أخبار عاجلة

الــصــفا مسرحة للشعر الملحون إبهار بصري سينوغرافيا-بقلم : عباسية مدوني- الجزائر

في حقل دعم الموروث الشعبي والاحتفاء بالتراث االلامادي ، وبدعم من صندوق الإبداع الفني والأدبي برعاية رصينة من السيدة الدكتورة ” صورية مولوجي ” وزيرة الثقافة والفنون، مسرح سيدي بلعباس رفع الستار عن أحدث الإنتاجات لموسم   2023  ، بعرض موسوم بــ  ” الـصفا”   من تصميم ” أبو بكر الصديق بن عيسى ” في أولى تجاربه الركحية على مستوى الإخراج المسرحيّ  ، وذلك أمسية السادس من شهر مايو 2023 .

العرض المسرحي المستمدّ من التراث الشفهي الشعبي ضمن مخبر بحث ، قد  تمّ من     خلاله الإشتغال  على قصائد شاعر الملحون ” مصطفى بن براهيــم” وتحديدا ديوان ” عزة عبد القادر”  ، وهو عرض يأتي عصارة ورشات تكوينية تمّت إقامتها على مستوى مناطق الظل سنة 2020 ، العرض أتى في قالب  مونتاج شعري ( مسرحة  القصائد الشعرية ) والذي كانت فيه  القصة المحورية  اقتباسا من القصيدة  الشهيرة ” يــامــنــة ” التي تتجلّى فيها أسمى معالم الحب الطاهر والعذريّ.

والقصيدة من عمق الشعر الملحون الذي يعدّ رافدا أساسيا في دراسة شتى الجوانب الإنسانية والسوسيو أدبية ذات المرجعية البيئية ، والذات البشرية في أناها الباطن وعلاقتها مع الآخر ، وغريزة الإبداع .

في ” الصفا ” كنّا أمام عوالم ولوحات مسرحية شعرية من عمق البدوي والملحون الأصيل ، الذي ترجم ركحيّا ضمن مسار دراميّ ووفق فضاءات معيّنة كانت محاكاة للقصة الجوهرية        ( يامنة ) ، في نقل الجمهور جماليا من حالة إلى أخرى وسط أجواء شاعرية ببصمة الملحون ونغم أصيل جسّده لفيف من الممثلين وفق إيقاع مسرحيّ عايش من خلاله الجمهور الجمالية البصرية على مستوى السينوغرافيا ، والأداء الوازن والرصين لبعض من الممثلين الذين أثبتوا إحترافييتهم في مجالهم بما في ذلك الفنان           ” محمد بن بكريتي ” ، ” حوسين بن سميشة ” ، ” أحمد بن    خال” ، ” أحمد سهلي” والفنانة              ” بن حمودة فريدة ” ، وقد كان مسار العرض المسرحي واضحا منذ اللوحة الأولى ليكشف عن ( يامنة ) و( الصفا ) في رسم قصة حبّهما الذي جابه أكثر من عاصفة ، الإشتغال الركحي على مستوى إدارة الممثل ، وفضاء الركح والربط ما بين شخصيات العرض فنيا ، إبداعيا وموسيقيا كان واضح المعالم ، مع تركيز نسبيّ على الفعل الذي غاب في بعض اللوحات ، أو وجب العمل عليه مستقبلا على مستوى القصائد لتدعيم الخط الدرامي في أبعاده المتعدّدة .

الصفا ” في تجسيد ولهه بمحبوبته ” يامنة ”  جاءت على مستوى الدراماتوروجيا نصا ركحيا شعريا غنائيا ، تمّ فيه المزج ما بين قصائد الملحون ، ليتمّ تجسيد البناء الركحيّ للقصة من خلال حوار مفعم بالروح ونبض الوجود ، في التغنّي بالحبيبة ضمن نسيج سينوغرافيّ  مبهر للعيان  كانت فيه اللمسة لــ ” يوسف عابدي” ، وتوظيف تلكم السينوغرافيا في خدمة الممثل وأدائه من بداية القصة إلى نهايتها ضمن لوحات العرض .

العرض قد ارتكز على القصيدة المحورية ” يامنة ” مع الإستعانة بمجموعة من القصائد الأخرى لدعم رؤية المخرج وبعده بخاصة على الصعيد الدراماتورجي ، ليحقّق التواصل ما بين شخصيات عرضه وفق لغة مسرحية شعرية نابضة بالحياة ، وإزدادت نبضا على لسان ووفق الأداء المحترف للممثلين الذين منحوا العرض حيويته وبعده وعاشوا التجربة بكل جمالية وحبّ ومتعة مسرحية ، حتى وإن سجّلنا بعض التفاوت في اللفظ والنطق لدى بعض الممثلين الذين يمكن أن نقول أنهم كانوا إضافة غير موفّقة للعرض ، لكن يمكن أن تكون الاستعانة بهم قد  كانت لضرورة ركحية وإخراجية .

المميّز في عرض ” الصفا” الإشتغال على الفضاء الركحي وإنسجام ذلك مع السينوغرافيا ، حيث كانت القصيدة الشعرية ذات وزن وحضور مائز في العرض وهو أمر نادر قد وفّق فيه المخرج في بنائه   للعرض ، مع فريق كامل من إستشارة فنية لـ” مربوح عبد الإله ” ، وتأليف  موسيقي لــ ” عبد القادر صوفي” ، وجمع وشرح الأبيات الشعرية لـ” زكرياء فنطازي” .

الجمهور المتلقي وعلى مدار ساعة كاملة عاش أجواء مسرحية شعرية ماتعة ، تمازجت فيها كل عناصر العرض من موسيقى وسينوغرافيا ، وهندسة إضاءة بصرية كانت موفّقة في أغلب لوحات العرض المسرحي بكل إحترافية ، كانت بدورها أي تلكم المتعة البصرية للإضاءة جماليّة من نوع آخر ، ناهيك عن إستغلال الديكور بما فيه القماش بشكل وظيفيّ وجماليّ وكانت دعامة للمثل وللعرض في أكثر من لوحة من العمل المسرحيّ ، مجسّدين في ذلك فضاء ركحيا زمكانيّا وكأننا في عهدة شاعر الملحون ” مصطفى بن إبراهيم ” وضمن بيئته ، تجسيدا للفارس وشهامته وللجوّ البدويّ الساحر في كل قصائد الملحون التي تمّ مسرحتها ركحيّا .

العرض المسرحي ّ وضمن حيّزه البحثيّ قد استجاب لمقاييس الفرجة  من خلال الإشتغال على  خاصية الشعر الملحون  ، من بداية العرض إلى نهايته ، مع الإشتغال مستقبلا أكثر على مسار الفعل الدرامي وعلى منظومة بقية الممثلين الذين كان من الممكن أن يشكّلوا فارقا آخر إلى جانب احترافية البقيّة ، بخاصة وأن العرض نابض بالقصيد الشعريّ وحتى في لمسة الديكور والأداء وتصميم الإضاءة تلفي لغة شعرية أخرى ولو غير منطوقة ، وكان الإيقاع متماشيا والعرض المسرحي وقد خدم ريتمه وإن تباين بين لوحة وأخرى ، مع إمكانية فسح مجال أوسع لكلّ من       ( يامنة ) و( الصفا ) في أدائهما الركحيّ على صعيد القصيدة بخاصة في لوحة الحلم التي كانت هي مفتاح العرض وبؤرة جماله ، مع إمكانية تفجير الصراع بين ثنائية ” الصفا ويامنة ” الأمر الذي سيمنح العرض متعة متجدّدة وإيقاعا من نوع آخر ، كما سيفتح أفق القراءة والنقد على أكثر من مستوى .

صفوة القول ، أن عرض ” الصفا ” وكعرض تراثيّ بإمتياز وعرض من القصيد الشعريّ المميّز ضمن مونتاج ممتع ، يمكن أن يكون مفتوحا على أكثر من بناء ركحيّ على صعيد الدراماتوروجيا والإخراج ، مع الإشتغال أكثر وأكثر على خيط الفعل الدرامي وتفجير صراع ثنائية “ الصفا و يامنة” لنقل الجمهور إلى مستوى آخر ، مع إمكانية النظر في قفلة العرض أو ختام العرض ليكون أفقا آخر متجدّدا من الإبداع ، دونما تناسي الكوريغرافيا لــ ” لحسن شريف ” التي وجب الوقوف عندها لتكون أكثر مرونة وأكثر إنسجاما مع القصيد الشعري وبعض لوحات العرض ، والتي قد تزيده جمالية ولمسة إبداعيّة ،  مع التأكيد على جهد المخرج ” أبو بكر الصديق بن عيسى ” الذي وفّق في أولى تجاربه الركحية وهو يشتغل على مسرحية القصائد الشعرية لقامة من قامات الملحون .

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.