المونودراما والديودراما في المسرح العربي ظاهرتان كرستهما الضرورة

تنوعت الأشكال المسرحية التي تأثر بها المسرح العربي من المسرح الإغريقي مرورا بشكسبير إلى بريشت والمسرح الملحمي وصولا إلى المونودراما والديودراما اللذين باتا الميزة الأولى للمسرح العربي اليوم، وإن كان الكثيرون يرون فيهما ظاهرتين مفيدتين للمسرح فإن آخرين يعتبرونهما ليستا بالبراءة الفنية المطلقة وإنما هما نتيجة ظروف اقتصادية بالأساس.

مسقط – يرى المتابع للواقع المسرحي عموما أن ثمة رؤى وأفكارا تعزز واقعه، وتجعله أكثر قابيلة للتفاعل مع بيئته وعلى الابتكار، فالمتابع لظواهره يجد ذلك التنوع في الطرح، بدءا من مناقشة الفكرة وصولا إلى الفرجة المسرحية، مما يوجد تنوعا مغايرا غير ذلك الذي اعتاد عليه الجمهور العام.

هنا تتشكل مجموعة من التساؤلات بما فيها الكيفية التي يرى فيها المسرحي، المسرحية المتعددة الشخصيات والمسرحية التي تعتمد ثنائية الشخصيتين (الديودراما) وأيهما أكثر جذبا للمتلقي؟ وأين تمكن الصعوبات فيها؟ وإلى ماذا يعود السبب في تفضيل النص أو العرض الثنائي لدى المخرجين؟

قدرات الممثل

في هذا السياق يقول المسرحي العراقي شاكر عبدالعظيم إن الفن المسرحي ينطلق من مجموعة مخططات ذات قيمة فكرية وفنية وأهمها الشخصية التي تُعد من أهم مرتكزات الفعالية المسرحية في النص المسرحي، فإذا كان المسرح الإغريقي قائما على ثلاث شخصيات بعد أن أضاف سوفوملس، الشخصية الثالثة، فإن هذه الشخصيات تحيط بها الجوقة تمثل المراحل الغنائية والسردية للأحداث التي لا تنفذ على الخشبة، واستمر الحال مع الرومان وتقلص في العصور الوسطى وعادت المسرحية بشكل آخر لدى شكسبير في مسرحياته.

ويضيف “هكذا استمرت مع الواقعية والرومانسية إلى أن ظهرت مناهج ومدارس، مسرحية بفضلها ظهرت المونودراما القائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق الحوار، والديودراما، ومما لا شك فيه أن هنالك عوامل معاصرة أثرت في تراجع المسرحية متعددة الشخصيات، ومنها الجانب الاقتصادي وسرعة الزمن والحياة التي نعيشها وبدورها أدت إلى اختصار زمن الفرجة المسرحية واختزلت الفكرة المسرحية في شخصية واحدة أو شخصيتين، وبالرغم من كل ذلك فإن العرض أو النص المسرحي سواء كان من شخصية واحدة أو أكثر فإن الفعالية المسرحية هنا تقوم على الإبداع والجمال، والحضور المسرحي لأي جهد مسرحي سيكون مكفولا بالتراجع”.

ويوضّح أن المسرح شأنه شأن الكثير من المناحي الحياتية يؤثر ويتأثر، إلا أن الديودراما قد حققت حضورا لافتا في المسرح العالمي والعربي لاسيما مسرحيات الكاتب العالمي سلافومير مروجيك والعالمي هارولد بنتر، والعربي توفيق فياض والعراقي قاسم محمد وغيرهم، ويبقى فن الديودراما متلاحما مع روح العصر التي لا تتواءم مع المسرحيات الطويلة متعددة الشخصيات، فـالديودراما تلتقي مع سرعة الحياة الراهنة.

مسرح يعتمد على ممثلين يقومان بالأدوار على الخشبة ويتحاوران بإيجاد صراع إنساني يدفع الممثل إلى إخراج كل طاقاته

ولا تبتعد كثيرا الممثلة العُمانية علياء البلوشي وهي تعلق على التساؤلات المتشكلة حول هذا الأمر فهي تشير إلى ظهور مسرح الثنائيات في هذه الفترة فقد أوجد للضرورة الملحة لعمل مهرجانات مختلفة في جميع دول العالم، ويُعرف هذا النوع من الفن أنه مسرح معتمد على ممثلين اثنين فقط، يقومان بالأدوار على الخشبة ويتحاوران بإيجاد صراع إنساني في مجمله يخرج الممثل كل ما عنده من أحاسيس ومشاعر وصراعات داخلية كأنه ممثل واحد يحادث الممثل الآخر، وهذان الشخصان يدخلان في حوار متواصل عبر مشاهد العرض وكأنها مبارزة بين طرفين يجمعهما موضوع واحد، وكل ممثل يقول فيها وجهة نظره.

وتضيف “لا بد من الاعتماد الكلي والمطلق على قوة الممثلين في هذا النوع من العروض، لأن ذلك من أسباب نجاح العرض المسرحي، حيث تكون الشخصيتان في صراع طوال العرض مع التحولات النفسية والدرامية والتصاعد في الأحداث، وفي ردات الفعل أيضا، من خلال حركة الجسد والأداء والصوت، ويعتمد نجاح العرض بشكل كبير على قدرتهما معا على تجسيد الشخصيتين وما يعتريهما من تحولات نفسية ناجمة عن التصاعد الدرامي، وما يتبع ذلك من أوضاع حركية وصوتية، وعندما يفشل أحد الممثلين في مجاراة الآخر ينزل مستوى العرض ويتسبب في فشله”.

وفي ما يتعلق بالعروض المتعددة الشخصيات أو ثنائية الشخصية وأيهما أكثر جذبا للمتلقي، والصعوبات فيها والسبب في تفضيل النص أو العرض الثنائي لدى المخرجين، تشير علياء البلوشية “جاءت الحاجة إلى هذا النوع من العروض المسرحية لتقليل تكلفة الإنتاج في العروض المسرحية بالاعتماد على ممثلين فقط والعمل عليهم لإبراز أفضل ما لديهم، وأنا أرى شخصيا بأن هذا التركيز يبرز الممثل ويجعله أكثر ثقة في العروض”.

وتضيف البلوشي “أظن أننا بحاجة إلى مثل هذه العروض لإبراز الممثل بالشكل الأمثل والعمل عليه في الأدوار النفسية المعقدة ومحاولة إبراز الصراع في العروض والتي تتناسب مع شخصيتين متناقضتين، أو حالة نفسية وأخرى وكأنهم شخص واحد، التصاعد الدرامي يوجد نوعا من الموسيقى الشجية والتي لا يفهمها سوى عشاق الخشبة السمراء، ذلك التصاعد والعقدة التي تتناغم مع حالة الانفراج النهائية، مهما كانت النهاية، ولكنها ستكون مرضية للجمهور المتعطش، وكممثلة أكاديمية أعشق العروض المنفردة والتحديات التي تحملها للممثل، ذلك العبء الجميل هو شغفي، تحدّ نفسي في تجربة تخرج أجمل ما فيّ، هي تحدّ آخر للبقاء، أكون أو لا أكون، هل سيقبلني الجمهور ويعيش تجربة التصاعد النفسي معي أم أن هذه التجربة ستصيبه بالملل، الجمهور وحده يقرر، وأنا أحب ذلك الشعور بالثقة التامة وجذب القلوب والعقول“.

أما المخرج المسرحي العُماني خليفة الحراصي فيقترب ليفسر حديثه في شأن المسرحية متعددة الشخصيات والمسرحية التي تعتمد ثنائية الشخصيتين الديودراما، والأكثر جذبا للمتلقي، والصعوبات فيها ويقول “ظهرت عروض الثنائية الديودراما بعد الحاجة إلى إبراز جهود التمثيل الفردية وتميزها عن الأداء الجماعي ويعد هذا النوع من العروض من السهل تنفيذها، نظرا لوجود شخصين على الخشبة وأيضا لسهولة تحرك الطاقم التمثيلي وتنقل العرض من مكان إلى آخر وهناك سبب مهم أيضا وهو قلة التكلفة الإنتاجية والتي تختصر الإنتاج في ممثلين اثنين، من المهم أن نعرف بأن هذه النوعية من العروض تحتاج إلى نوع آخر من الإبداع والانفراد مثل وجود كاتب يمتلك أدواته الإبداعية وذي خيال خصب، وأن يبرز الصراع بين شخصيتين أو موضوع ونقيضه أو شخص يتكلم مع نفسه ويتمثل هذا في الشخص الآخر”.

ويتابع “كما أن المخرج عليه أن يوجد ترابطا عميقا في أداء الممثلين وأن يحافظ على مستوى العرض حتى نهايته مع صنع الدهشة والتشويق للمتفرج وأن يحافظ على التصاعد في الأحداث وهذا هو التحدي الذي يكون أمام المخرج.. تحدّ يصنعه وينتظر تصفيق الجمهور بعد نهايته، إذا فشلت الثنائية في إبراز الصراع بين الشخصيتين فإن العمل معرض للفشل والملل سيتسلل لنفوس المتفرجين، لذلك هذه النوعية من العروض تحتاج مهارات مختلفة والعمل من الداخل لنقلها إلى الخارج وإيصالها للمتفرج“.

ظاهرة غير بريئة

المسرح الثنائي

يقترب الأكاديمي المغربي مصطفى رمضاني من التساؤلات المتشكلة لأجل هذا السياق والمتمثلة في الكيفية التي يرى فيها المسرحي، المسرحية المتعددة الشخصيات والمسرحية التي تعتمد ثنائية الشخصيتين الديودراما، وأيهما أكثر جذبا للمتلقي والصعوبات فيها ويشير إلى أن أي عمل فني هو بالأساس تجربة ذاتية، ولكنها في العمق خلاصة تجربة إنسانية، ما دام المبدع يتفاعل مع المحيط العام من منطلق التأثر والتأثير والإبداع المسرحي لا يشذ عن هذه القاعدة فهو يتفاعل بالأخذ والعطاء مع مختلف التجارب والحساسيات الفنية الدائمة التحول.

ويضيف رمضاني “من تلك الحساسيات التي بدت تطفو على السطح ظاهرتا المونودراما والديودراما، فالأولى تجربة يختزل أداء فرجتها ممثل واحد، في حين يتولى أمر الثانية ممثلان اثنان فقط، ويمكن اعتبارهما من الأمور العادية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حركية التجريب التي هي جزء من الرؤيا للعالم الخاصة بالمبدع ولكن لا بد في ذلك من استحضار السياق الفني الذي يقتضي ضرورة هذا النمط المسرحي دون غيره، وإلا أصبح ترفا لا غير؛ كأن تكون الشخصية أو الشخصيتان مثلا في عزلة نفسية أو فعلية، أو توجدان قسرا في فضاء تغيب فيه أسباب حضور أطراف أخرى قادرة على تأجيج الصراع وشحنه بالحوار والحركات والإيماءات ونحو ذلك”.

الديودراما من العروض سهلة التنفيذ نظرا إلى وجود شخصين على الخشبة وأيضا لسهولة تحرك الطاقم التمثيلي وتنقله

وفي ما يخص الديودراما يوضح رمضاني “هي تجربة قد تكون طبيعية إذا ما كان السياق الفني يقتضيها، شأنها في ذلك شأن أي نمط مسرحي آخر، ومن هنا نعتبرها امتدادا للعرض المسرحي الجماعي، والمسرح في جوهره فن جماعي، أساسه الصراع الدرامي، والصراع لا يتأتى إلا بوجود أطراف متصارعة، أما الشخص الفرد، فقد يصارع ذاته أو شخصية يستحضرها عبر المونولوج، انطلاقا من الصراع الداخلي الذي هو في جوهره صراع ذاتي، فأوج الصراع يتحقق حين تتعدد الأطراف المشاركة فيه والمؤججة له، والشخصية الواحدة أو الشخصيتان لا تحققان تلك الغاية بشكل عام”.

ويتابع “في الآونة الأخيرة طغت موجة المونودراما والديودراما في الوطن العربي، حتى صارت حالة شبه مرضية، ونلاحظ أن كثيرا منها لا يقتضيها السياق الفني، وإنما يختار المخرج هذا النمط من التعبير الدرامي لما يمنحه من اقتصاد في كل شيء، في الطاقم الفني، وفي الممثلين والسينوغرافيا والفضاء، بل وحتى في التكلفة المادية للعرض بشكل عام، وقد بات بعض الفنانين يميلون إلى هذا الصنف من المسرح لأنه يوفّر عليهم كثيرا من التكاليف المادية والتقنية واللوجيستيكية، خصوصا حين تكون الفرقة المسرحية مدعوة للمشاركة في فعالية فنية خارج المدينة التي توجد بها، أو تكون قد حصلت على دعم مادي من جهة ما”.

ويؤكد “كلما كان الطاقم الفني للفرقة أصغر، تكون الاستفادة المادية أكبر وهذا هو سر اتجاه بعض الفنانين نحو المسرح الفردي أو المسرح الثنائي، أما في ما يخص المتعة، فإن المسرح الجماعي عموما قد يكون أكثر حظا من غيره في عملية تحقيق الفرجة للمتلقي بفضل تعدد شخصياته، وما قد توفره من غنى وتنوع في وسائل تعبيرها وحركية فوق الركح، خلافا للمسرح الفردي والديودراما التي غالبا ما يغلب على عروضها الملل والرتابة والنمطية بشكل عام، خصوصا حين تغيب الاحترافية الحق عند الممثل. فالجانب المادي عموما هو الكامن وراء اتجاه بعض الفنانين إلى الديودراما والمونودراما في ما يبدو بشكل عام، مع استثناءات قد لا ينطبق عليها هذا الحكم“.

من جانبها توضح الكاتبة والناقدة البحرينية زهراء المنصور رؤيتها الفنية في المسرحية متعددة الشخصيات والمسرحية التي تعتمد ثنائية الشخصيتين الديودراما، والأكثر جذبا للمتلقي، وأين تمكن الصعوبات فيها، وهنا تقول “لا أتصور أن هناك نوعا مفضلا في المشاهدة للمسرحيات لدى المشاهدة، معيار التفضيل يكون بمتعة العرض سواء كان العرض المسرحي متعدد الشخصيات أو ثنائيا أو حتى مونودراما، علما بأن النوعين الأخيرين يختص بهما المسرح الذي تشاهده النخبة المهتمة بالمسرح والمختصين”.

 وتضيف “من الأخطاء الشائعة الفادحة لدى المخرجين حديثي التجربة أن يكون اختيارهم لنصوص المونودراما والديودراما بناء على تصور أن تكون أسهل بالعمل والإمكانيات، بينما تتطلب هذه النوعية من العروض الاعتماد على قوة الأداء لدى الممثل/ الممثلين حيث إن العرض قائم على قوتهم وأدائهم بالإضافة إلى العناصر المسرحية الأخرى التي تساعد على جذب الجمهور لمشاهدة المسرح”.

 

alarab.co.uk

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش