ربيع مسرحي مغربي يستحق الإحتفاء – ياسين عدنان #المغرب

قبل أسابيع قليلة سافر أخي طه إلى روما ليحضُر عرضين لمسرحيته “باي باي جيلو”. العرضُ إيطاليٌّ طبعًا… فالمخرجة إيلينا من جنوة وجيلو أو سيموني من روما والنص منشور بالإيطالية لهذا العمل المونودرامي الذي سبق أن تُرْجِم إلى الإنجليزية والفرنسية، وجرى تقديمه على خشبة المسرح بالهولندية، حيث كان جيلو فلامانيا بعينين زرقاوين وشعر أشقر، بعدما تعرّفنا عليه فلسطينيًّا في عرض “مسرح الحارة” ومغربيًّا حينما تقمّص دورَهُ عبد الجبار خمران على خشبات باريسية وجمال كنو بإخراج الدكتور إبراهيم الهنائي هنا في المغرب.

قبل أيام، حضرتُ في بروكسل عرضًا كوريغرافيًّا للفنان المراكشي توفيق إيزيديو. كانت هناك راقصتان، فرنسية وكونغولية، إلى جانب توفيق وراقص مراكشي شاب. كوريغرافيا شعبية تدافع عن حقّ البُدَناء في الرقص وعن ديمقراطية الرقص المعاصر الذي يتيح للجميع أن يرقصوا بغضّ النظر عن السن والحجم والرشاقة. وأنا كنتُ فخورًا وأنا أحضر عرضًا لفنّان مغربي، من تأليفه وإنجازه، على خشبة المسرح الوطني ببروكسل. أربعة عروض خلال أربعة أيام متتالية، في أحد أهم مسارح عاصمة الاتحاد الأوروبي، وأمام جمهور بلجيكي غفير كان يملأ القاعة الكبرى خلال العروض الأربعة.

قبل سفري إلى بلجيكا تواصَلْتُ مع الصديق محمد الحر. كان مدعوًّا إلى قرطاج ولا يجد الدعم لكي يسافر إلى هناك. بثَّني الحر هواجسه بألم، وأنا تفهّمْتُ ضيقه وحيرته. إذ لم يجد وزير الرياضة والشباب والثقافة مَنْ يشرح له أن مجرد برمجة عرض مغربي في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج مكسبٌ في حدّ ذاته. لم يجد مَنْ يشرح له أنهم يُبدِّدون أموالا طائلة على مشاركات منتخباتنا في كرة القدم كما في غيرها من الرياضات وكثيرا ما تأتي النتائج مخيّبة للآمال. فلماذا نتعامل بكرمٍ مع الرياضيين ونُقتّر على فنّاني هذا البلد، مع أن سفارة الفنان أعمق وأكثر نفاذا؟

سافرتُ ولم أتابع الموضوع. لكن محمد الحر أصرّ على حقّه في المشاركة. طرق أكثر من باب، قبل أن يؤمِّن الحدّ الأدنى من الضمانات ويسافر. وكانت الحصيلةُ إنجازًا جديدًا للمسرح المغربي. فقد فاز بجائزة أحسن إخراج لمهرجان قرطاج في دورته الـحادية والعشرين. هكذا التحقَتْ مسرحيتُه “سماء أخرى” بالأعمال المضيئة التي صنعت الربيع الذي يعيشُهُ مسرَحُنا المغربي في السنوات الأخيرة.

مهرجان المسرح العربي على الأبواب. ففي العاشر من يناير المقبل ستنطلق فعاليات دورته الثانية عشرة في عمان. ومرة أخرى ستخوض المنافسة فرقتان مغربيتان بعملين مسرحيين: مسرحية “النمس” التي أعدَّها عبد الإله بنهدار عن روايتي “هوت ماروك” من إخراج أمين نسور، و”قاعة الانتظار” لأيوب أبو نصر. طبعًا صار يُحْسَب للمشاركة المغربية ألف حساب في مهرجان الهيئة العربية للمسرح، منذ أن انتزعت أسماء هوري الجائزة الكبرى بمسرحية “خريف” في دورة وهران 2016، وعادت نفس الجائزة إلى المسرح المغربي للسنة الثانية على التوالي من خلال محمد الحر عن مسرحية “صولو” في دورة تونس 2017.

لنتّفق على أنه بات لدينا ربيع مسرحي أكيد يستحق أن نحتفي به، أن نثمِّنه، أن نعرف كيف نستثمره، وكيف نراهن عليه في الثقافة والسياسة والدبلوماسية الثقافية، بل وفي توفير مناصب شغل لأبناء هذا البلد. ولعل التجاء دولة الإمارات إلى المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط واستقطاب العشرات من خِرِّيجيه لتدريس المسرح في المؤسسات التعليمية بالإمارات لدليلٌ واضحٌ على أن سمعة المسرح المغربي يمكنها أن تجلب فرص شغل للمغاربة من أبناء هذا الميدان.
هناك ربيع مسرحي مزهر أيها الأصدقاء، ومن المؤسف أن العيون التي استَوْطنها اليباس لا تريد أن تراه.

ياسين عدنان –

كاتب وشاعر واعلامي من  المغرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …