رحيل سعدون العبيدي آخر عمالقة المسرح العراقي

 

 

رحيل سعدون العبيدي آخر عمالقة المسرح العراقي

     المسيرة الفنية الطويلة لسعدون العبيدي تجاوزت ستة عقود تألق خلالها في مجال الكتابة والاخراج والتمثيل والادارة والمسرح، إضافة الى ممارسته الفن التشكيلي من نحت وسيراميك ورسم وديكور.

برحيل الفنان القدير الأستاذ سعدون العبيدي في الرابع من يناير/كانون الثاني 2022، فقد المسرح العراقي آخر عمالقته الأفذاذ الذين رسموا مساراته الإبداعية المتنوعة بحرص وتفان وثبات ومهنية ومبدئية عالية، ليشكل هذا الرحيل خسارة فادحة لا يمكن تعويضها على الإطلاق، لما اتسمت به تجاربه الإبداعية من مغايرة وبناء جمالي جديد شكلاً ومضموناً.

     لقد عرف الراحل سعدون العبيدي منذ نعومة أظافره بموهبته المتميزة التي أهلته ليكون واحداً من أبرز رواد المسرح العراقي، لما حققه وقدمه من عطاءات مسرحية متنوعة جعلت منه فناناً شاملاً بكل معنى الكلمة، منذ دراسته في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1950، لإيمانه بضرورة صقل موهبته بالدراسة الأكاديمية التي شكلت انطلاقته الأصيلة نحو المسرح.

حيث تتلمذ على أيادي أساتذة منهم: حقي الشبلي وإبراهيم جلال وجاسم العبودي وجعفر السعدي، وقد برزت هذه الموهبة منذ أول عمل مسرحي أنجزه أثناء دراسته في المعهد، وكان بعنوان (القلب بلا قلب) للكاتب جون باتريك وقد أحدث ضجة كبيرة – حينها – لأنه نقل وعكس التقنيات الحديثة فيها.

المتصفح لسفره الإبداعي يلحظ التنوع في مسيرته الفنية الطويلة التي جاوزت أكثر من ستة عقود، بصفته كاتباً ومخرجاً وممثلاً وإدارياً وإنساناً مثقفاً ورائداً مسرحياً أصيلاً، اضافة الى ممارسته الفن التشكيلي من نحت وسيراميك ورسم وديكور، وهي من الأمور التي – ربما – يندر وجودها لدى الفنانين الآخرين.

فعلى صعيد التأليف المسرحي أصدر أول مجموعة مسرحية مبكراً عام 1957 وهو بعمر الأربعة والعشرين ربيعاً، وتضمنت ستة نصوص: انطلاق، بيت المرضى، جسر العدو، أكلة البشر، طبول الانتصار، إنه سيعيش.

بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة (1957 – 1958) واصل نزوعه الى استكمال دراسته الأكاديمية، في معهد (جيلد هول) في العاصمة البريطانية لندن عام 1962، وتحققت له حينها فرصة التمثيل في مسارح لندن ولعب أدواراً تلفزيونية وسينمائية، فنال العضوية في جمعية الممثلين في لندن عام 1965 إثر تزكية وتوصية من الفنان والمخرج البريطاني الكبير بيتر بروك.

العبيدي كان مثابراً وناشطاً ودؤوباً إندمج بالمسرح قلباً وقلباً، فقبل دراسته في لندن أسس عام 1962 فرقة (مسرح بغداد) ليترأسها، ويتولى سكرتاريتها الفنان الراحل جعفر علي، وضمت الكثير من الفنانين ومنهم: طه سالم، وداد سالم، أحمد فياض المفرجي، عادل كاظم، فاروق فياض، وكان مقرها في عمارة مرجان، وقدمت أعمالاً مسرحية وتلفزيونية عدة، لكنها انقسمت بعد سفره الى فرقتين: إحداهما (مسرح اليوم) والأخرى فرقة (اتحاد الفنانين).

وعند عودته من بريطانيا قام بتأسيس فرقة (مسرح الرسالة) عام 1972 وكان مقرها في إحدى غرف منتدى المسرح الكائن في شارع الرشيد، كما عمل رئيساً للشعبة المسرحية في نقابة الفنانين..

قام الراحل بتدريس مادة التمثيل والإخراج في معهد الفنون الجميلة، وامتد تأثيره وفعله الابداعي الى الكويت حين قام بالتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1970 الى جانب نخبة من اساتذة المسرح والتمثيل المصريين بينهم زكي طليمات، فضلاً عن عمله مديراً فنياً لفرقة المسرح الكويتي وأخرج لها عدداً من المسرحيات.

تم اعتماده، فيما بعد، مخرجاً في (الفرقة القومية للتمثيل) التي كتب وأخرج لها مجموعة من المسرحيات المتنوعة الموجهة للكبار والصغار بينها: رزاق أفندي، ابن ماجد، رائحة المسك، الأفق، آي. بي . سي، الدوامة، زهرة الأقحوان، علاء الدين والمصباح السحري، المزيفون، كوميديا قديمة، سيدة الاهوار، نور والساحر، الأميرة والنرجس، الكرة السحرية).

 وعندما انتدب للعمل في فرقة البصرة للتمثيل أخرج لها مسرحيات: الشاهد والشهيد والتجربة، الفرحة والحسرة في أخبار البصرة، حب على الثرثار، وفيها عبر العبيدي عن رؤيته الإخراجية وأسلوبه الذي يتميز بجمالية التكوين المسرحي الذي يدخل فكر وقلب المتلقي، حيث عرف بحسن اختياره لإخراج نصوص هادفة بمستوى عال من المهنية والإبداع.

وفي الوقت الذي كانت للعبيدي ريادة في التأليف المسرحي الأصيل لمسرح الطفل فقد كان من بين الاوائل في كتابة واخراج الأعمال المونودرامية بينها: مذكرات ميم، ولن أقلع أسنان أبي، وماري، وكان من أبرز من اعتمد مفهوم (المخرج المؤلف) فهو يكتب ويخرج نصه بنفسه، وأغلب النصوص التي أخرجها كانت محلية من تأليفه أو لمؤلفين عراقيين آخرين كمعاذ يوسف وعزيز عبد الصاحب وغيرهم.

العبيدي مارس أيضاً كتابة عدد من التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية وعرف ممثلاً بارزاً في الإذاعة والتلفزيون والسينما لاسيما في تمثيلية (المكحلة) ومسلسلات: الجرح، وحكايات المدن الثلاث، ودائماً نحب، وفي الأفلام السينمائية: أوراق الخريف، تحت سماء واحدة، في ليلة سفر، الملك غازي.

 كما صدرت له أربعة نصوص مسرحية عن دار الشؤون الثقافية عام 1988 ومسرحية (نور والساحر) عن دار ثقافة الأطفال عام 1990، فضلاً عن إقامته كَالري للرسم بجوار فندق الشيراتون ومعارض للرسم في نادي العلوية وفي الكويت ولندن.

 وفي مجال النحت قام بنحت شخصية الكاتب الشهير (برنادشو) بالإضافة الى إنجازه أعمالاً عدة في فن السيراميك جسدت الوجه الآخر لمواهبه المتنوعة وهوايته المفضلة.

وكان آخر مهمة تولاها الفنان القدير سعدون العبيدي مديراً عاماً لدائرة السينما والمسرح، بعد التغيير الحاسم في ربيع عام 2003، متوجاً مسيرته الإبداعية بتمظهراتها المتنوعة، التي مازالت راسخة في ذاكرة الأجيال الفنية داخل وخارج العراق، وبرحيله انطوت آخر صفحة لعمالقة المسرح العراقي الأفذاذ.

عبد العليم البناء – العراق

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش