(الكاتب والناقد المسرحي جوان جان .. لهذه الأسباب بقي المسرح القومي وحيدا على الخشبة) #سوريا

عين(الكاتب والناقد المسرحي جوان جان .. لهذه الأسباب بقي المسرح القومي وحيدا على الخشبة)سوريا

تشرين – ثقافة وفن

الكاتب: علي الراعي

مُبكراً بدأت حركة المسرح في سورية أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وشهدت إرهاصات كثيرة خلال سنوات نصف القرن الماضي، وتنوعت حتى الستينيات التي يعدّها الكثير من النقاد والمسرحيين بداية لقرابة ثلاثة عقود لاحقة صُنفت بأنها ذهبية في مسيرة المسرح السوري .. إذ يرى الناقد جوان جان – على سبيل المثال – أنّ الانعطافة الأهم في تاريخ المسرح السوري تبدأ فعلياً مع سنة 1960م، وهي سنة تأسيس المسرح القومي في سورية .. وكان المسرح قبل ذلك مُبادرات فردية يقوم بها متحمسون لتحريك خشبة المسرح، أو تجمعات مسرحية غالباً ما تجمع في اهتماماتها أكثر من نشاط إبداعي، غير أن تأسيس المسرح القومي الذي يتبع وزارة الثقافة السورية كان له أن حدد ملامح المسرح السوري، وحتى مصيره .. والذي كانت أولى نصوصه التي تمّت مسرحتها شبيهة بما قام به أبو خليل القباني، وذلك في اعتماده نصاً أجنبياً لتجسيده على خشبة المسرح في سورية، فقد كان نص «براكساجورا» لأرستوفانس، أخرجه الراحل رفيق الصبّان؛ أول عمل مسرحي يتصدى المسرح القومي لتقديمه، وكان أول نص عربي للكاتب المصري محمود تيمور نص «المزيفون» من إخراج نهاد قلعي، وإلى سنة 1966م، حتى كان أول نص محلي سوري، وهو «البيت الصاخب» للكاتب وليد مدفعي، وكان من تصدى لإخراجه سليم صبري..

لكن بعد تلك العقود الثلاثة الذهبية للمسرح السوري؛ تبدو خشبته اليوم، وكأنها أمست بلون المسرح القومي فقط، ذلك ما توجهنا به لأكثر من باحث وناقد وممثل ومهتم بازدهار المسرح في سورية كسؤال، ومنهم رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية الكاتب والناقد جوان جان، الذي بتقديره يرى أنه لم يستمر المسرح السوري في حركته التصاعدية، وإنما اتجه انحداراً، وكان من جملة خطوات الانحدار: جنوح عدد كبير من المخرجين باتجاه النص المُترجم، وتعقيد نشر النصوص المسرحية برغم ظهور ما يُشبه تفرعات مسرحية عن المسرح القومي مثل: نادي المسرح القومي الذي حاول أن يأخذ الطابع التجريبي، والمسرح الجوال الذي انطلق ببداية قوية بالعمل المميز «الطيب والشرير والجميلة» اضطلع ببطولته كل من نضال سيجري وأندريه سكاف. إضافة لما كان يُقدمه المعهد العالي للفنون المسرحية من عروض، ومنذ مطالع الألفين وحتى اليوم يرى صاحب «خطبة لاذعة ضد رجل جالس» أنها تميزت بالجمع بين أجيال مختلفة على صعيد الإخراج المسرحي وخاضت التجربة بجرأة مع نزوع نحو التجديد على صعيد الشكل المسرحي.

واليوم يبدو المسرح القومي؛ يُشكل العمود الفقري للمسرح في سورية، لكنه في المقابل، تلاشت معه ظواهر التجمعات والنوادي المسرحية، فيما المسرح التجاري أو الخاص يبدو هو الآخر قد اضمحلّ، وكذلك لم تعد الجامعة السورية تُقدم مسرحها، ذلك المسرح الذي قدم للدراما السورية عشرات النجوم، منهم: فيلدا سمور، رشيد عساف، وعبّاس النوري، ولاسيما أن من تصدى لإخراج عروضه كانوا من المسرحيين الذين تلقوا تعليمهم خارج سورية، أو من طلاب المراحل الأخيرة في المعهد العالي للفنون المسرحية.. فقد انتهى المسرح الخاص وكذلك الكثير من المظاهر المسرحية الأخرى. ذلك أن المسرح القومي سحب البساط من تحت أقدام المسارح الأخرى كالجامعي والعمالي والشبيبي وغيرها.

فالمسرح التجاري كان أساس المسرح في سورية، وكان انطلق على صعيد التجارب والتجمعات حتى تسعينيات القرن الماضي..

اليوم تبدو ظاهرة المسرح الخاص أو التجاري قد تلاشت، وذلك لأكثر من سبب أبرزها غياب الوجوه التي كانت يوماً ما، تشدّ الجمهور للمسرح ولاسيما في مظاهر المسرح الشعبي، وسبب الغياب؛ الموت أحياناً، أو الاعتزال، ولم يظهر جيل جديد أو بديل يُكمل مسيرة رواد المسرح الخاص، وإن وجد، فإنّ ظروف العمل تغيرت والتكاليف أصبحت باهظة، ناهيك بأن بعض النشاط المسرحي الذي شكّل ظاهرة حينها، بقيت ظاهرة منقطعة انتهت مع غياب العاملين فيها.

يذكر الناقد جوان جان: إنه لم يبدأ المسرح – عندما بدأ – مفرداً وواحداً، بل بدأ متعدداً وإن كان ذلك بالتدريج، فمن رحم الفنان الإغريقي ثيسبس في القرن الخامس قبل الميلاد ولِدت المسرحية الإغريقية بشخصياتها المتعددة وجوقتها، ورداً على تراجيديات أسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس تألقت كوميديات أرستوفانس .. وفي مراحل لاحقة لم يكتفِ شكسبير بتراجيدياته الخالدة بل كتب الكوميديا وأبدع فيها مثلما أبدع فيها موليير الذي وبرغم أنه كان بعيداً عن التراجيديا إلا أنه في كوميدياته كان أكثر تنوعاً في أساليبه ومضامين أعماله من كثيرين كتبوا في عدة أنواع مسرحية.

ويُضيف: في بلدنا كان رائد المسرح السوري أبو خليل القباني واعياً لأهمية التنوع في أعماله إدراكاً منه لطبيعة جمهوره الوليد وغير المعتاد على هذا النوع من الفنون والذي لم يحسم خياراته بعد، فكان أن قدم لهم العمل المسرحي اعتماداً على عناصر الدراما والغناء والرقص والموسيقا، منتقلاً معهم في فضاءات التاريخ العربي والحكايا الشعبية على اختلاف ألوانها ومشاربها .. وعندما تأسس المسرح القومي في مطالع ستينيات القرن الماضي كانت الخيارات مفتوحة أمام المسرح العربي والعالمي مثلما كانت متاحة أمام المسرح السوري بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور، وهو الأمر الذي استمر حتى الآن.

في مقابل عروض المسرح القومي كانت هناك حركة مسرحية فعالة تجلت عبر أكثر من وسيلة ومسار، يراها جوان في المسرح الشعبي الذي كان مزدهراً قبل تأسيس المسرح القومي واستمر في تألقه إلى ما قبل عشر سنوات مع التحفظ على مستويات بعض أعماله التي نحت باتجاه الشطط في التهريج على حساب المستوى الفني والفكري للعرض المسرحي، وقد تميزت أعمال المسرح الشعبي بطرحها قضايا اجتماعية منبثقة من الحياة اليومية للمواطن السوري، وكانت أعمال الفنان محمود جبر في هذا النوع من الأعمال المسرحية، وقبله كانت أعمال عبد اللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس، وعاصرته أعمال مسرح دبابيس للأخوين قنوع، وكانت هناك تجارب لمجموعة كبيرة من الفنانين في هذا الإطار كتجارب ياسين بقوش وناجي جبر وصالح الحايك ومظهر الحكيم وغادة بشور وغادة الشمعة وحسن دكاك وغيرهم.. لكن هذا النوع من الأعمال المسرحية شهد تراجعاً في السنوات العشر الأخيرة، واليوم تشهد مدينة دمشق وأكثر منها حلب محاولات حثيثة لإعادة إحياء هذا اللون من العرض المسرحي.

مع ازدهار أعمال المسرح القومي والمسرح الشعبي في سبعينيات القرن الماضي، كان لابدّ من مواكبة عروض المنظمات الشعبية لهذه النهضة المسرحية فكان أن ظهرت أعمال المسرح العمالي والشبيبي والجامعي من خلال المهرجانات الخاصة بهذه المسارح والتي استضافتها مسارح دمشق والمحافظات وكان لها حضورها الفاعل في أكثر من استحقاق مسرحي، يأتي في مقدمتها مهرجان دمشق المسرحي الذي أتاح المجال أمام هذه الأعمال لأن يشاهدها الفنانون المسرحيون العرب ويطلعوا على مدى ما حققته من تقدم.

أما المهرجانات المسرحية التي تقيمها نقابة الفنانين في بعض المحافظات فيراها رئيس تحرير الحياة المسرحية أنها كانت مكاناً مثالياً لإطلاق أعمال مسرحية مختلفة عما هو سائد، أعمال تحمل معها طموح الهواة واجتهاد الباحثين عن إيجاد موطئ قدم في خريطة المسرح السوري الذي يبدو اليوم مفتقداً هذا التنوع بسبب الظروف العامة وليس بسبب تقاعس المسرحيين أو تراجعهم، ومما لا شك في أن محاولات عديدة تُبذَل هذه الأيام لإعادة ذلك التنوع إلى ما كان عليه، وربما كان مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقته مديرية المسارح والموسيقا قبل عامين أحد مظاهر هذا التنوع مع ما تحمله عروض الشباب من آمال في إثراء الحركة المسرحية.

صحافة كتب: علي الراعي / تشرين السورية – لقاء الكاتب والناقد المسرحي جوان جان

كنعان البني – سوريا

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …