عمرو دوارة: مظاهر أزمة المسرح واضحة.. ومن يتجاهلها إما مغيبًا أو غير واع | خاص

منة الله الأبيض

– مظاهر الأزمة واضحة للجميع ومن يحاول أن يتجاهلها إما مغيبا (غير واع) أو مغيبا (مضلل)

– علاج الأزمة ممكن والخروج منها سهل لو أخلصنا النوايا وحملنا المسؤولية  لأصحاب الخبرات

الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، كما يقول الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحية “الحسين ثائرًا”، وكلمة الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفني للمسرح، كانت أشبه بطلقة ضربها في هواء مسرح دار الأوبرا المصرية خلال إطلاق فعاليات الدورة الـ15 بالمهرجان القومي للمسرح المصري، حينما تحدث عن أزمة المسرح في مصر، نافيًا وجودها من الأساس.

كلمة “مختار” بالرغم من أنها لم تتجاوز بضع دقائق، لكنها أحدثت دويًا في وسط مجتمع المسرح، فانتفض عدد كبير من المسرحيين، ساردين أوجاع المسرح وهمومه، مع دعوة وزارة الثقافة إلى إطلاق مؤتمر علمي يناقش الأزمة تفصيلًا.

من هذا المنطلق تحاول “بوابة الأهرام” تتبع الأزمة، قرائتها بموضوعية، وتفنيدها، سألنا المخرج والناقد المسرحي د.عمرو دوارة عن المسرح وأزماته، والإستراتيجية التي يضعها لحل تلك الأزمة، وهل فعلًا المسرحيين أنفسهم شركاء فيها؟ أسئلة كثيرة طرحناها، والناقد الكبير يحاول أن يُشخص الأزمة.

المخرج والناقد المسرحي/ د.عمرو دوارة:

أصبحت الأزمات المستمر تحيط بنا وتتفاقم في كثير من مظاهر حياتنا المعاصرة ومن بينها الفنون بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة، وذلك لأن المسرح جزء مهم من المنظومة الثقافية والفنية التي تتفاعل وتتكامل وتؤثر وتتأثر بباقي المنظومات الثقافية والفنية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية.

والحقيقة أن من ينكر وجود أزمة بمسرحنا المعاصر ويتغافل عنها أو يتجاهل وجودها هو انسان مغيب (بفتح الياء) غير واع أو مغيب (بكسر الياء) ومضلل لأهداف ومصالح شخصية، فمظاهر الأزمة واضحة للجميع، صحيح أن أزمة المسرح قد بدأت واستمرت منذ عقود ولكنها للأسف قد تفاقمت جدا خلال  السنوات الأخيرة.

ويمكنني رصد مظاهر أزمة المسرح – بعيدا عن الفعاليات المراوغة والمهرجانات الإعلامية الزائفة – وإجمالها في النقاط التالية:

– غياب الجمهور عن متابعة العروض المسرحية، خاصة مع ارتفاع أسعار التذاكر وغياب النجوم وسوء الدعاية عن العروض، وكذلك تدني مستوى العروض وعدم ارتباطها بالواقع والتعبير عن الظروف الراهنة، بالإضافة إلى ضعف مستوى البنية التحتية بالمسارح وافتقادها لعناصر الإبهار، وذلك مع وجود المسارح في منطقة وسط المدينة فقط!!. وأكبر دليل على كل ما سبق هو ضعف الإيرادات، فشباك التذاكر لا يكذب ولا يزيف.

– تخفيض ميزانيات الإنتاج بصفة عامة، وذلك مع وضع كثير من القيود الروتينية على أساليب الصرف (الفاتورة الألكترونية) وارتفاع الخصومات الخاصة بالمستقطعات والضرائب والدمغات والتي قد تصل إلى 30% !!. وفي هذا الصدد أحذر من عقد أي مقارنة مع ميزانيات العروض خلال العقود السابقة خاصة بعدما ارتفعت الأسعار بصور خيالية وانخفضت القيمة الشرائية للجنيه المصري.

– تقلص وانخفاض حجم الإنتاج المسرحي بمسارح الدولة بصفة عامة، حيث كانت مسارح الدولة خلال العقود السابقة تتنافس في تقديم العروض الجديدة وإعادة بعض عروض الريبرتوار، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال أن المسرح القومي خلال مرحلة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي كان يقدم في المتوسط سبعة عروض جديدة على الأقل، كما كان “المسرح الكوميدي يقدم خمسة عروض جديدة في المتوسط، وحاليا للأسف تقوم كل فرقة منهما الآن بانتاج عرضين فقط سنويا على أفضل تقدير!!  

– اختفاء الفرق الخاصة ويكفي أن أذكر أنه خلال أزمة المسرح في السبعينيات كانت الفرق الخاصة تشارك بانتاج أكثر من ثلاثين عرضا سنويا، ولكن للأسف لم يتبق بصفة عامة في الساحة حاليا – بعد رحيل مؤسسي الفرق الكبرى: محمد عوض (الكوميدي المصرية)، محمد نجم (نجم المسرحية)، السيد راضي (الكوميدي شو)، فيصل ندا (المسرح المصري)، سمير خفاجي (الفنانين المتحدين)، جلال الشرقاوي (مسرح الفن) – سوى فرقة “محمد صبحي”، وكذلك بعض محاولات الاستمرار للمؤلف والمنتج/ أحمد الإبياري.

– تدهور مستوى العروض فكريا وفنيا بصفة عامة، لدرجة أن المسرح القومي قدم خلال السنوات الأخيرة المسرحيات التالية: المعجنة، يعيش أهل بلدي، الحفيد، وكذلك المتفائل والحقيقة أن العرض الأخير بالرغم من أنه عرض جيد لكنه لا يتناسب إطلاقا مع هوية “المسرح القومي”، والذي كان يقدم في السبعينيات – ولا أرصد الستينيات عصر النهضة – مسرحيات: عفاريت مصر الجديدة (علي سالم)، ثأر الله، النسر الأحمر (عبد الرحمن الشرقاوي)، قولوا لعين الشمس (نجيب سرور)، الست هدى (أحمد شوقي)، حدث في أكتوبر (إسماعيل العادلي)، بعد أن يموت الملك (صلاح عبد الصبور)، باحلم يا مصر (نعمان عاشور)، أقوى من الزمن (يوسف السباعي)، باب الفتوح (محمود دياب)، عودة الغائب (فوزي فهمي)، ست الملك (سمير سرحان)، سهرة مع الحكومة، سيادة المحافظ على الهوا (سعد الدين وهبة)، رابعة العدوية (يسري الجندي)، ومن المسرح العالمي: الواهم (موليير)، الإمبراطور يطار القمر، سوء تفاهم (البير كامي)، فيدرا (جان راسين)، أنطونيو وكليوباترا (وليم شكسبير)، طائر البحر (أنطون تشيكوف)، أنتيجونا (جان أنوي)، دماء على ملابس السهرة (أنطونيو باييخو)، رقصة الموت المجنونة (أوجست سترندبرج).

– فقدان الهوية لأغلب فرق الدولة المسرحية فلا فرق بين عروض فرق الشباب والطليعة والغد وأيضا بينها وبين عروض فرق الحديث والكوميدي والقومي!! ففرقة “المسرح الكوميدي” تقدم مسرحية ورد الجناين عن شهداء الثورة، وكذلك مسرحيات سيلفي مع الموت، العشق المسموع، ميتين من الضحك وجميعها عروض بعيدة كل البعد عن الكوميديا ويمكن تصنيفها بأنها عروض تجريبية، في حين تقدم فرقة “المسرح القومي” المتفائل، بيت الأشباح وكل منهما مسرحية كوميدية.

وجميع الظواهر السابق ذكرها هي بلا شك نتيجة طبيعية لغياب السياسات والاستراتجيات، وتعيين أصحاب الثقة مع استبعاد أصحاب الخبرات والكفاءات، وكذلك الاعتماد على القررارت الفردية في غياب المكاتب الفنية – والتي كانت تضم نخبة من كبار النقاد والمسرحيين خلال الستينيات – وكذلك غياب لجان القراءة المتخصصة والاعتماد على لجان صورية يتم تشكيلها من بعض الموظفين وبعض صغار الصحفيين لتمرير النصوص التي يريد المسؤولون إنتاجها.

والمتتبع لفعاليات وعروض المسرح المصري حاليا يمكنه رصد مدى اعتماده على عروض فرق الهواة، تلك التي حملت راية الإبداع من خلال فرق المسرح بالجامعات وفرق الأقاليم بالهيئة العامة لقصور الثقافة وأيضا بفرق الهواة المشهرة والحرة والمستقلة. وأكبر دليل على ذلك هو حصول عدد كبير من الهواة على الجوائز الأولى بكل دورة من دورات المهرجان “القومي للمسرح المصري”، وإن كان هذا لا ينفي تدهور وانحدار مستوى “مسارح الأقاليم” بصفة عامة بعدما شهدت أهم وأزهى فترات نشاطها خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وذلك عندما كان يتم إدارتها بروح الهواية الخالصة سواء من كبار المسئولين والإداريين أو من خلال الفنانين المشاركين في مختلف مفردات العرض المسرحي، ولكن مع تقليص الميزانيات أصبحت عروضه للأسف موسمية فقط، وذلك بهدف المشاركة بالمهرجانات الختامية والتنافس على الجوائز المالية !!

وهناك الكثير من التوصيات التي سبق لي اقتراحها من خلال بعض المقالات والدراسات ولعل من أهمها: زيادة الاعتمادات المالية بصفة عامة والمخصصات المالية لكل فرقة، تنشيط عمل لجان القراءة والمكاتب الفنية للمحافظة على هوية كل فرقة، واستبعاد النصوص التجريبية والحداثية الملغزة التي يحرص بعض المخرجين على تقديمها بهدف استعراض مهاراتهم الفنية والحصول على الجوائز، زيادة عدد الورش الفنية والدورات التدريبية في مختلف مفردات العرض المسرحي لصقل موهبة الهواة وتنمية مهاراتهم وأيضا الارتقاء بمستوى الوعي بصفة عامة.

زيادة عدد ليالي العرض لكل مسرحية مع ضرورة تنظيم جداول بتجوالها بعدد كبير من أماكن التجمعات الحقيقية للجمهور كالجامعات والمصانع والميادين، وأن تكون مختلف المهرجانت تتويجا للأنشطة السنوية وليست هدفا في حد ذاتها.

وإذا كنت أطالب بضرورة دعم الدولة لجميع فرق الهواة ومن بينها الفرق الحرة والمستقلة وتقديم كافة الخدمات اللوجستية لهم كتوفير أماكن للبروفات ولتقديم العروض فإنني أرى أن هذا الدعم – في كثير من الأحيان – ينقص من حرية الإبداع والمبدعين كما يهدد من استقلالية الفرق وذلك لغياب المعايير واللوائح المنظمة، وبالتالي مازلنا للأسف نخضع لأهواء المسئولين ومدى حماسهم لتجارب وعروض الشباب، وحتى الفرق التي استطاعت أن تكسر تلك القيود وقعت في شراك أخرى باعتمادها على الممول الأجنبي وتفضيله واختياره لنوعية محددة للعروض.

وأخيرا يؤسفني أن أقرر بصراحتي المعهودة بأن كل الأنشطة المسرحية الآن للأسف الشديد هي “ضجيج بلا طحن”، فعدد كبير من المهرجانات المسرحية تنظم للدعاية والتربح فقط، العروض مكررة وكذلك المكرمين وأعضاء اللجان!! الحركة النقدية في تراجع شديد، لقد أغلقت خلال السنوات الأخيرة كثير من المجلات والصحف وتحول بعضها إلى نسخ الكترونية فقط، كما ألغيت كثير من الصفحات الفنية والمسرحية المتخصصة وكذلك بعض البرامج المسرحية!! .. الإنتاج في تراجع كمي وكيفي وأصبحت المسارح تضاء لمدة ثلاث أو أربع ليالي فقط أسبوعيا في أفضل الحالات!! عدد محدود جدا من المسرحيين يعملون والباقي ينتظرون الفرصة لعدة سنوات!! والمستوى الفني للعروض أغلبها – كما سبق القول – متدني بل وبعضها يمكن وصفه بالإبتذال والإسفاف.

ونظرا لأننا بصفة عامة دولة نامية وتواجه الكثير من التحديات أرى ضرورة أن يقوم المسرح بدوره في معارك التنمية، وأن يساهم في حمل شعلتى التنوير والتثوير ونشر الوعي والارتقاء بمستوى التذوق الجمالي، وذلك بهدف مواجهة جميع أشكال قوى الظلام المتمثلة في أشكال التطرف والإرهاب والرجعية وجميع الأمراض الإجتماعية كالانتهازية والسلبية والنفاق والرياء، كما يجب ألا يجرفنا التيار تحت مسميات الحداثة وبعد الحداثة إلى تقديم عروض تجريبية ملغزة للنخبة فقط وقضايا فلسفية بعيدة عن واقعنا المعاصر ولا تستطيع الأغلبية الاستمتاع بها أو تحقيق التواصل معها.

حقيقة يمكننا إعادة نجاحات المسرح وتحقيق تواصله مرة أخرى مع الجماهير بترشيد رعاية ودعم الدولة، وبالاهتمام الكبير بتطوير البنية الأساسية وبناء وتجهيز المسارح وصقل موهبة المسرحيين باستمرار عن طريق تنظيم الورش الفنية وقبل كل ذلك بالاختيار الدقيق والجيد للقيادات الفنية، والتي تستطيع مواجهة جميع التحديات وتنجح في إيجاد البدائل المناسبة ومن أهمها الاختيار الجيد للنصوص التي تواكب الأحداث الراهنة بصياغة فنية راقية، وبالحفاظ على هوية كل فرقة وكذلك بالتجوال بالعروض في جميع التجمعات الطبيعية للجمهور مثل المدارس والجامعات والمصانع والميادين سواء بالعاصمة أو الأقاليم، وأعتقد أن الآمال والطموحات السابقة تتطلب تنظيم مؤتمر عام للمسرحيين يشارك فيه الجميع باقتراحاتهم وتوصياتهم دون إقصاء لأحد.

https://gate.ahram.org.eg/

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …