المسرح الأفغاني: وجه آخر لأفغانستان المنسية – عثمان بوطسان

الأفغاني
من المسرح الأفغاني

المسرح الأفغاني: وجه آخر لأفغانستان المنسية – عثمان بوطسان

 لا يمكن الحديث عن أدب وثقافة أفغانستان بدون الحديث عن المسرح، باعتباره من الفنون المتجذرة في تاريخ الثقافة الأفغانية منذ فترة طويلة. يرتبط المسرح ارتباطًا وثيقًا بالحياة المشتركة واليومية للأفغان، بمعتقداتهم الأسطورية والدينية وطرق تفكيرهم. ويعتبر من الأنشطة الفنية الأكثر انتشارا في المنطقة، يستوحي مواضيعه من السياقات الاجتماعية، التاريخية، الجغرافية والثقافية لأفغانستان والبلدان المجاورة والبعيدة. أصبح المسرح اليوم تقليدًا بين الأفغان، وهذا ما يؤكد وفرة المسرحيات التي تم تنظيمها أو إصدارها.
يعود السياق المسرحي في أفغانستان إلى فترة حكم الملك أمان الله خان (1919 ـ 1929) عندما انتشر هذا الفن لأول مرة ودخل مرحلة جديدة مع إنشاء «جامعة نانداري» في عهد محمد ظاهر شاه (1933 ـ 1973 تأسس المسرح الأفغاني المعاصر خلال فترة أمان الله خان، وبفضل محمود ترزي، سيتم تعميمه في جميع أنحاء البلاد. كان من بين أهداف حكومة أمان الله تعزيز التقدم والحداثة من خلال نشر ثقافة المسرح، الذي كان يعدُّ أفضل وسيلة لتشجيع الناس على التحديث وتجنب الإيمان بالخرافات. ولتحقيق ذلك، استعان أمان الله بالعديد من وزراء حكومته وشخصيات ثقافية، الذين شاركوا في الأنشطة المسرحية كعلي محمد (وزير المحكمة)، محمود ترزي (وزير الخارجية)، محمد كبير لودين (وزير الأشغال العامة)، سيد عبد الله (وزير العدل)، فايز محمد زكريا (وزير التربية والتعليم)، محمد سروار جويا، محمد حسين ضياء سروار سابا، عبد الرؤوف رشيدي، عبد الجبار رسام، محمد حسن سليمي، عزيز خان شرخي، غلام ساخي سامان، قاري دوست محمد، وشخصيات سياسية وثقافية أخرى. ساهمت هذه الأسماء في بناء وتشكيل أسس المسرح الأفغاني عن طريق الترجمة، أو الكتابة أو اللعب على الخشبة.

ومن بين الفنانين والكتّاب المسرحيين، الذين ساهموا أيضا في تأسيس وازدهار المسرح الأفغاني نذكر: عبد الرشيد جاليا، عبد الرحمن بينا، غلام عمر شاكر، أكرم نغاش، عبد القيوم بازيد، ضياء قري زاده، مقدس نجاه، غلام علي أوميد، محمد يوسف كوزاد، علي نعيمي، عبد الرؤوف بنوا، أكبر نماد، أكبر نديم، عبد اللطيف نشأت، علي محمد زاره، مالك خليل، رحيم سربان، براق شافعي، سيد مهدي شفا، أسد الله مهربان، عظيم فايز، نجيب عرام، موسى أريزو، هارون يامس تنفير، قادر فاروق، كريم جاويد، محمد يعقوب مسعود وغيرهم. فقد كان بعضهم من الكتاب المسرحيين أو المخرجين، والبعض الآخر كانوا ممثلين.

تميز المسرح الأفغاني بشكل رئيسي خلال هذه الفترة، بهيمنة الشخصيات الذكورية والغياب التام للنساء في المسرحيات التمثيلية. وتعكس هذه الهيمنة، صورة مجتمع تقليدي يتميز بعمق بالرغبة في تعزيز دور الرجال، والقضاء على الفردية الأنثوية، من خلال طمس هويتها المتقلبة وهشاشتها وتناقضاتها. وبالتالي، لم يكن للمرأة الحق في لعب دورها على خشبة المسرح، بسبب وضعها في نظام القيم الاجتماعية الأفغانية. وكانت مسرحية «الوطن الأم» التي كتبها غلام حضرت كاشان من مسرحيات «Paghman»، التي لأول مرة، سيلعب فيها شاب دور امرأة على خشبة المسرح الأفغاني. استمر هذا التقليد واستمر معه غياب النساء عن المشهد المسرحي، حتى بدأت النساء في أخذ أدوارهن على الخشبة. كان عبد الغياس ومحمود فاروق أفندي، من بين الممثلين الأفغان البارزين، الذين لعبوا دور النساء في المسرحيات. تعد مسرحية «أبناء أريانة» واحدة من المسرحيات المكتوبة في ذروة المسرح الأفغاني، التي كتبها عبد الرحمن باجهوك. كانت واحدة من المسرحيات الأولى، التي تم إصدارها بشكل مستقل، حيث لم يكن فيها أي دور للمرأة. بحسب باجهوك، كان الغرض من كتابة المسرحية ونشرها تعزيز الوحدة الوطنية. سيستمر غياب المرأة عن الخشبة المسرحية إلى تأليف خوشان لمسرحية «ولاء المرأة» وستكون واحدة من الأعمال المسرحية الأولى التي وجدت فيها الشخصية الأنثوية مكانها وصوتها.

تنهاي الوحدة
مشهد من المسرحية الأفغانية “تنهاي” : الوحدة

كان الشعب الأفغاني ولا يزال متمسكًا بالثقافة المسرحية، أصبح المسرح ممارسة فنية مرتبطة بالحياة اليومية، يتم تقديمها في المهرجانات والشوارع والمدارس. ساهم حضور العديد من المعلمين والطلاب الذين التحقوا بمدارس الدراما بشكل غير مهني، بشكل كبير في نمو هذا الفن في أفغانستان. كانت مدارس غازي الثانوية، مالالاي، عائشة دوراني، سورية، وزرقونة، وبيبي مهرو، الاستقلال، ربيعة بلخي، الأميرة مريم، ومدرسة حبيبي الثانوية من بين المدارس الأولى التي تولت زمام المبادرة، وشجعت الفن المسرحي. كانت سميه ميرزاد، الأخت الكبرى لصالحة فاروق اعتمادي، واحدة من الطلبة الذين كتبوا المسرح بشكل مبكر، فقد كتبت مسرحيتها الأولى عندما كانت في الصف السابع في مدرسة مالالاي الثانوية. تم تمثيل مسرحيتها الموسومــــــة بـ «الملكة» في ثلاثة مشاهد، واستقبلها الجمهور بشكل جيد للغاية.

وبالتالي فإن المسرح المدرسي سيشارك في ازدهار المسرح في أفغانستان، خاصة بين الشباب. وهذا ما يدل على أن المسرح الأفغاني لم يكن حكرا على نخبة أو فئة معينة. كان الفنانون والهواة، كبارا وأطفالا يمارسون كتابة المسرح ويلعبون أدورا على الخشبة.

تخلق المسرحيات الأفغانية اليوم نقاشات حادة وجدلا واسعا، لأن تمثيل الصورة الحقيقية لأفغانستان يصدم الجمهور ويزعج المنتسبين إلى جماعات طالبان. يحاول رواد المسرح التطرق إلى كل المواضيع، التي تتربط بشكل مباشر بالحياة الأفغانية من قبيل: الفقر، البؤس، الحرب، تعليم الفتيات، الحب، المنفى، السجن، الانتحار، إلخ. فإذا كانت الرواية الأفغانية شهدت ازدهارًا ملحوظًا منذ عام 2000، إلا أن المسرح لم يمارس كثيرًا حتى السنوات الأخيرة. ويُفسر ذلك حقيقة أن الفنانين الأفغان، لم تكن لديهم الحرية الكافية للتمثيل على خشبة المسرح، في بلد أصبح يصنف هذا الفن من بين المحرمات بعد وصول طالبان إلى الحكم. لذا، فمعظم المسرحيات تُلعب خارج أفغانستان، من قبل فنانين أفغان فروا إلى أوروبا أو أمريكا. يُقدم المسرح المعاصر وجه أفغانستان الدموي ويرجع الفضل إلى استمراره إلى فرقة مسرحية تسمى «مسرح أفتاب، مسرح الشمس» التي تقدم مسرحياتها بشكل رئيسي في فرنسا وألمانيا. بفضلها، يحتل المسرح الأفغاني اليوم مكانه بين الفنون الأفغانية الشائعة في أوروبا. يمكن تعريف المسرح الأفغاني على أنه الفن المستخدم لإدانة الظلم، لتمثيل الأحداث الدموية، أو المتعلقة بالواقع اليومي الأفغاني. إذا كان الأدب الكلاسيكي يعرّف المسرح على أنه عالم الأقنعة، فإن الأفغان يرون في المسرح الوسيلة للتعبير عن التزامهم تجاه وطنهم، ووسيلة لفضح الظلم الاجتماعي، والدفاع عن حقوق المرأة، ومناهضة الحرب والعنف بكل أشكاله.

إن المواضيع الجديدة التي يعالجها المسرح، يحظرها المجتمع في أفغانستان، لذلك يخاطر المسرحيون بحياتهم للكشف عن الواقع المرير لبلدهم. فالنشاط المسرحي أكثر من مجرد فن بالنسبة للأفغان، إنه نوع من التمرد والتحرر في الوقت نفسه. فهو بمثابة اللوحة، والإيحاءات المستمدة أساسا من الوجود الإنساني، ومرآة ملموسة تسمح للمتلقي بفهم الشعور الوجودي لشعب يعاني من ألم دائم. ففي السياق الاجتماعي والثقافي والجيوسياسي الحالي، لا يزال العالم يتجاهل الصورة الحقيقية لأفغانستان. بالتأكيد، فقد كان هذا البلد ولا يزال نقطة تقاطع مجموعة من الثقافات. لذا، يجب النظر إلى مسرحه على أنه ثورة فكرية قادرة على تغيير كل الأفكار النمطية، التي أزالت أفغانستان من المشهد الثقافي والأدبي العالمي.

ومن بين الممثلين الرئيسيين للمسرح الأفغاني الحديث والمعاصر نذكر: هارون أماني، عارف بنوهار، طاهر بيغ، صبور دلاوار، مجتبى حبيبي، مصطفى حبيبي، سيد أحمد هاشمي، فريد أحمد جويا، شفيق كوهي، آصف مودودي وغيرهم. يقدم هؤلاء الفنانون والكتاب المسرحيون أعمالهم في فرنسا وألمانيا وفي باقي البلدان الأوروبية، التي تهدف إلى إسقاط القناع عن الحرب والعنف والتعصب الديني في أفغانستان. في مقابلة مع صحيفة «La Croix» ، قالت الفنانة شوهرا سباغني إنه ينظر للمسرح بصورة سلبية في أفغانستان، ويضيف هارون أماني، أن مجرد القول بأنه كاتب مسرحي يمثل مشكلة في بلده. فالمجتمع الأفغاني ليس منفتحًا على هذا النوع من الفن اليوم، لأن التعصب الديني الذي تمارسه طالبان يحظر الفنون مثل، المسرح والرقص. يقول هارون أماني: «في المرات القليلة الماضية التي ذهبت فيها إلى أفغانستان، تجنبت بعناية الحديث عن هذه المسألة. لم أخبر أحدا عن وظيفتي. قلت إنني عملت في ورشة خياطة في باكستان! حيي في كابول غير آمن للغاية. في النهار، يبدو هادئًا، يشغله الحرفيون، في الليل، تسيطر عليه جماعات طالبان المنحدرة من الجبال». على الرغم من كل هذا، يستمر النشاط المسرحي الأفغاني في النمو رغم كل المشاكل المترتبة على التلقي المسرحي. يستمر المسرح في معالجة الموضوعات التي لا يمكن تحملها، والتي يضحي اليوم مجموعة من الفنانين بحياتهم من أجل التطرق لها. وهكذا فإن المسرح الأفغاني جزء من التيار الثقافي الملتزم والمدافع عن قضايا الشعب الأفغاني المضطهد. يُعرَّف المسرح الأفغاني بأنه انفتاح على العالم، وهو شكل من أشكال المقاومة ضد اللاإنسانية والتعصب الديني. ويعبر عن الهوية والأزمة الوجودية للنساء والرجال بحثا عن أنفسهم في فوضى وخراب الحرب.

عثمان بوطسان – المغرب

(القدس العربي)


عثمان بوطسان من الكتاب المغاربة الشباب الذين برزوا بشكل ملفت للنظر خلال الآونة الأخيرة، نظرا لاشتغاله على مواضيع جديدة تجعل منه كاتبا وباحثا متميزا. فهو باحث مغربي مهتم بالآداب الأسيوية، خاصة الأدب الأفغاني المعاصر، الأدب الباكستاني، الادب الإيراني والأدب الهندي. صدرت له العديد من المؤلفات الشعرية والنقدية باللغتين الفرنسية والعربية وترجم العديد من المقالات الأدبية والعلمية، كما أنه عمل على التعريف بمجموعة من الأعمال المجهولة بالنسبة للقارئ العربي. ينشر في كبرى المجلات والصحف الدولية بلغات متعددة.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش