حميد سمبيج لا يمثل.. إنه يَصْدقُ فقط – محمد ولد محمد سالم

 

حميد سمبيج لا يمثل.. إنه يَصْدقُ فقط

محمد ولد محمد سالم

 

توفي منذ أيام واحد من أعز أصدقائي في المسرح الإماراتي هو حميد سمبيج الذي تعرفت عليه منذ بداية متابعتي الصحفية للمسرح الإماراتي، وتوثقت صلتي به أثناء سفراتي مع “فرقة مسرح الشارقة الوطني” التي تعرض فيها مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في بعض الدول الأوروبية، فقد كان بالطيبة التي جبله الله عليها ودودا بشوشا يدخل القلب دون استئذان، وتطمئن إليه النفس وتجد راحة في صحبته، وكان صاحب نكتة خفيفة وروح فرحة، لا تفارق الابتسامة محياه.

تكريما لروحه الطيبة أعيد هنا نشر خاطرة كتبتها عنه عندما كرّم بلقب شخصية المهرجان في الدورة السابعة والعشرين من “مهرجان أيام الشارقة المسرحية”.

 

 

كانت معركة صغيرة بين إرادات طفولية صغيرة.. مجرد مجموعة من المراهقين الذين لا يزالون يختبرون الحياة في عدة اتجاهات.. لكنها كانت البداية الفعلية للطريق.. لدرب صناعة فنانين كبار.. أعطوا المسرح الإماراتي الكثير.. في ذلك اليوم فكر حميد سمبيج وإبراهيم سالم وثلة رفقائهم في فريق الرملة لكرة القدم أن يعدوا مسرحية، لكنّ أغلب أعضاء الفريق الذين كانت تستهويهم كرة القدم، ويعطونها جل اهتمامهم عارضوا الفكرة، فلم يكونوا يرون للمسرح تلك الأهمية التي لكرة القدم، وحدث خلاف شديد، عمد خلاله هواة المسرح إلى اختطاف كاسات الفريق التي ترمز لنصره، وخبأوها ليضغطوا بذلك على المعارضين، وحسمت المواجهة بانشقاق أنصار المسرح، وتنفيذهم لعزمهم بإعداد مسرحية وعرضها.. وكانت الانطلاقةَ التي وضعت حميد سمبيج وإبراهيم سالم وآخرين بشكل نهائي على طريق المسرح.

لم تكن تلك هي البداية.. فقد كان حميد سمبيج تعرف على المسرح أيام المدرسة الابتدائية عن طريق مؤطرين مسرحيين، كان من بينهم الفنان الكبير لطفي لبيب والمسيري أبو العباس، الذين غرسوا في طلابهم حب المسرح في تلك السنوات المبكرة من طفولتهم، وذهبوا تاركين للبراعم أن تنمو وحدها، وبمحض إرادتها، وأن تكافح لكي يتجذر المسرح في الإمارات.. وفي هذه الفترة كان هناك الكثير من أولئك البراعم الموهوبين المحبين للمسرح، الذين تعرف عليهم سمبيج، وشاركهم بعض المسرحيات المدرسية، ويذكر منهم سمو الشيخ سلطان بن محمد بن القاسمي ولي عهد الشارقة، الذي مثل معه في مسرحية كان سموه يمثل فيها دور الخليفة أبي جعفر المنصور، وكان حميد سمبيج يمثل دور المتهم المطارد.

حسنا فعل أولئك المعارضون من الفريق الذين حرضوا حميد سمبيج على الاندفاع في المسرح، وعلى اكتشاف أن كيمياءه لم تكن بالضرورة كيمياء لاعب كرة قدم، فبنيته الجسدية لا تنبئ عن طاقة على السرعة في الجري، وقوة على المراوغة والمدافعة، لكنها كانت كيمياء لاعب مسرح، يمتلك موهبة التقمص عبر الصوت والحركة والإيماء والانفعالات.. ربما أرهقته كرة القدم، واكشتف بعد شوط فيها أنه لا يصلح لها ولا تصلح له.. لذلك غير الاتجاه، وكان الشجار هو المحرضَ، وميزة الإنسان الطموح أنه لا يتوقف عند أول عثرة، لكنه يحول طريقه ليتجنب تلك العثرة مرة أخرى، وليأخذ في طريق سالك.

إنه طَموح، لذلك ارتقى سريعا في درجات الخشبة.. فشارك في تلك السن المبكرة من أيام الإعدادية في مهرجان لشباب المسرح العربي أقيم في السعودية، حيث كان ممثلا في مسرحية “الطريق إلى القدس” لمسرح الشباب في دبي، ثم في المهرجان الأول للشباب الخليجي الذي أقيم في الكويت، من خلال مسرحية “صحوة المشلول” التي ألفها عبد المنعم عواد وأخرجها يحي الحاج، ثم كانت الدراسة الأكاديمية للمسرح في مصر والكويت، والتخصص النهائي في المسرح الذي رسخ مواهبه واحترافه الفني.. وكانت تلك اللائحة الطويلة من الأعمال المسرحية والدرامية..

حميد سمبيج لا يمثل.. إنه فقط يصدق في مشاعره، تحسه قريبا ودودا مصغيا بشكل جيد، وكما يتعامل مع أصدقائه وزملائه في الواقع كذلك يتعامل مع شخصياته التي يمثلها.. يقترب منها، ويصغي لها، ويحبها حتى ولو كانت شريرة، لأنه يريد أن يمثلها بحق، ومفتاحه لتمثيلها هو الصدق في حبها، ولن يضره ذلك بشيء، فهي في النهاية ليست سوى شخصيات من ورق، وهي أيضا تمثل جانبا من ضعفنا الذي يثير الشفقة.. إنه يمتلك مفتاح النجاح.. إنه يمتلك الصدق.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …