن حجم الكتاب لم يسمح لنا بذلك. ولكننا، سننشر في كتاب آخر لاحقاً النصوص الكاملة لأجوبة كل المخرجات والمخرجين الذين شاركوا معنا.

     وقد اخترنا الاحتفاظ بستة محاور: التكوين والتأثيرات، فكرة العرض المسرحي واختيار النص، مراحل إعداد العرض وآليات التعاون مع طاقم العمل، أماكن العروض ومصادر تمويلها، اختيار الممثل، وكيفية الاشتغال معه، تلقي العرض والنقد المسرحي. حاولنا في كل محور أن نجمع تحت عنوان موحد آراء وأفكار ومواقف المخرجات والمخرجين المتشابهة أو التي تصب في نفس الاتجاه بحيث تشكل اتجاها موحدا أو حساسية مشتركة. وفي نهاية كل محور قدمنا بعض الخلاصات والاستنتاجات العامة لكي تصبح الصورة أكثر وضوحا.

     وجهنا نفس الأسئلة لجميع المخرجين من أجل خلق حوار وجدل غير مباشر بينهم، حول تجاربهم الإخراجية، من خلال أجوبتهم نفسها. ولهذا، سنجد أن الأجوبة هي التي سوف تحتل أكبر مساحة في هذا الكتاب وليست تدخلاتنا. لأن هدفنا، كما قلنا، هو أن يتحدث المخرجون المسرحيون عن أعمالهم وطرق اشتغالهم عليها، ولكن، في نفس الوقت، سوف لن ننشر أقوالهم كما هي، أي كما وردت في الأجوبة، وفقا لتسلسلها وطولها أو قصرها، وإنما سنحاول تناولها وفقا لتراتبية منهجية تخضع لمحاور تبويب الكتاب المتعددة، أي سنعتمد على مقاطع وعينات سوف تتداخل وربما تتقاطع أو تلتقي في طروحاتها، لأجل خلق حوار بينهم عن بعد، إن صح التعبير، دون لقاء أو اجتماع حول طاولة مستديرة. ونعتقد أن من فوائد تصنيفنا للإجابات عبر محاور الأسئلة التي تتناول الماضي والحاضر واستشراف المستقبل، سنخلق فائدة وبعدا تداوليا، حينما يتم المقارنة بينها، المقارنة التي هي في أحد أبعادها إجراء حوار افتراضي فيما بينها.

     نتمنى أن يشكل هذا الكتاب مرجعا موثقا، نرجو منه الفائدة للمحترفين والهواة على حدٍ سواء وأن يساهم في التعريف بالمخرجات والمخرجين العرب وبتجاربهم لأننا لاحظنا أن الكثير من المهتمين بالشأن المسرحي وحتى بعض المتخصصين يجهلون العديد من الأسماء التي شاركت معنا في هذا الكتاب وذلك بسبب قلة الأبحاث التي تناولت موضوع الإخراج المسرحي العربي بشكل شامل، وكذلك بسبب ضعف قطاع النشر العربي حيث أن الكتب والأبحاث التي تظهر في المشرق العربي لا تصل دائما إلى دول المغرب العربي والعكس صحيح.

كما سنعمل قصارى جهدنا لترجمة هذا الكتاب إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية حتى يتسنى للقراء الأجانب والمختصين بالمسرح التعرف على تجارب ومسارات بعض مسرحيينا العرب، لأن الخزانة المسرحية الأوروبية تفتقد بشكل كبير (ومؤسف) لمثل هذه الكتب التي تعرف بمسرحنا العربي وبالفنانين الذين لولاهم لما وجد.

نشير في النهاية إلى أنه تحصلنا على أجوبة مخرجات ومخرجين ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، وللإشارة الدقيقة فإن أغلبهم من الأجيال الجديدة ولكن البعض منهم من المخضرمين. وقد توصلنا بـ 14 جواب لمخرجات مسرحيات مقابل 42 جواب لمخرجين مسرحيين. وهذا يترجم الصعوبات التي تواجهها المرأة من أجل إثبات ذاتها في عالم الإخراج المسرحي، ويضعنا أيضا أمام عدة تساؤلات ستتم الإجابة عن البعض منها في هذا الكتاب.

لائحة المخرجات والمخرجين الذين شاركوا معنا:

– العراق: عزيز خيون، جواد الاسدي، كاظم النصار، عواطف نعيم، حاتم عودة، أرسلان درويش، وكزيزة عمر، من كردستان العراق.

– السعودية: ياسر الحسني، علماً أننا راسلنا أكثر من سبعة مخرجين.

– لبنان: هشام زين الدين، ومصطفى مشهور، بيتي توتل، ولم تصلنا أجوبة من الأخرين.

– الجزائر: زياني شريف عياد، سليمان بن عيسى، محمد العيد قابوش، حميدة آيت الحاج، تونس آيت علي، عديلة بن ديمراد.

– المغرب: بوسرحان الزيتوني، أسماء هوري، نعيمة زيطان، محمد الحر، بوسلهام الضعيف، جواد السُناني، حسن هموش، أمين ناسور، محمود الشاهدي، سليمة بن مومن، محمد زهير، عبد المجيد الهواس، عبد الجبار خمران.

– ليبيا: أحمد ابراهيم حسن، صبري رمضان أبو شعالة، ولم يرد الاخرون، رغم انهم قد وعدونا خيرا.

– تونس: حمادي الوهايبي، منير العركي، وليد داغسني، نزار السعيدي، وفاء الطبوبي، عماد المي.

– الأردن: حكيم حرب، علماً أننا راسلنا ثمانية من المخرجين.

– مصر: عبير علي حزين، نورا أمين، عمرو قابيل، مازن الغرباوي، سعيد سليمان، ليلى سليمان، أما الأخرون لم يجيبوا على الأسئلة ولم يعتذروا.

– فلسطين: كامل الباشا، سامح حجازي، أحمد الطوباسي، علما اننا راسلنا أكثر من ستة مخرجين من داخل فلسطين.

– سوريا: فؤاد حسن، سمير عثمان الباش، آنا عكاش، مأمون الخطيب، نسرين فندي، عجاج سليم. وامتنع أخرون، دون اعتذار أيضاً.

– الكويت: عبد الله العابر، فيصل العميري، البقية بدون أجوبة.

– السودان: بلا أجوبة

– اليمن: صفوت الغشم، فقط الذي استجاب لدعوتنا.

– موريتانيا: راسلنا مخرجاً واحداً، ولكن للأسف لم يرد.

– الامارات: بلا أجوبة، علماً أننا راسلنا ثلاثة.

– البحرين: بلا أجوبة.

– سلطة عمان: بلا أجوبة.[2]

وإذ نسمح لأنفسنا بالقيام بهذا العمل، فذلك لأننا على تماس مباشر مع المسرح في الوطن العربي والغربي، ولدينا فيهما بحوث ونقود ورؤى وتجارب عملية ونظرية.

____________________________

(كتاب الإخراج المسرحي العربي المعاصر.. مسارات وتجارب)

إعداد وإشراف وتحرير

محمد سيف، عمر فرتات، منتجب صقر

[1] Hans-Thies Lehmann, Le Théâtre postdramatique، texte français par Philippe- Henri Ledru, L’Arche, 2002, p. 22.

[2] نعتذر لبعض مخرجي الدول العربية الذين لم نستطع الاتصال بهم رغم كل محاولاتنا، مثل قطر، الصومال، وجيبوتي.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش