اليوم الثاني من المؤتمر الفكري في الدار البيضاء: أربع تجارب في الإخراج د. عبد اللطيف ندير

يتابع مهرجان المسرح العربي أعمال مؤتمراته الفكرية في الدار البيضاء يوميا بمعدل جلستين في كل اليوم، وذلك بالوقوف عند أهم التجارب المسرحية المغربية ومساءلة مسارهم الفني في جو من التفاعل مع ضيوف المهرجان وبحضور نقاد وباحثين كثيرين، مما يجعل لهذه الدورة قوتها الرمزية وحضورها الوازن ونقاشها التفاعلي وإشعاعها الإيجابي. وجاءت المؤتمرات الفكرية هامة بندوات نقدية دسمة، فتحت النقاش مع جمهور أعاد للبعد النقدي حيويته.
بمشاركة تجربة المخرجتين أسماء هوري ونعيمة زيطان، التأمت الندوة الأولى، وكانت من تسيير الأستاذة الزهرة إبراهيم، المسائل الأستاذ عصام اليوسفي، والمحوصلة الأستاذة أمل بنويس.

أسماء هوري

تعد المخرجة أسماء هوري من بين المخرجات المتميزات اللواتي تألقن داخل المشهد المسرحي العربي بإبداعها المتميز وتجربتها المفتوحة على كل الحدود، لها خصوصيتها في صناعة العرض بمواصفات فنية وتقنية، اشتغلت على الجسد كخامة وشحنة تفاعلية دالة، فحملت عروضها للجمهور متعة وجمالا. اشتغلت هوري على واقعية الأفكار في انسيابية مشتركة للموسيقة كخلفية أساسية للتناغم مع بوح الجسد بتعابير قد تختزل الكلام كما كان في العرض الأخير “الزمان”.
وكانت المخرجة أسماء هوري قد ولجت المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1989 بعد حصولها على شهادة الباكالوريا، وبعد الدراسة لمدة أربع سنوات والتخرج من المعهد توظفتْ أستاذة للتعليم الفني، لكن عملها هذا لم يستمر، مما جعلها تتخلى عن الوظيفة وتهاجر من المغرب لمدة 13 سنة، إيمانا منها بمتابعة دراستها الجامعية بجامعة ستوكهولم، وهذا ما فسح لها المجال للاحتكاك بمجموعة من التجارب المسرحية الغربية.
عند عودتها الى المغرب قدمت أسماء هوري مع فرقة “أنفاس” عددا من الأعمال المسرحية: الرابعة وثمان وأربعون ذهان، أنتا هو، دموع بالكحل، شتاء، ميزان الماء فوق الخشبة، خريف، جحيم، المدينة لي، الزمان…
تتأسس طريقة الاشتغال الفني والتقني عند هوري على سلطة الحكي بتناول مواضيع حساسة وآنية مع توظيف الجسد توظيفا تعبيريا بليغا، والتعامل مع النص تعاملا مشروطا بالحكي ووفق مراحل إنجازية، فبعد قراءته يبدأ اشتغالها بكتابة نص ركحي ثان مواز ينبني على صور ولوحات مشهدية تزاوج بين الفعل والحركة، والكلمة والمعنى في بناء جمالي مفعم بالرمز والإيحاءات الركحية.

نعيمة زيطان

تعتبر تجربة المخرجة نعيمة زيطان من أهم التجارب المسرحية المبنية على أبعاد حقوقية تدافع عن كل مكونات المجتمع ومن أهمها قضايا المرأة والناس، فللفنانة المسرحية مسؤولية المساهمة في التنمية والتوعية والتحسيس، فهي تعبر بقناعة عن أفكار وهواجس وإخفاقات المجتمع، وتطرح أسئلة عالقة نابعة من حقائقنا وواقعنا وبيئتنا، مدافعة بشكل فني ورمزي عن الحقوق والحريات ومناهضة للعنف.
زيطان خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1994، عملت على تأسيس فرقة “مسرح الأكواريوم”، كإطار للاشتغال والبحث، بمعية مجموعة زميلاتها وأصدقائها الذين درسوا معها في هذا المعهد. فقدمت مجموعة من الاعمال التي مقتحمة بكل جرأة كل الحدود والقيود للبوح بصوت عال مكسرة بذلك كل التابوهات الاجتماعية.
في الثماني سنوات الأولى من الاشتغال، لم يكن طموحها يتعدى إخراج عمل مسرحي في السنة، ومحاولة إيجاد السبل لترويجه، غير أنه في سنة 2008 انفتحت على منظمات للاشتغال معها كمستشارة لأكثر من أربع سنوات، وهي الصندوق العالمي للنساء Glubal Fund For Women حيث استفادت منه فرقتها “الأكواريوم” بدعم كبير، أعطى شحنة قوية للاشتغال في ظروف جيدة كفرقة لها مسرحها الخاص تلتزم بقضايا الحياة وقضايا الوطن والانسان.
الإخراج من منظورها “هو تناغم كل هذه العناصر وغيرها لتحقيق فرجة تحترم المشاهد.. لا شيء عفوياً أو مجانياً فوق الخشبة، لكل حركة أو كلمة أو إكسسوار مبرّراته”.
قدمت المخرجة نعيمة زيطان مع مسرح الاكواريوم مجموعة من الأعمال المسرحية ذات مواضيع اجتماعية انتقادية جريئة كالإرث، أو زواج الطفلات، أو الدعارة نذكر منها: القناع، أحمر + ازرق = بنفسجي، التلفة، طرز الحساب، ديالي، the best of، طرز لحساب…

بوسلهام الضعيف

الندوة الثانية التي أدارها الأستاذ لحسن قناني انصبت على تجربتي بوسلهام الضعيف ومحمد الحر، المسائل: ابراهيم الهنائي، المحوصل: الحسين أوعسري.
تناول المخرج والمعد الدراماتورجي بوسلهام الضعيف في مداخلته التي حملت عنوان “المسرح ورشة مفتوحة” تأطيرا نظريا للجانب التقني للإخراج المسرحي، وهو بذلك ينقسم إنجاز العرض المسرحي إلى مرحلتين: مرحلة البناء (التداريب) ومرحلة العرض (التقديم).
ويتوخى من مرحلة الإعداد خلق الجو العام، ويرى أنه لا وجود لقراءة الطاولة، وليس هناك شيء جاهز ومكتمل كل هذا يساعد الممثل على العطاء. ويعمل على خلق مؤثرات خارجية وداخلية تحفز الممثل على الإبداع وتجعله في حالة استعداد بدني وذهني وتخييلي لولوج العوالم التي يسعى للدخول إليها.
بعد ذلك، تأتي مرحلة البحث التي هي امتداد للمرحلة الأولى، وفيها يتم الاشتغال على مواقف ووضعيات داخل النص المسرحي المقترح، من أجل اكتشاف الذات، وضبط للحساسيات المختلفة، ومحاربة التوترات النفسية والجسدية الذاتية والجماعية.
أما مرحلة التثبيت (fixation) فهي تجميع للخلاصات الإبداعية التي أثمرتها عطاءات فريق العمل والوقوف عليها ودمجها في مواقف وذوات الشخصيات.
لتأتي في النهاية مرحلة التطوير والإتقان (perfection): وهي المرحلة التي يصبح فيها التكرار (répétition) وتطوير مهارات الأداء بوعي تقني، ثم بوعي التلقائية.
ويوضح بوسلهام الضعيف أن البروفة في المسرح جد صعبة، الملسوعون بالمسرح هم القادرون على التمتع بزمن البروفة، القابضون على حرقة جمال وشغف المسرح، هم المتمتعون بلحظات التدريب، لحظات القلق، الغضب، العياء، الملل، الفرحة، الاستكشاف، اللذة، المتعة، الفراغ.
من أهم الأعمال المسرحية التي قدمها بوسلهام الضعيف التي أغلبها معد من جنس الرواية نذكر: مسك الليل، النورس…


في المداخلة التي حملت عنوان “رهانات السـرد تجربة مسرح أكون”، أوضح المؤلف والمعد الدرامي والمخرج المسرحي محمد الحر أنه من بين المسرحيين الذين يعتمدون في عروضهم على سلطة الحكي والسرد كوعاء فكري ومنظور تقني ووعاء جمالي، في بناء عوالم المنجز المسرحي، فجل الانتاجات السابقة كانت تعلن عن نفسها على لسان الراوي، مثلما كان في مسرحية “ترياحين” أو في مسرحية “مومو بوضرسة” وبعدها في مسرحية “صولو”.
في هذه السياقات، جاء تأسيس مسرح أكون ليكون رد فعل عملي، وقد كان الهدف من ورائه هو البحث في فضاء العتبات بين مسرح، وهو في الوقت ذاته يكتسي طابع الشعبي دون أن يسقط في الشعبوية ويفرط في التسطيح والاستسهال، وتجريبي دون أن يغرق في النخبوية ويفرط في التعقيد والغموض. هو مسرح قادر على أن يخاطب الجميع، وقادر على خلق المتعة الحسية والجمالية والفكرية، فهو مسرح يخاطب مغرب اليوم.
يتناول مسرح أكون مقاربات حديثة في الاشتغال المسرحي، من خلال عدد من الإنتاجات التي تعنى بالثقافة الشعبية المغربية، وتستثمر في الوقت ذاته في مستجدات المنجز الفني الغربي المعاصر؛ مع استبطان أجناس إبداعية مختلفة، وذلك باستنطاق الحكاية والمتون الجمالية للثقافة الشعبية خاصة فن الحلقة وفن العيطة في “مومو بوضرسة” و”الباشا حمو” و”العلوة”.
غير أنه تبقى المسرحيتان الأخيرتان “سماء أخرى” و”حدائق الأسرار” من بين الاعمال المتميزة والرائدة التي استأثرت باهتمام المسرح العربي، لأنهما تطرحان قضايا يتأجج فيها الصراع إلى أعلى مداه لتكون سلطة البوح فيهما صرخة قوية ومدوية، وقد لعب فيهما الممثلان أدوارا يتطور فيهما الصراع بشكل تدريجي الى أن يصل حد الانفجار. وقد فازت هاتان المسرحيتان بكثير من الجوائز داخل المغرب، كما نالت جوائز مختلفة في العديد من المهرجانات العربية.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

This will close in 5 seconds