عزيز خيون: أعلن براءة الجمهور عن ما يُرتكب من حماقات على منصة المسرح- الجزء الثاني #العراق

 

 

يهمني أن أتنقل في عملي بين منصات جمالية مختلفة في إمكاناتها التعبيرية

حاوره: علاء المفرجي

القسم الثاني

كانت بداياته على خشبة مسرح أكاديمية الفنون الجميلة، في عدد من الأعمال منها: (فلوس الدوه) للراحل يوسف العاني و(طبيب بالكوه) المعدّة عن (طبيب رغماً عنه) لموليير ، وهي مايسميه البداية صفر، لكنها مسرحية “مركب بلا صياد” لبدري حسون فريد توّجته في عام 1972م، حيث فاز عنها بجائزة أفضل ممثل. بدأت علاقته بالمسرح منذ عام 1969 في مدينة النجف عن طريق صديقيه مهدي سميسم وحسين القيسي. واستمرت مسيرته المسرحية إلى الآن. رُشّح في اختتام الدورة الحادية والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دار الأوبرا المصرية عام 2009 كواحد من عشرة من المسرحيين العرب والأجانب الذين أثروا الحركة المسرحية في بلدانهم وتركوا بصماتهم الواضحة عليها طيلة عقود من الزمن، اشتهر عربياً بدور «أبو الدرداء» في المسلسل السعودي المشترك “غرابيب سود”.

في أي محطة تتوقف في مسيرتك المسرحية وما الذي أضافته لك ؟.

ج5 : محطات مسيرتي المسرحية ماهي إلا تصميم لسيناريو مشت به قدماي هكذا أرى جلية الأمر وهكذا أرى مدى وحدّة القوس الذي يربط حدود وفضاء صورة تجربتي المسرحية منذ أن وطأت روحي عتبة هذا الفن القضية \ المسرح ، وهذه المحطات المكانية هي بالضرورة محطات مسرحية تحاورت مع بعضها جدلاً حاداً ، أتفاقاً وأفتراقاً وهي متنوعة في عطاءاتها أنطلاقاً من طبيعة المكان ، البيئة ، المناخ الثقافي ، النظام السياسي ، الواقع الاقتصادي ، وسعة نوافذ الظرف الذي أنعش رئة حراكي المسرحي وحلّق بتجربتي أو أعاق طاقة ضربات أجنحتها لهذا العذر أو ذاك المانع ، وتعويلاً على إشارات استهلال ما تقدم أستطيع أن أجمل محطات مسيرتي المسرحية في محطتين اثنتين ، محطة داخلية ومحطة خارجية .

المحطة الداخلية مرتكزها الأول كان معهد بغداد التجريبي في العاصمة بغداد ومشاركتي في أول إنتاجين مسرحيين له عام 1960 هما ( المسيح يصلب من جديد ) إخراج عوني كرومي الذي منحني فرصة أقول عنها أن لم تكن مغامرة فهي نوع من المخاطرة تفوق استعدادي المسرحي في تلك الفترة ، أن أجسد شخصية يهوذا الاسخريوطي وكان توفيقي في أداء هذه الشخصية الصعبة مميزاً بشكل أثار أعجاب الجميع وتناولته عدد من المقالات النقدية ، والتجربة الثانية هي مسرحية الأطفال ( علاء الدين والمصباح السحري ) للأستاذ جعفر علي مترجماً والأستاذ جاسم العبودي مخرجاً .

المرتكز الثاني لمحطتي الداخلية هي أكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد حيث شاركت بعدد مهم من أعمال الطلبة وعملين مسرحيين مهمين ( مركب بلا صياد ) للمخرج بدري حسون فريد الذي أشرت الى أهميته في الجزء الاول من هذا الحوار ومسرحية ( فيتروك ) ترجمة وإخراج الأستاذ جعفر علي .

المرتكز الثالث لمحطتي الداخلية هي الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح التي أغتنت بها تجربتي ومعارفي المسرحية من خلال مشاركتي بانتاجات مهمة نوعاً وكمّاً في مستواها التمثيلي والإخراجي ، ومن خلال مسيرتي في هذه الفرقة الهامة أمتدت تجربتي بإتجاه المنطقة العربية ممثلاً ولاحقاً مخرجاً وضيفاً على مهرجانات رصينة وفي لجان التحكيم والندوات الفكرية والبحثية .

المرتكز الرابع حاضنة الفرق الأهلية ومدى مساهمتها في تهيئة مناخ صحي دفع مسيرة تجربتي تارة ممثلاً وأخرى مخرجاً حين وضعت فرقة المسرح الشعبي كامل استعداداتها في خدمة أول تجربة إخراجية لي في بغداد هي ( قارب في غابة ) وفيها أيضاً نشطت ممثلاً في مسرحية ( مهنة جذابة ) تأليف وإخراج فلاح هاشم ، وعن طريق هذه الفرقة أيضاً حققت أعترافاً لي كمخرج ومنها كانت انطلاقتي ولا أنسى أيضاً تجربتي ممثلاً في فرقة المسرح الفني الحديث العريقة .

أما المحطة الخارجية لمسيرتي المسرحية فهي المحطة العربية وكان المرتكز الأول لها هو بيروت ، تجربة صعبة على مستوى المسرح والحياة ، أنجزت فيها عملاً مسرحياً واحداً لم يكتمل بسبب ظروف بيروت في تلك السنوات والتي حالت دون تقديمها لذلك نشطت في مجال الأغنية السياسية وتكوين فرقة للأغاني الوطنية وتقديم بعض الأماسي الثقافية في مجال الشعر بطريقة درامية تعتمد الغناء والتصويت والأداء التمثيلي .

المرتكز الثاني في هذه المحطة مشاركتي في أول إنتاج مسرحي للفنانين العرب مقره القاهرة هو مسرحية ( واقدساه ) تأليف الكاتب العربي من مصر يسري الجندي وإخراج الفنان العربي من تونس المنصف السويسي وكنت ممثلاً لوطني العراق في هذه التجربة العربية الكبيرة الى جانب نخبة مهمة من الفنانين العرب من مصر وتونس والكويت والسعودية والبحرين والسودان وفلسطين ، قدم العرض الأول لهذا العمل في القاهرة على المسرح القومي في العتبة وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية وعلى المسرح الثقافي الملكي في عمان الأردن وفي مهرجان بابل الدولي في العراق .

المرتكز الثالث هو عمان أستغرقت مني هذه المحطة أربع سنوات ولصعوبة الإنتاج المسرحي هناك صادف أن نشطت في مجال الفيلم الوثائقي حيث قمت بإخراج ستة عشر فيلماً وثائقياً سبعة منها بعنوان ( مدن عربية ) ، زمن الفيلم الواحد ستون دقيقة لصالح شركة أي ، أر ، تي ، المركز عمان فكرة الشاعر وليد سيف ، المنتج المنفذ الكاتبة اللبنانية حياة الحويك عطية سيناريو عزيز خيون وحياة عطية أما بقية الأفلام الوثائقية فهي تحت عنوان ( ذاكرة مكان ) و ( صورة عن قرب ) زمن الفيلم عشرون دقيقة ، وعلى مستوى المسرح لم أتمكن إلا من إنتاج عملين اثنين هما مسرحية ( كلام ألو معنى) لمنظمة كير العالمية ومسرحية ( الدائرة ) للكاتبة حياة الحويك وإنتاج أمانة عمان الكبرى ولأنني دشنّت مكاناً جديداً للعرض في فضاء مفتوح هو معبد هرقل وفي أعلى منطقة في عمان هي قلعة العمونيين ، ولأن المكان مهمل كان لابد من الاستعانة بجهة تتمكن من تأهيله فكان الجهد الهندسي في القوات المسلحة الأردنية والعرض الثاني لهذا العمل في افتتاح المسرح الروماني الأثري الصغير في الساحة الهاشمية وسط البلد وهو أيضاً مسرح مفتوح كان في زمن الرومان مسرحاً للشعر والموسيقى ، قدمت مسرحية ( الدائرة ) ضمن فعاليات مهرجان جرش وقدمت أيضاً في مسرح المدينة في بيروت .

أما المرتكز الرابع فهو إمارة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وكان حصادي في هذا المرتكز مثمراً ووفيراً على مستوى تجربتي المسرحية ، أذ أنجزت فيها أكثر من تجربة مسرحية وفيلم وثائقي واحد عن تأريخ المسرح هناك ومشاركات مهمة في مهرجان أيام الشارقة المسرحية لأكثر من دورة ، حققت فيها جوائز منها جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل لعرضي المسرحي ابحر في العينين وتكريمي لمرتين كأفضل فنان عربي متميز من قبل حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي ، وتحريك عروض مسرح الطفل الى مهرجانات مسرحية في عمان وتونس ، لكن أهم وأبرز منجز لي في هذه الإمارة هو تأسيس مهرجان الفجيرة الدولي الأول للمونودراما في مدينة دبا \ الفجيرة مع نخبة شابة من أبناء الإمارة المذكورة وتصميمي لنظامه الداخلي ومديراً لدورته الأولى التي أنطلقت في عام 2003ويعد هذا المهرجان كأول مهرجان من نوعه في الوطن العربي يختص بفن المونودراما .

ولكن للحقيقة أقول فأن المحطة العربية لمسيرتي المسرحية وبجميع مرتكزاتها بكل تشعباتها ، صعوباتها ، قلقها والحنين لم يكن لي دور في اختيارها مكانياً أقامةً وعملاً بأستثناء تجربتي في مسرحية واقدساه ممثلاً لوطني ، أنا أخترت محطة مكانية واحدة أقيم على ترابها مسرح عراقي ، مسرح في العراق ، هي وطني في العاصمة بغداد أما ما جاء من محطات فقد وجدتني مدفوعاً إليها دفعاً إكراهياً خلاصاً لحريتي وموقفي المستقل في المسرح والحياة وهذا موضوع طويل لا مجال للخوض فيه الآن ، لذلك كانت محطتي العربية محطات وليس محطة واحدة ، من بغداد الى بيروت والى بغداد ثانية ثم الى عمان والى بغداد ثالثة ومن بغداد الى الإمارات العربية المتحدة ثم العودة الى بغداد رابعة بعد الغزو الاميركي واحتلال وطني ، لكن للامانة فأنني أعتبر المحطة العربية هي الأكثر أشراقاً في مسيرتي المسرحية والفنية بشكل عام لسبب بسيط كون مسيرتي في المحطة العربية على رصيد شجرة مثمرة في وطني العراق ، هي حصيلة غنى هذا التلاقح والتفاعل والحوار وأعتبرها الأبرز لأنها زودتني بتجربة غاية في الثراء على مستوى بيدر حصيلتي الحياتية والثقافية والمسرحية بخاصة ، محطتي العربية هي بمثابة لقطة عين الطائر منحتني رؤية أوسع ، أبعد وأشمل ، جسوراً هامة وعلاقات أنسانية رائعة أثمرت نشاطات نوعية ، ملتقيات ومهرجانات ، مهام وورش مسرحية بسبب ما وفرته من تلوين وتنوع في أنشطتي ومن معرفة ووضوح لأمكانات تجربتي وطاقتي التعبيرية مخرجاً وممثلاً وأنا أقف واثقاً بين تجارب أخوتي وأقراني العرب ورفقاء المهنة على مستوى العالم.

– اُخترت عام 2009 كواحد من عشرة من المسرحيين العرب والأجانب الذين أثروا الحركة المسرحية في بلدانهم وتركوا بصماتهم الواضحة عليها طيلة عقود من الزمن، هل ترى في الجيل الجديد مَن اقتفى أثركم؟

ج : تلويحة وفاء هو تكريم الفنان لا شك وعرفان بجهد الذي يتحرك ويؤسس مشروع يخدم الحرية والعدل والحقيقة ويقدم للناس المعلومة مسلفنة بألوان المتعة والبهجة ومنظومات الجمال ، كرمت لعدة مرّات في وطني ، في الجزائر في المغرب مهرجان مكناس ، أن يشكرك الوطن بتعبير التكريم ذلك مهم وحق من حقوق المواطن الدؤوب صاحب المشروع الملتزم بأسلوبه وأهدافه وقيمه الجمالية لكن أن يأتيك هذا التكريم من الخارج فهذا يعني أن العين التي تراقب حراكك الجمالي ليست عين داخلية فقط ، إنما هناك عيون أخرى تفتش عنك وتسأل ، ترصدك وتتابع دورات مشروعك من خارج الحدود ولعمري أن هذا الأمر يضع على كتفيك ثقل مسؤولية أخرى مضافة لذلك كانت ليلة تكريمي وفنانون أخرون من دول عربية وعالمية مختلفة ، كانت ليلة أحتفاء تنطق بالمحبة والبهاء وزاد من ألقها حبوراً وبهجة حضور عدد من الإخوة العراقيين المشاركين في تلك الدورة من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، أن يسمعك أخوك العربي من مصر وأقطار عربية أخرى كلمات تفوق محبة وشذى فهذا أمر جد طبيعي ولكن أن تأخذك بالأحضان جنسيات أخرى ، أن تسمع التهاني مموسقة بلغات لا تعرفها فذاك هبوب من نسائم السرور له وقعه وتأثيره الخاص في مجسات روحك المحّلقة في ذاك المساء الاحتفالي على مسرح الأوبرا في قاهرة المعز وطبيعي لست أنا العراقي الوحيد من حظيَّ بهذا التكريم بل سبقني اليه أساتذة وفنانون كبار وبالتأكيد هناك نماذج من الجيل القادم ستتوج بهذا التكريم ، لا يداخلني الشك في ذلك أبداً ، انطلاقاً من بحثهم الدؤوب لتجويد عطاءات مهنتهم وشعورهم بأهمية هذه المهنة التي أنبروا للعمل بها وخدمتها وحققوا تميزاً بها وبالتأكيد هناك تبايناً بين واحد وآخر ، أسماء لمخرجين جاءوا بعد جيلي ، أسماء درست وتثقفت عناوين تجربتي المسرحية في العراق ومن المؤكد أن حدود التباين في مؤشر التميز ذاك تختلف أيضا بين فنان وآخر ، لكن هناك مَن كان هو الأبرز وأستطيع أن أتوقف على سبيل الحصر الدقيق عند تجربة المخرجين د عواطف نعيم ، غانم حميد ، د .حيدر منعثر ، د .هيثم عبد الرزاق ، كاظم النصار ، عماد محمد ، سنان العزاوي ، أحمد حسن موسى ، مهند هادي وطلال هادي ، صحيح أن الجميع حاول ، أجتهد وأنجز وهناك مبرّزون في العاصمة بغداد والمسرح العراقي في المحافظات لكن هناك من كان هو الأبرز .

– رغم أدوارك الكثيرة والمهمة في التلفزيون، لكني أود أن أسألك على مشاركتك بمسلسلات عربية مهمة .. ماذا تقول عن هذه التجربة؟

ج7 : يهمني أن أتنقل في عملي بين منصات جمالية مختلفة في أمكاناتها التعبيرية على مستوى الإرسال والتلقي تلفاز ، إذاعة ، سينما لكن يبقى المسرح هو الانشغال الأهم ، ثم أن الأعمال التلفازية التي أنجزتها ممثلاً ومخرجاً ليست كثيرة قياساً بعمري الفني وطاقتي التعبيرية وإذا ما قيست بالفرص التي منحت لزملائي الذين جمعتني وإياهم إنطلاقة زمنية تكاد تكون واحدة ، فمجموع ما قدمت من أعمال تلفازية على مستوى التمثيل هو خمسة وثلاثون عملاً ، ثلاثة وثلاثون منها داخل وطني وهذه الأعمال توزعت بين الشعبي المعاصر والتأريخي وفي حدود السهرة التلفازية والبرنامج الثقافي الدرامي والخماسية والسباعية والخمس عشرة والثلاثون حلقة ، وعلى مستوى مشاركتي العربية هناك مسلسلان أنتجها العراق بمشاركة عربية لمخرجين وممثلين ومؤلفين كان لي حصة المساهمة فيها هي ، أبو الطيب المتنبي ، الكبرياء تليق بالفرسان ، إبراهيم طوقان ، حرب البسوس ، وكانت تجربة مهمة لي في الوقوف والتعامل مع ممثلين عرب على جانب كبير من النجومية والانتشار ، والذي يمنح النفس غبطة أن أدواري التلفازية وعلى قلتها إلا أنها جاءت نوعية في الشكل والمضمون والتركيز الفني وعلى صعيد المشاركة العربية خارج وطني لم يكن أمرها ميسوراً بسبب الظروف العصيبة التي كابدها وطني ، حروب وحصار ومقاطعة وأحتلال ، هذا المناخ المشتعل ما كان رحيماً بي وبغيري من الفنانين أن أتحرك بكامل حريتي وطاقتي الادائية أضافة الى أن مشاركتي عادة ما تكون مشروطة من قبلي فيما يخص نوعية المنتوج ، أهميته وطبيعة المشاركة ، نوع الشخصية التي أجسدها والمساحة هذه أمور أساسية بالنسبة لي فأنا لا أرمي نفسي هكذا دون حسابات لما أسلفت من شروط ، لكن وفي كل الأحوال جاءت مشاركتي العربية في ثلاث تجارب هي (غرابيب سود ) و (سدرة ) و ( حين رأت ) ، إلا أنني أرى هذه المشاركة ضرورية جداً وحققت لي نقلة مهمة جداً ، عرفت بي أنساناً وفناناً ، لأن ما يميز المشاركة العربية أنها سريعة الانتشار على مستوى تسويق المشروع التلفازي ووفرت لي ظروفاً مريحة للعمل وفرصة غاية في الأهمية ، وأنا أنادي بها بأستمرار ألا وهي العمل العربي المشترك ، ضرورته وما يوفره من لقاء بأخي الفنان العربي وما ينجزه هذا اللقاء من تقارب وتعارف وتبادل في الخبرات والمنتوجات والتخطيط لمشاريع قادمة ، هذا إضافة الى الأجر المادي المجزي والرعاية الكاملة المقدمة لي على مستوى النقل والسكن والمطالب اليومية ، وهذه الميزات في العادة لا أجدها في الإنتاج المحلي الذي غالباً ما يمارس على الممثل ضغوطاً غير أنسانية أولها أن العمل لا يوزع عربياً وآخرها الظروف الصعبة والسقوف الواطئة للأجور ..

– ما تقدمه في المسرح كمخرج عالقٌ في ذاكرتنا وذاكرة عشاق المسرح .. هل لنا أن نقف عند الأسباب؟

ج8 : لم ألج فضاء الإخراج المسرحي طمعاً بمغنم شخصي أو هدف أشهاري ، إنما كانت دوافعي وأهدافي حاضرة منذ أول أمتحان ، أن أقدم تجربة خاصة في العراق ، تجربة ذات منحى وتوجه مغاير لما هو معروض من ناحية المشروع المسرحي ، مضمونه ، أفكاره وأفاقه وبما يخدم المتلقي فكرياً وثقافياً وأن يكون هذا المشروع طالعاً من تجربة يومية لها برنامجها وحياتها الداخلية في اختيار فريق العرض وساعات التدريب ، طبيعة الممثلين المشاركين ، الوضع الأخلاقي والثقافي ، وأن أعيد النظر بشكل يومي بما يتم أنجازه والنظر اليه دائماً بعين الشك بعيداً عن آفة القناعة والرضا ، إنما هناك عملية سرية توالدية مستمرة لا تنتهي أبداً تلّح علينا أن نسير بها حتى النهاية ، عملية أكتشاف وأضافة ومغادرة الذي يتحقق حتى لحظة العرض الأخير ، أن يكون النص عراقياً بموضوع وشخصيات عراقية منطلقة من الواقع المعاش وسخونة الظرف وأن يعبر عن مكنونات ومشاعر المتلقي ، كل هذا من أجل تقديم عرض مسرحي عراقي شعبي في توجهاته قريب من هموم وانشغالات المشاهد ، طموحاً في تقديم مختلف في تصميم المشهد وتقديم أداء الممثل لا الدمية المنفذ الكسول والقانع ، إنما ذاك الحالم المفكر الذي يبذل جهداً غير اعتيادي ولساعات طويلة في تحديث ومتابعة عناصره الادائية وقراءة جميع النصوص المشغّلة للعرض قراءة مختلفة عن السائد ، المهم أن نقدم عملاً يوفر المتعة والفائدة وأن لا يتخلى عن الجرأة والتمرد ودون أن أنسى التحديات المعاصرة في لغة العرض المسرحي .

– هل تتفق مع الآلية التي تقدم بها المسرحيات عندنا، اعني عرضين أو ثلاثة لا أكثر.. هل تحمل الجمهور السبب في الانصراف عن المسرحيات (الجادة) أم قصور بعض العروض عن الارتقاء بما يريد الجمهور؟ كيف ترى المشهد المسرحي في العراق الآن ؟.

ج9و10 : أعلن براءة الجمهور عن كل ما يرتكب من حماقات على منصة المسرح في العراق ، باستثناء بعض التجارب الرصينة والمسؤولة ، هذا الاسفاف والتجهيل والتسذيج في العروض ، غياب المستوى الذي عرف به المسرح في العراق نصوصا وأداءً ورؤى جمالية ، تقزيم أعمار العروض بهذه الصورة الفجة بحيث أقصى فترة زمنية للعرض لا تتجاوز الخمسة أيام ، عدم ظهور طاقات جديدة بما يكفي ويسد حاجة التجارب المسرحية وأهمالها إن وجدت ، كل هذه الأمور تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة وغياب أي دور مسؤول لوزارات الثقافة والدوائر المرتبطة بها في وضع الخطط وابتكار البرامج المتحضرة من ورش وتكوينات وبعثات وتأهيلات مهنية عملية ونظرية ، إضافة الى التغييب المقصود للفرق الأهلية و الإهمال المتعمد للصروح المسرحية التي تتعرض للتصدع والتداعي ، كل هذا لو تم الاهتمام به فعلياً لكان كفيلاً بالنهوض وأنتشال مسرحنا مما يعانيه من نكوص وفوضى ، وإذا كانت هناك من رغبة حقيقية لحل مشاكل المسرح في العراق فبالتأكيد أننا نستطيع ذلك ، لكن صورة المعروض الآن لا تنتج للمتتبع والراصد أملاً في حل قريب بما يوفر نهوضاً للمجتمع العراقي علمياً وثقافياً وبما يؤكد ضرورة المسرح في حياة الناس والأسباب كثيرة منها : عدم استقرار الوضع السياسي والاقتصادي ، كثرة الاهتزازات والتصدعات في البنية الاجتماعية العراقية التي أنتجها الوضع السياسي الملتبس .

https://www.almadapaper.net

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش