أخبار عاجلة

دورة الورشات التكوينية الفنية ” فصل الإحتراف” الندوة الفكرية “الاحتراف في مسرح سعيدة… تجارب للتأمل والاستدراك…”- بقلم : عباسية مدوني –الجـزائـر

في ظل فعاليات الورشة التكوينية الفنية ” فصل الاحتراف ” التي تمّ تنظيمها من طرف  تعاونية فنّ المسرح من الجزائر العاصمة وبالتنسيق مع المسرح الجهوي ” صيراط بومدين ” سعيدة ، تمّ التأثيث لندوة فكرية في محور ”  الاحتراف في مسرح سعيدة تجارب للتأمل والاستدراك… أضاء محطّاتها وأثرى أبعادها كوكبة من الأساتذة والدكاترة من جامعة سعيدة ذوي اختصاصات متعدّدة ذات العلاقة الوثيقة بأبي الفنون ، ومن بينهم الأكاديمي والممارس والمخضرم الذي يجمع ما بين الممارسة وما بين الشق الأكاديمي في محاولة الوقوف عند الخطوط الرفيعة التي تفصل ما بين الإحتراف وما بين الهواية ، والسعي الحثيث لرفع اللبس عن جملة من المصطلحات وإسقاطاتها في الحقل المسرحي ناهيك عن محاولاتهم الجادّة في رصد أهمّ الإشكاليات التي ما تزال تؤرق حاملي الهمّ المسرحي بكل دلالاته وجمالياته ، بكل   ما يحمله من شغف وجنون وأفكار عميقة من شأنها رصّ قواعد متينة لبُعد مسرحي واعد ورؤية ناقدة واضحة مع التركيز على الممارسة المسرحية التي تعدّ بوّابة الرقي بأبي الفنون في الساحة المسرحية الجزائرية بكلّ رهاناتها وآفاقها.

فالمسرح يسعى دائما إلى كسر حاجز التباعد بين البشر في اختلافاتهم الفكرية والمفاهيمية بحيث يمهد لتجربة عالم الشخص الآخر،  وفي الوقت ذاته اختبار النفس في إطار العالم الذي تعيش فيه بالاشتغال على الناحيتين العاطفية والفكرية، وبذلك يرتبط المسرح بالإنسانية في معناها الشامل ،  بالتركيز على حرية الإبداع .

من ذلكم المنطلق يعتبر المسرح منذ نشأته بكونه قوّة بارزة في صناعة الوعي العام وتبني كل الاستراتيجيات العامة للفعل الوجودي على كل مستويات المدينة وعلى مختلف الأصعدة بها، لأنّه كان دائم الارتباط بأفكار الناس العميقة أكثر من أي شيء آخر،  فيما يتصل بطبيعة البشر وحاجاتهم المتعدّدة مادية كانت أو غير ذلك، فهو بخلاف بقية الفنون قاطبة يركز بقوّة على الإنسان، عن وجوده وعلاقته بالحياة من خلال دراسة الطبيعة البشرية وعلاقتها بالمحيط الذي توجد فيه، فمن هنا ندرك أنّ العناصر الأساسية للمسرح والدراما توجد في كل مجتمع، لذلك جاءت مبادرة “فصل الاحتراف” أو لنقل “ما مفهوم الاحتراف في ممارسة فن المسرح؟”، وذلك ضمن سياق معرفي يحدّد ما للمسرح وما عليه من إنجازات تطورا أو انحصارا.

فرفع الستار عن الندوة الفكرية من منطلق السؤال الشامل الباحث عن  رؤية نقدية وكذا شهادات لتجربة ذاتية، ولإثارة مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالممارسة المسرحية بمنطقة سعيدة، على اعتبار أن هذا الفضاء يزخر بعديد الأسماء والتجارب التي أثرت الساحة المسرحية الجزائرية ، متّكئين على سؤالين محوريين وهما :

الرهان والآفاق المتعلّقة بالمسرح بسعيدة من حيث الدور الاستثماري والوظيفي؟

      ما الكيفية المثلى لترقية الحركة المسرحية  بسعيدة، بحيث تستجيب للتطلّعات الجديدة والمتجدّدة   للمسرح الجزائري؟

الندوة الفكرية “الاحتراف في مسرح سعيدة تجارب للتأمل والاستدراك… ترأّسها شرفيا الأستاذ ” أمحمد عقيدي” مدير المسرح الجهوي صيراط بومدين سعيدة، وكان منسّقها الرسمي الأستاذ ” بوبكر سكيني ” وهو ناقد وإعلامي ، وصاحب ا شهادات معادلة من جامعات فرنسية في تخصصات علوم الاتصال والثقافة.

كما له تجربة في التعليم العالي بمجال الإعلام والصحافة، وقد أشرف على عديد المجلات والإصدارات ، وسلسلة من البرامج التلفزيونية بالمؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، وله عضوية في عديد اللّجان التي تعنى بالمسرح تنظيما واستشارة، وأيضا مشاركات في المهرجانات والملتقيات الثقافية الوطنية والدولية محاضرا ومنظما.

الندوة الفكرية التي أثراها كوكبة من الأساتذة والدكاترة وهم كل من الدكتور” بوعلام مباركي ”  الدكتور ” وردي إبراهيم ”  الدكتور ” مولاي أحمد” والدكتور” برزوق مذكور” مع شهادات حية لفنان وممثل مسرحي من الرعيل الأول من أبناء سعيدة ممّن صنعوا مجد الحركة المسرحية بسعيدة الفنان والممثل  ” دحماني عبد القادر” المعروف فنيا بـ” واطـو”  ، سعى كل منهم إلى طرح رؤيته وبعده الفني والأكاديمي والميداني من منطلق عديد التساؤلات الجوهرية التي رأوها إلزامية الطرح في حركية المسرح بالجزائر إذا ما أردنا مواصلة المشوار والتألق والرقي بالحركة المسرحية الجزائرية بكل توجهاتها تمثيلا ،سينوغرافيا ، موسيقيا ،  إخراجا ، كتابة ، تكوينا ونقدا بنّاءً وهادفا .

وقد جاء على لسان وبقلم الأستاذ الناقد والإعلامي ” بوبكر سكيني” تعقيبا ووقوفا عند تفاصيل كل مداخلة أثرت الندوة على الشكل الآتي :

الدكتور بوعلام مباركي (أستاذ بقسم الفنون بجامعة سعيدة)  الذي سلّم بأنه لا يمكننا الكلام أو الكتابة عن المسرح في الجزائر دون التعرض لحركة مسرح الهواة، فهذا الأخير لعب دورا كبيرا في تطور وانتشار هذا الفن سواء كان ذلك جغرافيا أو اهتماما، هذا ما يذكره الأستاذ عبد المالك بن خلاف في أحد محاضراته… في حين ركزّ الدكتور بوعلام مباركي في تدخله حول تحديد المفهوم بين المصطلحين، مصطلح الاحتراف والهواية، معتبرا أنّ الضبط هذا ساده الغموض في مسار المسرح الجزائري، مستخلصا أن المحترف الذي يمارس ضمن المؤسسات الرسمية، والهواية تعني كل ممارسة مسرحية ينخرط فيها بشكل مجاني في أحياني كثيرة، مستدلا في ذلك بالمسار التاريخي لهذه الممارسة ومعتبرا أن مؤشر المهرجانات ومساهمته في التوثيق لمسرح الهواة ورصد مستوياتها الفنية والجمالية، وكنموذج مدينة سعيدة التي تعدّ قبلة للفن الدرامي انطلاقا من شهادة “عبد القادر علولة”…

هذا وعرض مجمل العوامل والأسباب المعيقة في نموه وتطوره، مع الإشارة إلى أنّ العروض والنصوص لمسرح الهواة شهدت لحظات تعثر في فخ الردود الفعلية العنيفة والقاسية إزاء التزمت والجمود الذي كان يعيق انطلاقها وتطوّرها، ومع ذلك يبقى مسرح الهواة عتبة الممارسة المسرحية المحترفة وهو حقيقة فنية يعكس أمجاد المسرح الجزائري، إذ وجب تطعيمه بالتكوين المستمر بعيدا عن المناساباتية.

   في حين  الدكتور وردي براهيم (أستاذ بقسم اللغة الفرنسية بجامعة سعيدة) ، استهلّ مداخلته بأن ازدهار المسرح في الجزائر لن يتحقق إلاّ بالاشتغال على تصدير منتوجنا الثقافي بعيدا عن النفعية المباشرة ، مع التركيز على إثراء الرصيد الثقافي العالمي بالقضايا الملتزمة، موضحا أنّ تجربة الجزائر في هذا النمط من المسرح تعود إلى مرحلة بناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال ومسرح الهواة كان مساهما في ذلك بقدر وافر ، مقدما شهادة عن مهرجان مستغانم للهواة الذي كان يعدّ خزانا للاحتراف سواء في المشهد المسرحي أو السينمائي، موضّحا في الآن ذاته  أن البعد النفعي في المسرح ليس بالضرورة من يحدد التباعد بين مسرح الهواة والمحترف، فالمسرح يسعى دائما إلى كسر حاجز التباعد بين البشر في اختلافاتهم الفكرية والمفاهمية، وأنه ثمّة تغير في الأدوار بين المتدخلين في مختلف عناصر العرض المسرحي سواء كان نصا دراميا أو إخراجا مسرحيا أو تشكيلا مكانيا، دون مراعاة أهمية الجمهور في العملية، فإن تمّ الفصل في ذلك سنجد الإجابة الوافية لتحديد أهمية كل واحد في المشهد المسرحي، داعيا إلى تكثيف الاهتمام بالمسرح من قبل السلطات العمومية على اعتبار أن سعيدة تعيش أمواجا متتالية من الممثلين والمخرجين والكتاب لكن ما ينقص سوى إتاحة الفرصة لموجة الشباب.

أمّا الدكتور أحمد مولاي (أستاذ بقسم الفنون بجامعة سعيدة) الذي أتت مداخلته من اجتهاد شخصي ركّز من خلالها على قضية الاحتراف في الممارسة المسرحية ، أين رأى أن ضبط الممارسة المحترفة يكون من حيث المفردة حيث أن المتواضع في المهنية تتحدد في اتخاذ الفرد الحرفة في الكسب، ويرى أن سمات الاحترافية هي التي تجعل توسيم الممارسة بالاحتراف، والكفاءة والمهارة هي من تجعل الصورة العامة واضحة وغيابها من يشوش ذلك، موسعا تساؤلاته حول الكتابة المسرحية وعن تصنيفها في أية خانة ؟ داعيا إلى أن يتوجب على الممارس للفن أن يوسّع  نشاطه إلى نشاط آخر نظرا لسبب التفرغ الذي لا يحقق الكسب الضروري، وموضحا أن عنصر التفرغ والارتزاق ضروري لممارسة الاحتراف، وبذلك لا يمكن الحديث عن تحقيق المهارة ، مستخلصا أن واقع السياسة لم يضع الميكانزمات  الضرورية لذلك، وعلى خلق آليات التمويل الذاتي لتحرير المبدع من التبعية.

في الوقت الذي صرّح فيه  الدكتور مذكور برزوق (أستاذ بقسم الفنون بجامعة سعيدة) بأنه لم يجد الكثير في الحديث عن الممارسة الاحترافية في مسرح سعيدة، سوى شهادات شخصية انطلاقا من سنوات التحاقه بفرقة مسرحية خلال ارتباطه أول مرة بعشق المسرح وهو في فترة مراهقته  ، ومواصلا لمسيرته أين عيّن مكلّفا بتسيير المسرح الجهوي لسعيدة، مستدلا أن اللحظة كانت مدعاة لتكوين رجال الخفاء من تقنيين وآليين عند انطلاق نشاط المسرح على اعتبار أن التكوين الجواري مهم في عملية الاحتراف وفعالية المؤسسة المسرحية.

كما رأى  أن جودة العمل المسرحي –حسبه- يساهم بها الجميع دون استثناء ، داعيا إلى أنّ الحاجة ملحة إلى اختراق المنافسات الكبرى في مجال المسرح على اعتبار أن منطقة سعيدة تزخر بأسماء مهمة وجب استغلالها، وبالمقابل تبدو الحاجة ملحة إلى خلق مزيد من مؤسسات التكوين المسرحي ذات الطابع المتعدّد، وخلق بكالوريا مسرح، وإلى مراجعة من حيث خلق تخصصات لها علاقة بعلم المسرح والمشهد المسرحي عامّة .

     وقد أجمعت بذلك جميع مداخلات الندوة الفكرية على نقطة أساس تتمثّل في مدى أهمية التكوين المسرحي ، وضرورة طرح الأسئلة الجادّة والضرورية التي من شأنها السموّ بأبي الفنون ودفع قاطرة توجهّه الإبداعي والفني والجماليّ ، بخاصة وأن مدينة سعيدة وضواحيها كعيّنة من خزّان الإبداع المسرحي الجزائري تزخر بطاقات خامّ ومواهب صاعدة لابدّ من الاستثمار فيها .

أمّا في باب الشهادات الحيّة للفاعلين في الحقل والمشهد المسرحي بسعيدة والجزائر بشكل عامّ ، رصدت الندوة الفكرية شهادات حيّة للفنان والممثل ” دحماني عبد القادر “المعروف فنيّا بـ ” واطو“، إذ في ضوء تصريحاته  كشف عن اللحظة والدعوة إلى إيلاء الأهمية القصوى للتكوين الفني والتوجه إلى الجمهور، وقد أثار عديد النقط المهمة والجوهرية من حيث اختلاف المفهوم بين الاحتراف والهواية وفق الأداء الصادق والالتزام بتقديم الصورة المشرفة للممارسة المسرحية، مشيرا إلى أن سنوات السبعينات قد أنشئت إثنتي عشرة ( 12)  فرقة مسرحية، وهذا الكمّ من الفرق جاء مدعاة لبعث مسرح جهوي بسعيدة بهدف إيلاء الأهمية لهذه الفرق الناشئة، وقد أكّد في ختام تصريحاته على ضرورة  تكثيف الجهد والعمل المتواصل بين مختلف الفاعلين في المشهد المسرحي بالمنطقة للنهوض به وتحقيق معادلة الفن والإمتاع.

وقد أتى في ختام هته الندوة دوما على لسان وبقلم منسقها الناقد والإعلامي ” بوبكر سكيني” بأنّه غالبا ما أعتبر المسرح منذ نشأته بكونه قوّة بارزة في صناعة الوعي العام وتبني كل الاستراتيجيات العامة للفعل الوجودي على كل مستويات المدينة، وعلى مختلف الأصعدة بها، مستنتجا أنّ  مسرح الاحتراف لا يصنع لوحده ذلك ولا الهواة الكفيل بذلك، فالتسميات تختلف أبستمولوجيا لكنها تجتمع فعليا على جوهر المسرح “الفعل” في تحقيق الفرجة، وهو دائم الارتباط بأفكار الناس العميقة أكثر من أي شيء آخر، فهو بخلاف بقية الفنون قاطبة يركز بقوّة على الإنسان .

صفوة القول ، أن هته الندوة الفكرية بالتوازي مع دورة الورشات التكوينية الفنية ” فصل الإحتراف ” تأتي لتؤكد على أهمية التكوين الفني المسرحي ، ورفع الملابسات وإذابة الحواجز ما بين الممارس والأكاديمي ، ناهيك عن نفض الغبار عن أزمة المصطلحات والمفاهيم والخطوط الرفيعة جدا ما بين الإحتراف والهواة ، ليبقى الهدف الأسمى تظافر الجهود من أجل فعل مسرحي وإبداعيّ واعد بتوجهات جادّة وجديدة وصريحة وهادفة .

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.