عزلة المسرح في زمن كورونا (33) مسرحنا ينتظر أن يصير في قلب الحياة بوسرحان زيتوني (المغرب)

عزلة المسرح في زمن كورونا (33)

المسرح فن جماعي، وطبيعة جسد الفرجة المسرحية لا يتحقق جوهرها الا بالجماعة وفي الجماعة.. سواء على مستوى التشكل الابداعي من خلال التداريب والتحضير أو على مستوى التلقي والتفاعل الجماهيري الحي.

فماذا عن “عزلة المسرح في زمن كورونا”؟ وهل ما عرفته المنصات الوسائطية الالكترونية من مبادرات واسهامات “مسرحية الكترونية” قدم لهذا الفن الجماعي الحي والعابر، ما كسر شيئا من عزلته وانكماش فعله وفاعليته وتفاعله؟ هل تلبى رغبة الفرجة الحية بكبسولات فيديو ؟ وما تأثير الافكار المبتكرة الكترونيا على الفرجة المسرحية؟ المسرح وعاء ابداعي يحتضن الفنون جميعها.. فما تاثيرها على قواعده الثابتة والمتغيرة ؟ وما الفواصل بين التأثير الحقيقي والتاثير المزيف الزائل؟

ملف تشارك فيه مجموعة من الأسماء المسرحية العربية لإبداء الراي ومناقشة حاضر المسرح في الزمن المرتبط باكراهات الظروف المعطاة التي فرضتها الجائحة على الجميع… وما طبيعة النشاط المسرحي الإلكتروني الذي عرفه الظرف “الكروني”…

إعداد: عبد الجبار خمران

مسرحنا ينتظر أن يصير في قلب الحياة

بوسرحان زيتوني (المغرب)

المسرح – جبريا- لقاء مباشر بين الانسان والانسان، ابتدعه ليمارس فيه وبه نقض الرتابة اليومية ، ولخرق النظام العام القيمي والسياسي.

المسرح ايذان بالحياة في لحظات زهو الانسان بذاته ضد ما يكسرها أو يقهرها. إنه طقس بالرقص والغناء والتماهي والمحاكاة والتذكر والاستشراف، طقس للتعري والمكاشفة، طقس يتواطأ فيه ليكون الواضع والموضوع، بكل اللغات الممكنة، الأكثرها صمتا لأكثرها ضجيجا، وأكثرا تخفيا لأكثرها وضوحا.

لهذا لم اشعر لذة وأنا أشاهد المسرح، من خلف زجاج، صزرة تتحرك لا أحس بانسانها ولا بعناصره المادية التي تحوطوني وتحتويني،  ولا احسست بوجودي وأنا اشاهد ما اعتبر مسرحا على النت، أو بالنت، لأني افتقدت أن أجد أمامي وخلفي وبجانبي يمينا ويسارا، انسانا يشعرني بأني أوجد به ومعه، وأننا نوجد معا لغيرنا ومعهم الآن والهنا.

وقد قادني ذلك إلى ما افترضه خلاصة مفزعة :  أن “كثيرا” من مسرحنا العربي افتقد الحياة منذ زمن عندما كف جوهره عن الوجود، وانتقل من الصنعة الى الاصطناع، وترك أدواره ووظائفه. وصار في الغالب، حتى قبل كورنا، غير موصل ولا واصل.

لا يمكن للمسرح أن يوجد إن أفقدناه هويته، وهويته أنه فعل في الان والمكان، بالناس ومعهم. لهذا أن ننظر الى توقفه وكأنه كارثة، هو اشبه بتمثيل تراجيدي رديء. إذ من الطبيعي أن يتوقف المسرح بعد أن توقف شرطه. ولا يجب ان نخلط في ذلك بين العرض المسرحي وبين الفنان المسرحي، فلا شك أن الفنان تضرر من توقف النشاط المسرحي، ولكن المسرح لم يتضررفشرط المسرح الاجتماع، وقد انتفى أمام التهديد العاصف الذي شكله الوباء لوجود الانسان بكل أبعاد هذا الوجود.

ولأن حياتنا المسرحية هي حياة على هامش الفن والثقافة، ولأننا لا نملك حياة مسرحية حقيقية، خارج المهرجانات التي تجهد للحفاظ على المسرح موجودا، فإن فقط نحن المسرحيون من شعرنا ربما باليتم والفراغ. في وقت لم يشعر الانسان العربي بغياب المسرح، لأنه ليس من الدم الذي يسري في العروق.

إن كورونا كالأمراض التي ظلت تصيب الانسان، فتعجزه لفترة، ويستكين فيها الى الدعة والدروشة، فما أنه يتعداه المرض وينعم بالصحة من جديد، حتى تتعفرت روحه، ويعود الوسيم لعهده القديم لهذا أنا قليل التفاؤل بأن هذا المسرح سيكون له شأن، بعد كورونا، دون أن يستقيم حال صناعه.

إن المسرح ما بعد كورونا سيظل كما كان قبلها إلا إذا اصلحنا من حاله وحررناه من أن يستمر على هامش الحياة الثقافية والفكرية والسياسية، وعلمناه أن يـ”نظر الى الخلف بغضب”، وان نحقق جوهره، ليصير حاجة روحية لدى الانسان لا مجرد اكلات سريعة على هامش الحياة.

بوسرحان زيتوني – المغرب

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.