ذاكرة جواد الأسدي

يستحق المثقّف المسرحي د. جواد الأسدي بكل جدارة إبداعية أن يلقي رسالة اليوم العربي للمسرح في نسخته السادسة عشرة 2023 في يناير، مع انطلاق الدورة 13 من مهرجان المسرح العربي في الدار البيضاء. وقد اختارت الهيئة العربية للمسرح صاحب «مقهى بوحمدة» لإلقاء الكلمة المسرحية التي عرفها المثقفون العرب منذ 2008 ضمن تقليد سنوي منتظم يحتفي بالثقافة المسرحية العربية ورموزها الفاعلة.

أحسنت الهيئة العربية للمسرح في الشارقة في اختيار د. الأسدي لإلقاء الكلمة، فالرجل وحده يكاد يشكل ظاهرة مسرحية متمكّنة من عناصر هويتها الإبداعية منذ أن بدأ مسرحياً شاباً في أوّل عرض له «الليلة نلعب» على خشبة أكاديمية الفنون في بغداد وكان عرض تخرّجه في الأكاديمية عام 1972، وظل صاحب «المسرح جنّتي» يلعب على الخشبة منذ ذلك الشباب البغدادي الأول وحتى اليوم وهو في السبعين من عمره مزدهراً مرة ثانية بشباب مسرحي لا يشيب.

وراء ديمومة حيوية الأسدي طيلة هذه السنوات روح مسرحية متجدّدة دائماً، ثم قدرته الاستثنائية على الجمع المبدع بين الكتابة للمسرح والإخراج. أولاً الكتابة للمسرح بقلم شعري فكري فلسفي مثقف، وثانياً، الإخراج بشخصية مستقلة على خشبته التي يصنعها أولاً بما يسميه «البروڤة»، لا بل وضع الأسدي كتاباً متخصصاً في البروڤة المسرحية، سمّاه: «جماليات البروڤة» التي يعتبرها جزءاً أساسياً من العرض حتى لو سبقته على الخشبة.

جواد الأسدي يُخفي في داخله شاعراً يمكّنه دائماً من توجيه جسد الممثل إلى أن يكون هذا الجسد طاقة بشرية ناريّة، إن أمكن القول، على الخشبة، ولذا، فهو حين يكتب نصّاً مسرحياً يضع في حسبانه جسد الممثل، ويضع في حسبانه أيضاً ذلك الشاعر المتواري في داخله. نلاحظ ذلك في قائمة مسرحية للأسدي تقترب من الثلاثين عنواناً تشكل معاً شخصية مسرحية عربية عمرها نحو نصف قرن من الزمن الثقافي العربي عرفنا خلاله ظواهر مسرحية عديدة من أبرزها شخصية الأسدي.
عاش جواد الأسدي في الإمارات في أوائل ثمانينات القرن العشرين، وفي الشارقة أخرج مسرحية «مقهى بوحمدة» التي أنتجها آنذاك مسرح الشارقة الوطني، وقد أطلقت تلك المسرحية عدداً من الأسماء المسرحية الإماراتية التي وقفت على الخشبة قبل نحو أربعين عاماً برؤية إخراجية قوامها أولاً ثقافة الأسدي ومفهومه المبكر للعرض وعناصره ومكوّناته.
تجربة «مقهى بوحمدة» للأسدي مع مسرح الشارقة الوطني فتحت أفقاً جديداً للكثير من المسرحيين الإماراتيين الشباب، آنذاك، باتجاه مغامرات أو لنقل محاولات التجريب والخروج من الرؤى الكلاسيكية الضيّقة للمسرح.
اختيار الأسدي لإلقاء رسالة اليوم العربي للمسرح هو تكريم لتجربة الرجل الذي يقول إن المسرح هو جَنّته، والاختيار يعيدنا أيضاً إلى وجوه مسرحية عربية ماثلة بكل وفاء وعرفان عند المسرحيين الإماراتيين عملت في هذه البيئة الثقافية المتجددة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، ولها في المكان ذاكرة وتاريخ.
yabolouz@gmail.com

يوسف أبو لوز

https://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش