المسرح يبعث الحياة في “صاحب الكرمل” – بقلم أحمد ملحم

 

أعاد الممثّل والكاتب المسرحيّ الفلسطينيّ عامر حليحل والمخرج أمير نزار زعبي، في أقلّ من ساعة، المشاهدين إلى مدينة حيفا في عام 1908، ليشاهدوا ولادة صحيفة الكرمل من خلال مسرحيّة صاحب الكرمل التي عرضت على مسرح وسينماتيك القصبة في رام الله وسط الضفّة الغربيّة في 30 آذار/مارس والتي أنتجها المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، وتروي سيرة أبرز روّاد الصحافة في فلسطين في تلك الحقبة، نجيب نصّار (لعب دوره عامر حليحل)، وزوجته ساذج بهاء نصّار (أدّت دورها خولة ابراهيم).

لعب القدر والوعي السياسيّ في تحوّل نصّار من صيدليّ إلى أحد روّاد الصحافة الفلسطينيّين، بعدما قرّر شراء 5 دونمات زراعيّة في قرية سمخ قرب طبريّا، لكنّ موسمه الزراعيّ الأوّل كان كارثيّاً، إذ لم ينبت محصوله.

في القرب من أرض نصّار، نصحه أحد المستوطنين بزراعة الموز في أرضه كي تنجح، وأعطاه الموسوعة اليهوديّة لكي يقرأ عن الزراعة، لكنّ تلك الموسوعة كشفت لنصّار أطماع المستوطنين وأهدافهم في فلسطين من خلال ما هو مكتوب أن المستوطنين يريدون بناء دولة إسرائيلية في فلسطين في المستقبل القرين إن لم يكن فورا. فقرّر في عام 1908 مع سماح الدستور العثمانيّ بفتح الصحف، بيع أرضه الزراعيّة، وشراء مطبعة من بيروت وتأسيس صحيفة الكرمل.

وبدأ نصّار في طباعة الكرمل التي انتقدت السياسة العثمانيّة والتحالف مع ألمانيا في الحرب العالميّة الأولى، ممّا تسبّب في إغلاق الصحيفة، وملاحقة السلطات العثمانيّة لنصّار الذي تخفّى لمدّة 3 سنوات، ليعود بعد قرار تبرئته من المحكمة لفتح الصحيفة من جديد، ليبدأ بمحاربة بيع الأراضي وتسريبها إلى العصابات الصهيونيّة في فلسطين، ونشر الوعي الثقافيّ والسياسيّ في المجتمع العربيّ والفلسطينيّ، ومهاجمة سياسات الانتداب الإنجليزيّ لفلسطين، ممّا عرّضه إلى الملاحقة وإغلاق الصحيفة والتهديد من قبل الإنجليز.

وارتبط قدر نصّار بزوجته ساذج (من الطائفة البهائيّة) التي بدأت كمتدرّبة عنده في الصحيفة، فأعجبت بجرأته وشخصيّته وفكره السياسيّ والوطنيّ، ليتزوّجا عام 1927على الرغم من فارق العمر بينهما وهو 20 عاماً، ويقودا صحيفة الكرمل لمدّة 35 عاماً، لاقا خلالها الكثير من الصعاب والتهديدات بسبب الصحيفة التي تعرّضت إلى الإغلاق مرّات عدّة، من قبل سلطات الانتداب البريطانيّ، كما تعرّضت ساذج إلى الاعتقال الإداريّ لمدّة 11 شهراً، حيث تعتبر السجينة السياسيّة الفلسطينيّة الأولى أثناء الانتداب البريطانيّ، بسبب مواقفها السياسيّة، ومقالاتها في الكرمل، وتنظيمها مظاهرات أثناء الإضراب الكبير الذي شهدته فلسطين في عام 1936، ودورها في تأسيس جمعيّة اتّحاد النساء العربيّات في حيفا.

وعلى الرغم من أنّ المسرحيّة ركّزت على سيرة نصّار وزوجته، إلّا أنّها عكست في الوقت نفسه الظروف السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة في المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ في فترة الانتداب البريطانيّ، والوعي السياسيّ والوطنيّ في المجتمع، وعلاقة وسائل الإعلام والسلطات السياسيّة التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة عليها.

وتعدّ المسرحيّة جزءاً من مشروع مسرح الذاكرة الهادف إلى أرشفة الثقافة الفلسطينيّة مسرحيّاً، إذ قال المدير الفنّيّ للمسرح الوطنيّ (الحكواتي) عامر خليل لـ”المونيتور”: “نحاول من خلال المسرح تسليط الضوء على شخصيّات لعبت أدواراً مهمّة في تاريخ فلسطين، ولذلك جاء اختيار نجيب نصّار وزوجته كونهما من مؤسّسي الصحافة في فلسطين، ولعبا دوراً سياسيّاً ووطنيّاً واجتماعيّاً”، لافتاً إلى أنّ نصّار وزوجته شكّلا بداية الأصوات التي نادت بالأفكار اليساريّة في فلسطين.

وأضاف خليل: “هناك تغييب للحياة في فلسطين قبل النكبة في الأعمال السينمائيّة والدراميّة والمسرحيّة وتعتيم عليها، لذلك نسعى إل ىتسليط الضوء على تلك الحقبة من خلال رواية حياة أبرز الشخصيّات الرائدة مجتمعيّاً وتجاربها”.

وأكّد خليل أنّ صناعة المسرح في فلسطين والدول العربيّة تمرّ بظروف صعبة، في ظلّ المنافسة من قبل السينما والتلفزيون، الأمر الذي يتطلّب تقديم أفكار جديدة وذكيّة تجذب المشاهد وتعيده إلى خشبة المسرح.

واحتضن مسرح الحكواتي 3 عروض للمسرحيّة التي بدأت في 14 آذار/مارس في القدس، تبعها عرض في حيفا في 28 آذار/مارس، ورام الله في 30 آذار/مارس، على أن تعرض في مدن نابلس وجنين والخليل، ومناطق أخرى سيعلن عنها لاحقاً.

أكّد مؤلّف المسرحيّة وبطلها وصاحب فكرة مسرح الذاكرة حليحل لـ”المونيتور”، أنّ المسرحيّة جزء من مشروع توثيقيّ تاريخيّ لشخصيّات فنّيّة وثقافيّة وسياسيّة عاشت في حقبات متعدّدة، كان لها أثر على المجتمع الفلسطينيّ، لكنّها اندثرت تدريجيّاً، ولم يعد يذكرها أحد، خصوصاً الأجيال الصغيرة. وقد ظهرت شخصية ناصر في أعمال خيالية أخرى، بما في ذلك فيلم زمن الخيول البيضاء للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله.

ولفت حليحل إلى أنّ الأعمال المسرحيّة التي تقدّم ضمن هذا المشروع تستند إلى نصّ موثّق من ناحية المعلومة التاريخيّة من خلال باحثين ومؤرّخين، بالتعاون مع مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة.

وأوضح حليحل: “البحث عن سيرة نجيب نصّار وزوجته كان صعباً وجميلاً، نظراً إلى تضارب المعلومات حول حياته وتحالفاته وأعماله، الأمر الذي تطلّب التواصل مع المؤرّخين وعائلة نصّار وأرشيف صحيفة الكرمل من أجل تجميع معلومات حول المرحلة السياسيّة والاجتماعيّة في تلك الحقبة، وموقف نصّار منها، وكيف أثّرت به، وأثرّ بها.

 وأشار حليحل إلى أنّ الصدفة قادته إلى كتابة نصّ مسرحيّ عن نصّار، قائلاً: “بدأت الفكرة قبل عام ونصف، والفضل في ذلك يعود إلى المؤرّخ جوني منصور، الذي لفت انتباهي إلى تجربة نصّار الغنيّة والمهمّة، حين كنت أقوم بعمل بحث عن كريمة عبّود وهي المصوّرة الفلسطينيّة الأولى”.

وتعدّ مسرحيّة صاحب الكرمل العمل المسرحيّ الثالث ضمن مشروع مسرح الذاكرة الذي ينتجه الحكواتي، إذ سبق وقدّم عملين مسرحيّين في عام 2016 حول سيرة الشاعر الفلسطينيّ طه محمّد علي.

وأكّد حليحل أنّ العمل في مشروع مسرح الذاكرة متواصل، لافتاً إلى وجود أفكار لأعمال مسرحيّة حول شخصيّة المصوّرة الفلسطينيّة الأولى كريمة عبّود، والأديبة مي زيادة، والكاتب خليل السكاكيني، والموسيقيّ الفلسطينيّ واصف جوهريّة.

https://www.al-monitor.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش