ترفيه فني جــــاد – د.باسمة يونس

د.باسمة يونس

بعد أن تغيّر مفهوم الترفيه منطلقاً من فكرة مشتتة، وبعد استيلاء عالم التلفزيون وشاشات السينما وتطبيقات التواصل الحاشدة ببعض الدراما والكوميديا، ​​على جيل شاب نشأ وسط ثقافة رقمية مشوشة المعايير، بات من الضروري إعادة تعريف معنى الترفيه من المؤسسات الثقافية القادرة على ذلك.

ولأن المسرح بما يطرحه من قضايا مجتمعية عبر قصة درامية بقوالب فنية تشبع الحاجة الإنسانية للمعرفة، وتمتعه بها، ولأنه لا يمكن استبدال تجربة المسرح بأي شيء يتم عرضه بشكل ثلاثي الأبعادن أو بشكل تفاعلي، ولكونه المكبّر الحي الذي يرينا المجتمع تحت مجهر، فهو التعريف المثالي لمحتوى الترفيه الثقافي الهادف.

وحيث إن المسرح مؤسسة مزروعة ولها جذور عميقة في قلب الشارقة عاصمة الثقافة وظاهرة مختلفة شكلاً ومضموناً وعملاً فنياً تقوم تجربته على إتاحة الفرص لالتقاء الفرق للإضاءة على المشكلات المجتمعية ومحاولة إيجاد حلول لها، مازال المسرح هنا، وبالنسبة إلى رواده ومتذوقيه هو المرآة الكبرى التي تمكننا من رؤية أنفسنا كما يجب، وتظهر لنا ما لا نراه في الواقع، ونتابع منه ما يحدث في حياتنا، ويسهم في التأثير الثقافي الأكبر فينا، وفي مسارات حياتنا وقبولنا للتغيير والاحتفاء بالإنسانية ومعاني التعايش والسلام.

وجميعنا نحب المسرح بشكل خاص، لأنه يحفزنا على طرح الأسئلة عن حياتنا، ويشجعنا على إعطاء القوة للحقيقة، ويذكّرنا دائماً أننا لسنا وحدنا، فالتواجد الكامل والحي والمنسجم بين الكتاب والممثلين وصناع المسرح والجماهير يؤثر بعمق في الروح البشرية، ويساعدنا على رؤية الحياة بمنظور مختلف عن منظورنا في مزيج يجمع ما بين الإنسانية والفن وعلم النفس، والدوافع، والصراعات وتعزيز الخطاب الاجتماعي والحوار والتغيير الاجتماعي المحتمل.

ولا يقتصر المسرح على مشاركة الحكاية والفن والتجربة مع الفنانين، بل تزداد أهمية الاحتفال السنوي به لعدة أيام مع الجمهور والتواصل البشري للاستمتاع بتجربة مميزة وفريدة من نوعها لا يمكن تكرارها أبداً.

إن أهمية المسرح في العصر الرقمي لم تتغير، فما زالت المسرحية هي الشيء الذي نحتاج إليه في ظل تكاثر وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام والعروض المختلفة، وبمواجهة تحديات غير مسبوقة في مجتمع سريع التطور. ورغم ما أنتجته التقنيات الإلكترونية والرقمية من الوسائط، بدءاً من الأفلام ثلاثية الأبعاد وحتى مقاطع الفيديو، حافظت أيام الشارقة المسرحية على تقديرها للمسرح، منطلقة من الاهتمام القيادي به ليظل على صدارة الترفيه في بيئة تنافسية غير استهلاكية، تدرك مهمته المجتمعية وتبعده عن التحول إلى مجرد منتجات يمكن شراؤها واستهلاكها والتخلص منها.

إن أيام الشارقة المسرحية كانت منذ بداياتها رؤية ملهمة لمعنى المسرح واعتباره مستقبلاً، ولا تزال إلى اليوم الرؤية الأكثر إلهاماً لمسرح المستقبل الذي يشارك جمهوره بنشاط ويتنقل بينه، ويصنع فِرقاً جديدة، ويجذب الكتاب المسرحيين المتميزين والممثلين والمخرجين المبدعين، وكل من لهم علاقة بفنه العميق، للتنافس في بيئة خصبة، تعيد تعريف الترفيه من جودة التجربة المسرحية في الإمارات.

basema.younes@gmail.com

 

https://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش