{العرس الوحشي» والقراءة الوقائعية الجديدة – د . سعد عزيز عبد الصاحب #العراق

 

 

“العرس الوحشي” والقراءة الوقائعية الجديدة – د . سعد عزيز عبد الصاحب 

 ينتمي نص مسرحية (العرس الوحشي) للكاتب (فلاح شاكر ) لانطولوجيا واسعة من التقديمات العراقية والعربية خلال العقدين الاخيرين من عمر المسرح العربي وتم نشر النص المقتبس عن رواية الفرنسي (يان كيفليك) ـ الحائزة على جائزة الغونكور الفرنسية ـ بنفس الاسم عام 1998 عن دار الشؤون الثقافية العامة ، ولم يتم تقديم النص في فترة ما قبل التغيير السياسي في بلادنا انما قدم بكثافة عراقية وعربية ما بعد عام 2003 وقدم من قبل المخرج (احمد حسن موسى) عام 2006 في بغداد وسافر العرض الى الاردن ايذانا باشتغاله والتبشير به عربيا .. 
الا ان المستغرب ان كاتب النص الدرامي لم يشر الى مرجع نصه الروائي بعد نشر نصه المسرحي وكذلك كل الذين قدموا النص مسرحيا في حين ان الرواية وسرديتها كانت ماثلة وبقوة داخل النص الدرامي حكاية وايقاعا وشبكة علاقات .. وهذا الامر يحيلنا لازمة المرجعيات النصية والتناصات والاقتباسات التي لا يشير اليها الادباء والفنانون غالبا في عروضهم المسرحية ومانشيتاتهم
 الفنية.

القراءة المحايثة 
حاول المخرج الشاب (جرير عبد الله) في تعالقه مع نص مسرحية العرس الوحشي ان ينتج نص عرض متشظي الشخوص والحوار فالشخصيتين الاصليتين في الرواية وفي نص (شاكر)(الام والابن) تم تحويلهما الى اصوات سردية متعددة للتخلص من الرتابة السردية والواحدية الصوتية (المونولوج) في النص الادبي ببوليفونية متعددة الالوان والاصوات والازمنة حيث قسم المخرج الشخصيات الى ام وابن صغيرين بالعمر وام وابن كبيرين وبذلك انفتح المخرج وساح في زمنين افتراضيين الاول يقع في الماضي (زمن الحادثة ) ـ حادثة الاغتصاب ـ والثاني زمن حاضر مضارع ، انتج هذا الشطر مونتاجا فنيا وجماليا على صعيد المعالجة الفنية للغة والايقاع والميزانسين  اشبه بالشريط الخام السينمائي وهو يدخل غرفة المونتاج .. مع الابقاء على شخصية المغتصب (اخضر العينين) وقام بادائها المخرج ابدع اداء  ـ جاثمة على صدر الام في كلا الزمنين ..

كل ذلك الشغل الاجرائي لانتاج نص عرض مختلف اسفر عن تحويل الفعل المضمر والساكن للشخصيات داخل النص الدرامي الى فعل ديناميكي متحرك في نص العرض ، فالقراءة المحايثة والواعية للمخرج ادت الى انتاج نص عرض وقائعي اسقاطي على اللحظة الزمنية الراهنة ـ سياسيا واجتماعيا ـ وهنا وقع التعابر الزمني للنص في القراءة الاخراجية الجديدة متكئا على صيرورة فضاء بصري سيال يستمد من الواقعة (واقعة الاغتصاب) طاقته الدلالية ، فالغابة الدموية في الرواية الاصل تركت اثارها على سينوغرافيا العرض في ضوء توظيف المهد او سرير الطفل وكأنه جذع شجرة مقطوع ـ المهد الذي تحرك فيه وخرج منه طفل السفاح الذي يحاول كأوديب الاغريقي ان يقتل اباه لكنه هنا يحاول ان يقتل امه ، فيتفجر الدم كأنه دم المشيمة والبكارة وفساد تلك العلاقة بين الام وولدها المشوه الذي اخذ يعيش زمنين للواقعة زمن الطفولة المهدور وزمن الرجولة القلق والملتبس في البحث عن كينونته ووجوده وحريته ..

ان القراءة السياسية للمخرج واضحة لا مجال لانكارها في ان التغيير السياسي ولد طفلا مشوها ينذر بكارثة اطفال سفاح اخرين كيف سيتعاطى معهم المجتمع وكيف ستحتويهم البيئة ثقافيا ونفسيا ؟؟، انه سؤال اشكالي خطير نتج عن القراءة الاخراجية الواعية التي تعكس مدى تماهي العرض مع التاريخي والوقائعي اليومي في اللحظة نفسها ، ساهمت القراءة السيميائية للعلامات في توليد دلالي مكتنز في ضوء التحولات الدلالية للعلامة فالمهد في تحوله الى بطن امرأة والى قضيب ذكري والى مخبأ ومذبح للقتل واسرة عديدة تتناسل لاطفال سفاح …فهل نقتل ونطلق الرصاص على طفل الخطيئة هذا ام نتعايش معه ونعيد انتاجه ذهنيا ونفسيا ؟ 
جماليات الأداء المنشطر

اسعفت التشظية للشخوص التي اجراها المخرج بإيجاد ميزانسينات حركية وادائية صوتية وجسدية متناظرة ومتقابلة لم يستطع العزل الضوئي الضعيف في انتاج جماليات بصرية للصورة المسرحية من خلال الاستقلال الضوئي في بقع واضحة ـ وذلك للضعف التقني في مسرح العرض ـ انما جاءت روعة اداء الممثلين لتغطي على النقص التقني في العرض بأداءات داخلية عميقة  ، فقام الممثل (زكي عبد القادر) بتشخيص دور الابن الماض بأداء مسترخ وصوت واضح وانفعالات جوانية مسيطر عليها ، والممثلة (بسمة ياسين) التي ادت دور الام في الماضي .. الام المكبلة بطفل الخطيئة بتحولات ادائية ونفسية مقنعة وصوت مسرحي واضح وقوي وقد تلبست كاركترا صعبا لم تحد عنه عندما تحولت الى ام عجوز طاعنة في السن تجر اسمال الخطيئة ..وايضا لا يمكن نسيان اداء الممثلة (هند البياتي) في ادائها لدور الام المضارع ، بحضورها المتوثب وقدرتها في الافصاح عن خلجاتها واضطرابها النفسي وخوفها من فعل الاغتصاب وفجيعتها المرة الا انها افتقدت في بعض الاحيان لوضوح الصوت في مناطق محدودة ، ولا يمكن التغاضي عن اداء المخرج والممثل (جرير عبد الله) في ادائه لدور الابن المضارع والمغتصب اخضر العينين بتحولات وفرز ادائي مقنع ما بين الشخصيتين صوتيا وجسديا امتلك قدرة طاغية على الاسترخاء والنفاذ الى وعي المتلقي والسيطرة والتحكم بأدواته التمثيلية مثلما ابدع إخراجيا .
——————————————————
المصدر : الصباح – مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …