ضمن إحتفاليات اليوم الوطني للفنان مسرح سيدي بلعباس يضئ شموع العرفان والتقدير للمبدع الأصيل والمسرحي الرصين ” حبيّب محمد “-بقلم : عباسية مدوني –الجزائر

تأتي إحتفاليات اليوم الوطني للفنان عبر تراب الوطن ، لتغدو محطّة هامّة وثرية للوقوف عند إنجازات الفنانين والمبدعين ، وهي بوابة مشرّعة نحو العرفان والتقدير لكل مبدع  احتفاء   بمساره ، إضاءة لمحطاته ، وعرفانا بتضحياته الجسام .

وركح المسرح الجهوي سيدي بلعباس إحتضن الإحتفالية كما يحتضن الجمال ، وقد كان الجمهور مصاحبا لشتى محطات الأمسية ، التي استهلت بإلقاء الكلمة الرسمية الخاصة بالمناسبة والتي جاء نصها على الشكل التالي :

يتراءى إلى مسامعنا دوما بأنّ ” كل فن يحمل نورًا إلى الآخر…” ، وههنا غوص في الجوهر وفي صفاء الإنسان ، ويأتي يوم 08 جوان من كل سنة احتفاء بعيد الفنان ، وهو يوم عتيد تتصاعد فيه ومن خلاله حناجر كثيرة ، ويسكب فيه الكثير من الحبر كما ترفع فيه العديد من التمنيات والآمال والطموحات .

فالفنان ليس مجرّد رقم أو محطّة عابرة وإنّما هو تجسيد روحيّ وإبداعي لمظاهر الوجود وإرث الأمم والحضارات ، والفنان في الجزائر ما يزال مناضلا في الصفوف الأمامية كما في الثورة ، ساعيا نحو تحقيق الأهداف والغايات ووضع لمسة فارقة كلّ في مجاله وبحسب مواهبه وتعدّد ميولاته .

وفي العيد الوطني للفنان تكريس للقناعات ، ورفع لسقف التوقعات مع موجة الإبداع والمبدعين ، هؤلاء الذين يحملوننا على الحلم ، وعلى ملامسة الجمال والبعد الإنسانيّ ، مربّين داخلنا الأمل ، هذا الأمل الذي يتجدّد ويولد تباعا من خزّان الآلام ، لكنّ الفنان يبقى دوما وأبدا محور التحوّلات والتغيرات الجذرية ، وصمّام أمان للهوية الجزائرية .

في عيد الفنان لابدّ من الإشادة بجميع التضحيات المبذولة على أكثر من صعيد ، تحقيقا لثنائية الجمال والإبداع ، ولابدّ من تظافر جميع المجهودات دحضا للرداءة ، وإنّها لمناسبة سامقة في الاعتداد بمن سبقونا ، باذلين الجهد والعرق والتضحيات الجسام خدمة للفن ورفعا لراية الوطن داخله وخارجه ، وإنها لمناسبة عتيدة للترحّم على شهيد الفن ” علي معاشي” وعلى قافلة أرواح جميع الفنانين الذين أفنوا أعمارهم في سبيل الحرية والعيش الكريم ، وإنها لمناسبة هامّة لإضاءة جميع الشموع عرفانا وتقديرا لكل المبدعين بمختلف مشاربهم وتوجّهاتهم ، ما دام الفن جامعا للعطاء ومنارة للإبداع  ، وكل عام وكل فنانينا ومبدعينا في ألق وجمال .

    ليتمّ بعدها مباشرة رفع الستار عن العرض المسرحي الموسوم بـ: الموعد .كون ، من إنتاجات مسرح سيدي بلعباس ، نص  ” غرازيب سيد أحمد” وتصميم عرض ” دين الهناني محمد ” ، العرض الذي تقاسم أدوارة ثلة من فنانينا المبدعين ” سعاد جناتي” ، ” بوسهلة هشام ” ، ” أمين بوترفاس ” و” أحمد سهلي ” ، هذا العرض الذي حصد مؤخرا ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف على مستوى الجزائر العاصمة جائزتي أحسن أداء نسوي التي عادت للفنانة المتألقة      ” جناتي سعاد” ، وجائزة لجنة التحكيم .

   الموعد .كون الذي طرح عديد الأسئلة والكثير من الاستفهامات الكونية والوجودية ، ذات العلاقة الوطيدة بالإنسان ومصيره ورغباته وعلاقاته ، العرض الذي جمع بين ثنائية التراجيديا والكوميديا طبعه الأداء المميز لفريق العمل من الممثلين الذين قدموا لوحات فنية وإبداعية ، وعالجوا من خلال العرض العديد من القضايا لعلّ في مقدّمتها الفنان ووضعه وراهنه وتضحياته ، والإشكاليات المتعلقة بالتناقضات ما بين الـتأليف والإخراج ضمن خطّ المنظومة المسرحية ، ناهيك عن قضايا شائكة تجمع ما بين الجمالية والعقلانية والتمرّد ، ليبقى الموعد .كون محاطا بكثير من علامات الاستفهام وسط هذا الوجود الصاخب والمضطرب .

أما محطة التكريم المبرمجة لتلكم الأمسية السامقة ، فقد شهدت تجاوبا منقطع النظير لمبدع من العيار الثقيل ، تمثيلا ، كتابة ، إخراجا وترجمة ،  والمسرح الجهوي سيدي بلعباس ووفاء للذاكرة المسرحية والفنية التي تركت بصمتها شاخصة، ولها باع في حقل الفن الرابع سعى من خلال ذلك لإستنطاق الذاكرة الجمعية أمام الأجيال الشغوفة حاملة شعلة الابداع الحي والصادق  ، حتى نكون  جسرا ممتدا بين جيل مضى وما يزال نابضا بابداعاته وجيل مستقبلي لابد أن يعي أن المسرح شغف وإبداع ومسؤولية ….

فكان هذا المبدع ” حبيب محمد ” الذي لم تسعفه ظروفه الصحية للسفر والقدوم ، فناب عنه الابن الأصغر ” زكرياء ” الذي كان محاطا بأصدقاء الوالد من الفرقة الفنية لــ ” كاتب ياسين ” ، وقد شهد التكريم تقديم شهادات حية ومباشرة لتكون رسائل للمبدع ” حبيب محمد ” من جيله ومن جيل الشباب ، فقد كان المبدع مربيا ، كريما ، شغوفا ومجنونا بالمسرح ، ولم يبخل ولا لحظة في مدّ يد العون لكل من احتاج دعمه ، هو أول من تسلّم مفاتيح المسرح رفقة ” كاتب ياسين” لفتحه والإنفتاح على سلسلة من الإبداعات والإنجازات ، وعلى كثير من التجارب والشباب الذي يشق طريقه في عالم الفن الرابع .

فالمبدع في أي مجال كان يبقى منارة وشمعة مضيئة ، لن ينطفئ فتيلها مهما كانت الظروف ، وإذا ما تعلّق الأمر بمبدعي المسرح ممّن لهم بصمة وأثر شاخص خلال مسيرة ثريّة لابدّ أن تتوّحد شتى المجهودات لنكون من يحمل شموع هذا المبدع أو ذاك في حياته قبيل مغادرته الوجود ، فالأمم تقاس بوفائها لمبدعيها والحضارات تبنى على أساس الاحتفاء بإنجازاتهم التي تركت بصمة وما تزال .

والعرفان وإضاءة زوايا الفنان المسرحي وهو على قيد الوجود يعدّ خطوة مثمرة نحو الالتفاف حول المبدعين ، ومنحهم جرعة   من الأمل والعطاء في شقّه المعنويّ بالدرجة الأولى ،  تقديرا لمكانة المبدع واحتفاء بجهود مثمرة بذلها خدمة للمسرح والإبداع والجمال والإنسانية .

فكان المبدع والفنان القدير ” محمد حبيّب ” أحد المكرّمين في أمسية مائزة وسط حضور الأصدقاء وجموع الفنانين ، تجدر الإشارة إلى أن الفنان ” حبيب محمد” من مواليد 01 من شهر جويلية سنة  1951 ، مسقط رأسه مدينة  قمار بوادي سوف  ، هته المدينة التي تــُحــْبل على مرّ السنوات بأسماء لامعة في شتى الميادين ، الفنان كاتب مسرحيّ ، ممثل ومخرج  ، كان من أوائل الملتحقين بالفنان ” كاتب ياسين” سنة 1978 بالمسرح الجهوي سيدي بلعباس ، معروف بشغفه وصدقه ، وتشبّعه بزخم مواهبه في حقل الكتابة والترجمة والإخراج ، هو أحد طلبة الشيخ العلامة ” محمد الطاهر تليلي ” ، معروف بغزارة أحلامه ، وإتّقاد شعلة شبابه رغم مرور السنون ،  وذائقته الفنيّة والجمالية التي يراها في كلّ عمل أو بصمة من بصماته .

وللمبدع ” حبيّب محمد ” رصيد من الأعمال المسرحية هو الممثل ، الكاتب ، المخرج والمترجم .

فقد ترجم لرفيقه  وصديقه ،  الكاتب الجزائري  “كاتب ياسين”  عديد الأعمال المسرحية نذكر منها :

آمال أو رسالة الملك للكاتب الهندي “طاغور”  إخراج ” أحمد  خشعي” وهي أول  مساهمة احترافية من  إنتاج المسرح الوطني عام 1966  ، النملة والفيل للمخرج و الكاتب  ” قدور نعيمي”  سنة 1969 إنتاج مسرح البحر ، حيث قام فيها الفنان بدور المنشد ومساعدا في الإخراج.

هذا ، وقد ترجم مقاطعا من الكتاب المقدس لصالح مسرحية ” فلسطين مخدوعة”  لـ “كاتب ياسين”  سنة1973 ، ديوان الحاصلين تأليفا وإخراجا مشتركا مع المطرب الشعبي ” محمد زربوط” في إطار تنشيط C.N.la D بحاسي الرمل .

بالإضافة إلى محاكمة ليكيلوس  اقتباس لــ ” برتولد برخت ”  إخراج ” حميدة شلالي”  لصالح المركز الثقافي بالجزائر العاصمة سنة 1978 ، ذراعي وحقي تأليف وإخراج جماعي لفرقة الرحالة 1979 ، صندوق العجب تأليفا وإخراجا لصالح فرقة دبزة سنة1981.

بطل ولا بطال تأليفا و إخراجا ، من إنتاج المسرح الجهوري بسيدي بلعباس سنة 1983 ، حوار مر تأليفا و إخراجا ، من إنتاج المسرح الجهوي بسيدي بلعباس سنة 1987  ، غبرة الفهامة  ترجمة لـ ” كاتب ياسين ” ، من  إنتاج المسرح الجهوي بسيدي بلعباس سنة 1988.

ناهيك عن ، زرداب إخراجا من تأليف ” بوبكر مخوخ” ،  إنتاج المسرح الجهوي بسيدي بلعباس سنة 1989 ، طرب يدور تأليفا من  إنتاج مسرح الصرخة بسكيكدة 2002 ، صيد عجيب  وهو نص عربي فرنسي من نوع مسرح الظل1991 ،  إنتاج المركز البيداغوجي الفرنسي سيدي بلعباس ،  أعاد له الإخراج ” مجهري لحبيب ” بالمسرح الجهوي بسعيدة سنة 2012.

وفي رصيد الفنان والمبدع ” حبيّب محمد ”  أعمال أخرى أدبية و شعرية باللغتين العربية و الفرنسية  لعلّ أهمّها :

ديوان شعري بالفرنسية ” تحويل القلق  /  « Transfert d’angoisse من تقديم    ” يوسف سبتي”  سنة 1968 ، ديوان شعر ” ماء و طين /  «  Eau et Glaise سنة 1971.

أطفال غزة قصيدة مطولة ترجمها الأديب الفلسطيني ”  حسين أبو النجا “صدرت في المجاهد الثقافي يوم 5 -10 – 1972.

إنّ رصيدا حافلا كهذا ، لفنان ومبدع استثنائي ، تظل خشبات المسارح وفيّة له ، عطرة بمداد  حبره ونبض عطائه ،     ويبقى الإبداع شجرة سامقة ، عميقة الجذور ، والمسرح لغة إنسانية وكونية  تسمو وتعلو فوق كل شائبة ، احتواء للجمال ودحضا للقبح والرداءة .

 

 

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.