بقايا صور … علي عليان

إذا كنت في المغرب فلا تستغرب …

جملة تراها على مسطح ماء المحيط الاطلسي يوميا… يوميا هنا في البيضاء: صباحا يجتمع حرف على حرف بتشفير غامض فتسرق اللحظة من الزمن ويتوقف حين تتنقل في ثلاث مساحات، من ندوات فكرية وحوارات وقراءات، وأحيانا مساجلات شرسة يجمعها ثلاث معادلات: الفروسية والحب وعمق السجال…
في الساعة الثالثة عصرا، وقبل ان يغمض جفنك من تعب الحكايات والروايات، تنطلق الى الغزو وتذهب الى تشفير الحياة : المسارح …
ثلاثة عروض في ثلاثة مسارح:
ـ مسرح محمد زفزاف، ولنا معه حكاية قديمة.
ـ مسرح مولاي رشيد.
ـ مسرح محمد السادس.
بين الانتقال الى هذه المسارح لمتابعة آخر ما توصل اليه خيال المسرحي، ترى أن كل الحروف جاهزة ما بين تحرش بالأدمغة وبين افتتان يمرس أدمغتنا كجندي منضبط في حرب لا هوادة فيها، ونستمتع ونذهب الى الاختلاف، اختلاف في الرؤى والقناعات وتناقضاتها…
بقايا صور …
عبيدو باشا لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، رغم محاولاتنا بإقناعه دون جدوى! ولا يقتنع إلا من نعمة بدوي!
محمد الروبي تنتفخ أوداجه، ويرمق عينيك بنظرة، فتفهم المعنى دون ان يتحدث… “مش عاجبه” وشعاره لست قاضيا بل شريك  …
يوسف الحمدان يرغي ويزبد ويعطي تأوهات طويلة “آه أو أيييي”، معبّرا عن إعجابه، قبل أن يقول “ثمة اشتغالات عظيمة ” جميل …!
قليلة هي الأغاني، كثيرة هي المعاني حتى يزول ملح الغضب …!
في الرأس اشتعال بين تجلي الذات وقدرتها على تمرين العقل لتسمع الصوت من وقع  الصدى …!
بدماثة عبدالستار ناجي، صاحب فريمات السينما، تشعر معه بأن بذور البنفسج تستنشق الأوكسجين ، فتنتعش …!
فتاح الديوري لا تهدأ ابتسامته، حتى وهو غاضب، فلا تدري هل هو يناقش؟ أم يغوص في جاذبية المجهول ويتصور معك “سيلفي” فتنطق داعيا بالستر، سينشر الصورة ويقول: أنا مع سامح مهران …!
جبار جودي يعود من ورشته السينوغرافية منهكا، يلاهث على وقع الأغاني، شاهرا مقصّه لتقليم النهار ذهابا الى تمييز الوقت من الزمن!
طه رشيد يتحدث الفرنسية بطلاقة شديدة، لكنّه يزهو بين الجمع المسرحي منتعش يفرح كحالم باحث عن مجاز القصيدة ويتغنى برفقة جواد الأسدي، ولا يفترق الا عند لحظة النعاس الليلي الثقيل! ألفة ومحبة…
سعيد سلامة لا يشعر أنه في هذيان الليل، يجيء ويذهب بشغف العارف الى ورشة التكوين الواقعة بين اسطورة ثنايا الجسد وبين صدق وتمرس المحاولة، ولا يكل ولا يمل ولا يدير الكشرة العربية، بل ترى المحيا واقفًا كظل النخلة!
أنا يا صديقي أسير مع الوهم أدري… تيسير العمر واقف تحت الخيمة!
ناصر آل علي لا تراه جالسا حتى مع صحن الطعام، أبدا لا تقف بينه وبين الآخر مشكلة، لا وقت محددا للنوم ابدا، لا ينام ساعة، أنى تذهب تراه… لا تسمع صوتا لا ترى إلا ابتسامة… ضحكة في الهواء على لوحة بيضاء يجمع الحروف حرفًا حرفًا، على صوت الماء!
دفء الربيع!
أيقونة تعشق الورق… أوراق الكتب من أوراق الشجر …
يوسف عايدابي، أن تأتيك البلاغة بصوتها الحنون على لسانه النابع من القلب، عيدابي الواقف بين أرفف الكتب يمسح الكتاب ويضعه على الرف بحنو كأنه طفل صغير، الحروف القلقة أمامك فخُذها من حيادها واذهب بها الى قارعة المعنى …
راهب بين النثر والشعر والمسرح.
ذاهب الى ملكوت القمر واكتمال الفراغ وصولا الى الذاكرة بأرض ذات زرع…
العيدابي نبض للحكايات، لؤلؤ احمر يلوح من بعيد، جاعلا المستحيل ممكنًا وكثيفًا الى حد خففان القلب…
نتحرر من خشية الزمن ونذهب الى المسارح…
نقاوم التعب والنعاس والجدال ونستمر …
نستمر الى ما لا نهاية…

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر