«الدراماتورج».. لغز المسرح العربي الراهن

الشارقة: محمدو لحبيب

من بين المصطلحات المسرحية التي ما زالت تشكل لغزاً عصي التحديد في العالم العربي على الأقل، مصطلح الدراماتورج، فلا أحد يمكنه إعطاؤك تعريفاً دقيقاً جامعاً لوظيفة ذلك الشخص الذي يسمى دراماتورج، فهو أحياناً من يضطلع بمهمة التقريب بين الكاتب والمخرج، لكي يعد نصاً مسرحياً أدبياً، ويجعله قابلاً للعرض ومهيأ لسلطة المخرج وتوظيفاته التقنية، لكنه أحياناً أخرى يظهر بمعانٍ مختلفة، فتارة تجده أقرب للمستشار الفني، وتارة أقرب للناقد المسرحي، وأخرى هو مدير الفرقة.. وهكذا.

هذا الغموض أو عدم التحديد، لم يأت صدفة إلى مسرحنا العربي؛ بل هو وليد الترجمات الأولى للمصطلح من المسرح الغربي، وأكثر من ذلك هو وليد ضبابية المصطلح في المسرح الغربي نفسه وتحديداته الفكرية.

ففي الوقت الذي يؤكد فيه معجم أكسفورد أن الدراماتورج يعني موظفاً محترفاً في‮ ‬عالم المسرح تستعين به ‮الفرق‮ ‬بشكل رئيسي‮ ‬للقيام بأبحاث أو لتطوير النصوص المسرحية،‮ فإن «وظيفة الدراماتورج بمفهومها الحديث عند «جوتلد ليسنج» الكاتب المسرحي الذي عاش في ألمانيا في القرن الثامن عشر، والذي كان من أوائل من صاغوا المصطلح، تتمثل في تصنيف النوعيات المختلفة من النصوص، ومناقشتها ودراسة العلائق التي تربط بينها، والأساليب المتنوعة لكتابتها.

ومع ظهور هذا المسمى في المسرح العربي الحديث، وانتشاره في المغرب والمشرق العربيين، كان لا بد من طرح التساؤل: هل حقاً يوجد دراماتورج عربي؟، أم إن الأمر مجرد اقتناء لمصطلح فارغ من معناه، وتوصيفه في إطار العملية المسرحية؟.

«الخليج» طرحت هذا التساؤل في استطلاع على مجموعة من الأكاديميين والمخرجين المسرحيين، وحاولنا الخروج من معمعة ذلك الجدل المصطلحي وتحديد أين ومتى وجد الدراماتورج في مسرحنا العربي.

الأكاديمي العراقي والباحث وأستاذ المسرح في كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة الدكتور عبد الكريم عبود، يرى أن العجز عن تحديد المصطلح انطلاقاً من الأدبيات المسرحية الغربية، خلق حالة من العزوف عنه في بعض مناطق العالم العربي وخصوصاً في المشرق. ويؤكد عبود أن الحال بدأ يختلف خصوصاً في المغرب العربي، فقد اهتموا بالبحث الأكاديمي حول الموضوع، وإن كانت تجربتهم البحثية حوله ما زالت في بداياتها.وأكد الدكتور عبود أنه حسب تجربته الشخصية لا يرى أن الدراماتورج موجود بمعناه الحقيقي كوظيفة في المسرح العربي وقال: «حين أقرأ في مختلف الترجمات، فإنني أرى الدور الفائق والمهم للدراماتورج في مسرحنا العربي، لكن على المستوى التطبيقي لم أشاهد حتى الآن، من يمكن أن يتصف بتلك الصفة وتلك الوظيفة في مسرحنا العربي».

الباحث الجزائري في الفنون المسرحية عبد الناصر خلاف، تساءل عن جدوى إعادة الحديث عن الدراماتورج حالياً في المسرح العربي، حيث أكد أنه من المفترض أن الدراماتورج كوظيفة معروف منذ القرن التاسع عشر بشكل جلي وواضح، وقال: «وظيفة الدراماتورج لا ينبغي أن تكون محاطة بكل هذا الغموض في مسرحنا العربي، فهي تعني مساعدة الممثلين في فهم النصوص المسرحية التي يشتغلون عليها، وكذلك البحث التاريخي والسياسي والاجتماعي حولها، وحول حياة الكاتب، والمساعدة في الاشتغال على النص نفسه من حيث الإضافة أو غير ذلك».

المخرج المصري طارق الدويري، رئيس فرقة المخبر المسرحية، يرى أن فكرة الدراماتورج ظهرت من الاشتغال على الترجمات للنصوص الكلاسيكية المسرحية العالمية، بهدف تقريبها للناس.

وأكد الدويري أن الضبابية في المصطلح وعدم وضوحه ناتجة عن استسهال وظيفته، وقال: «أصبح لدينا في مسرحنا العربي نوع من الاستسهال في التعامل مع وظيفة الدراماتورج، كل من يغير كلمتين في النص يطلق عليه هذا المصطلح، وهذا أدى إلى تمييع الوظيفة والمصطلح».

وشدد الدويري على أنه توجد نماذج مشرقة في وظيفة الدراماتورج، وهي أولئك الذين يشتغلون على النصوص العالمية من منطلق جديد.

ولا يتفق الدويري مع القائلين بعدم وجود الدراماتورج في العالم العربي ويؤكد قائلاً: «طبعاً يوجد دراماتورج في مسرحنا العربي، لكن ثمة مراهقة فكرية ونرجسية تظهر أحياناً في الصراعات بين الدراماتورج والمخرج مثلاً، وهو ما يُغيب ذلك المفهوم».

الباحث والدراماتورج المغربي كمال خلادي، يؤكد أن المصطلح مازال محاطاً بكثير من الضبابية، ويؤكد أن ذلك شيء طبيعي ناتج عن غموض في الترجمة العربية، وقال: «حتى ولوقلنا إنه ليس هناك دراماتورج حقيقي في المسرح العربي، فيمكننا أن نؤكد أن ثمة وعياً متزايداً حول المفهوم وحول الحاجة إليه، فمثلاً العودة إلى الموروث المسرحي القديم تتطلب وجود شخص يقوم بتكييف الموضوعات القديمة مع الزمن والفكر المعاصر، ومن هنا التدخل الأول للدراماتورج، كذلك فهو يتدخل في ما نسميه الكتابة المسرحية الجديدة، أو ورش الكتابة المسرحية، وهو الوسيط بين الممثلين والمخرج، وهو الذي سينظم الارتجال الذي تقوم عليه تلك الطريقة الحديثة في بناء النصوص من خلال الورشات على الخشبة».

ويشدد خلادي على أن هناك فعلاً ممارسون لمهنة الدراماتورج في العالم العربي، لكن من يقومون بذلك هم كتاب المسرح. ويقول: «أنا عن نفسي أشتغل ككاتب مسرحي ولكن أحياناً أشتغل كدراماتورج مع بعض الكتاب المغاربة الآخرين، وهذا يفرض مساحة اشتغال خاصة، وهي أن أحاول تجسير المسافة بين المخرج والكاتب».

ويتفق خلادي مع الفكرة التي تقول إن الدراماتورج ما زال وظيفة محدودة، وغير محددة، وتوجد في بعض المناطق العربية دون أخرى، ولكنه يشدد على أنه بات موجوداً ككائن مسرحي مهما كانت صفته.

www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …