“روميو وجولييت ينهضان”: هل كان شكسبير مخطئاً؟

لا شك أنَّ الجميع سبقَ له وسمع بتراجيديا الحبّ الرائعة والمُحزنة في آن معاً، “روميو وجولييت”؛ وبهذين العاشقين اللّذين اختارا الموت سويّة على أن يعيش كلُّ واحدٍ منهما بمفرده. لقد أرادَ شكسبير (1564 – 1616) في تراجيديته أن يكون الموت نهاية كلّ شيء، بما في ذلك الحبّ، وكأنه يقول لنا إنَّ الألم والحبَّ يولدان من الرحم نفسه. 

لكن اليوم، بعد مضي أربعمائة عام، يبدو أنَّ شكسبير كان مخطئاً: فجولييت وروميو سيخبراننا قصّةً أخرى. إذ ماذا سيحدث لو لم يمتْ كلُّ منهما، واستيقظا بعد خمسين عاماً وهما لا يزالان يعتقدان أنّهما شابان مغرمان؟ ماذا لو كان شكسبير مخطئاً، والسمُّ لم يؤثّر فيهما؟ ماذا لو لم يكن الموت نهاية كل شيء؟

على هذه الأسئلة تجيبُ الرؤية الجديدة التي يقدِّمها الكاتب النمساوي إيبرهارد بيتشينكا (1953) لتراجيديا “روميو وجولييت” الشكسبيرية، في نصّه المسرحي الجديد “روميو وجولييت ينهضان”، الذي بدأت عروضه على خشبة “المسرح الإسباني” بمدريد، في الخامس عشر من الجاري، وتتواصل حتى الرابع من حزيران/ يونيو.

تبدأ المسرحية مع طقوس نهوض البطلين بعد خمسين سنة من موتهما

تبدأ المسرحية مع طقوس نهوض البطلين بعد خمسة عقود من موتهما. يستيقظ عاشقا فيرونا بعد نومٍ طويل، لكنّهما لا يتعرّفان على بعضهما. جوليت (التي تلعب دورها الممثلة الإسبانية آنا بيلن) لا ترى سوى رجلٍ يبلغ من العمر ثمانين عاماً؛ وروميو (الذي يلّعب دوره الإسباني خوسيه لويس غوميث) يرى أمام عينيه سيدة جميلة تجاوزت الستّين. يظن البطلان أنهما لا يزالان مراهقين. وفي أثناء ذلك، تعتقد جوليت أنّها لم تنم سوى لحظاتٍ قليلة، منتظرةً بفارغ الصبر حبيبها الأبدي. أمّا روميو، فيبدو لنا أنّه لا يتذكّر أي شيء. هكذا، على خلاف ما كنا نعتقد أنّه نهاية مأساوية، تبدأ القصّة الحقيقية لأشهر عاشقين في العالم.

على مدى ساعة وأربعين دقيقة، سيتعيّن على جوليت أن تعترف بأنّها لم تعد شابة في السادسة عشرة من عمرها؛ أمَّا روميو، فسيكون تحدّيه من نوعٍ آخر: محاولة تذكّر هويته، مَن هو، ومِن أين أتى.

بمزيجٍ من شعور فرحٍ ناجمٍ عن حقيقة أنّهما تمكنا من أن يكونا معاً، وحزن مرير لأنهما لم يتمكّنا من أن يعيشا حياتهما السابقة مع بعضهما، يحاول بطلا العمل الإجابة على أسئلة من نوع: كيف وصلا إلى هنا؟ وما الذي يوحّدهما حتى الآن؟ ومن أجل ذلك، لن تخلو المسرحية من المغامرات، والمبارزات، وأحوال الحبّ، والغناء، والرقص. حتى السمّ سيكون حاضراً مرّةً أخرى، ولكن هذه المرة كي يثبت أبطال العمل لخالقهما الأساسي، شكسبير، أنّ الموت لا يعني نهاية كلّ شيء.

ما الذي يمنع كبار السن اجتماعياً من التعبير عن مشاعر حبهم؟

تشكّل موسيقى المسرحية عنصراً حيّاً على طول العمل، وربما تعمّد مخرج النص، رافائيل سانشيز، ذلك، حيث تؤدّي دوراً إرشادياً في العرض، إذ تتنوّع بين الأنغام الكلاسيكية، والألحان الصوفية، وبعض موسيقى الجاز التي ترافق الحدث المسرحي.

لا شك أن عمل “روميو وجوليت ينهضان” هو تأويل جديد يطرح على النص الشكسبيري وعلى المُشاهد أسئلة جديدة: هل الحبّ حِكْرٌ على الشباب وحدهم؟ ما الذي يمنع كبار السن اجتماعياً من التعبير عن مشاعر حبهم؟

“نعم، الحبُّ ممكنٌ حتى عندما يصبح المرء شيخاً. فالحبُّ معجزة لا تُوصَف. إنه انعكاس ضوء في المرآة، هنا تحديداً تبدأ برؤية ما يحدث، وتفهم تماماً معنى تلك المشاعر الشديدة. إنه الحياة، إنه الضوء، إنه كل شيء”. مع هذه الجملة سيُسدَل الستار على روميو وهو يقترح على المشاهد تفسيراً جديداً لنص شكسبير.

 

مدريد

العربي الجديد

https://www.alaraby.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني