“الثغرة”.. مسرحية يفكك أبطالها الحلم الأميركي – أبو بكر العيادي

من مسرحية “الثغرة” إخراج الفرنسي تومي ميليو

“الثغرة”.. مسرحية يفكك أبطالها الحلم الأميركي – أبو بكر العيادي

يواصل المخرج الفرنسي تومي ميليو استكشاف النصوص المعاصرة منذ تأسيس فرقته مان هاست عام 2014، وقد اختار هذه المرة مسرحية “الثغرة” للأميركية ناومي والاس، التي تفكّك الحلم الأميركي من خلال تراجيديا معاصرة أبطالها أربعة مراهقين.

ناومي والاس من الجيل الأميركي الجديد في التأليف المسرحي وكتابة السيناريو، وهي إلى ذلك مناضلة من مناضلي حقوق الإنسان وخاصة حقوق الشعب الفلسطيني. تعيش بين مسقط رأسها في كنتوكي ويوركشاير في بريطانيا. من أعمالها في السيناريو “كلاب الحديقة” الذي فاز بالعديد من الجوائز في أكثر من مهرجان أوروبي، وكذلك “أولاد الحرب”.

أما في المسرح فمن أعمالها التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية “في قلب أميركا”، “على جسر بوب ليك”، “خريطة الزمن”، “ثلاث رؤى عن الشرق الأوسط” و“الثغرة” التي أخرجها تومي ميليو وعرضتها مؤخرا فرقته مان هاست.

وتدور أحداث مسرحية “الثغرة” بين مرحلتين، 1977 و1991 ما يجعل المَشاهد تتناوب بين الماضي والحاضر، مع تناوب في الأدوار أيضا. تلك الأحداث يقع الكشف عنها تدريجيا، ولكن بين كشف وكشف، وكذب وسهو، يشهد المتفرّج إعادة صناعة المأساة. كلّ ما به تُصنع الكارثة تمّت الإشارة إليه منذ المشهد الأول، ولكن المتفرّج يكتشف ذلك بعد أن قضي الأمر، حيث كل ما كان في الإمكان تفاديه حدث وكأنه خاضع لحتمية محدّدة.

عام 1977، كان أكتون وأخته جود يعيشان مع أمّهما في بيت صغير، بعد وفاة ربّ الأسرة إثر وقوعه من فوق عمارة بسبب حزام أمان تالف، حاول المراهقان إعادة بناء حياتهما.

كان أكتون يواجه صعوبات في المعهد حيث غالبا ما يتعرّض للمضايقة والاعتداء، فاضطر إلى ربط علاقة مع ولدين يكبرانه قليلا هما فراين وهوك، وقطع الثلاثة على أنفسهم عهدا يقضي بتضحية كل واحد منهم بأنفس ما لديه ليُثبت وفاءه للآخرَين.

ولما كان أكتون أصغرهم وأفقرهم وأكثرهم هشاشة لم يجد ما يقدّم لصديقيه سوى أخته، وإذا بذلك العهد يؤدّي إلى اغتصابها هي وموته هو. وفي عام 1991، يلتقي أبطال هذه الدراما لتصفية تركة الماضي.

أربع عشرة سنة مرت في هذه البلدة الصغيرة من ولاية كنتوكي، ولم يتغيّر تقريبا أي شيء، على الأقل ذلك ما يتخيله فرين وهوك. كبر الجميع، وانتقل الصديقان من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد. وكان لموت صديقهما أكتون أثر على قرار أخته جود بالعودة إلى مسقط رأسها. جود المتمرّدة لا تزال تبهرهما رغم الثغرة التي تحملها طي جوانحها، وأشباح الماضي التي لا تني تعودها لتختلط بكوابيس الحاضر.

في هذه المسرحية، تطرح ناومي والاس مسألة الرضى في عمليات الإغراء زمن المراهقة، وتحفر في الماضي لتثير تأرجحا بين الشك واليقين، إذ تروي حكاية مؤلمة وكونية يخالف فيها مصير أبناء العمال مصير أبناء النبلاء، حيث تؤدّي الحتمية الاجتماعية إلى أن يظل الأوائل فريسة للأواخر.

من مسرحية “الثغرة” إخراج الفرنسي تومي ميليو

هي حكاية مجموعة من المراهقين يجدّون لتحقيق وجودهم، كما يفعل أندادهم في هذه المرحلة المعقدة من العمر، حيث تسود مسائل الجنس والهيمنة والرغبة والإغراء والحب والصداقة والإدمان والجسارة والتباهي في صلف واعتداد.

بنيت المسرحية على مراوحة بين مرحلتين 1977 و1991، حسب رغبة المؤلفة التي أرادت توزيع أدوار الشخصيات الأربعة على ممثلين مختلفين، لأن الفرد يتغيّر بطبيعة الحال بعد أربع عشرة سنة من حيث تكوينه الفيزيولوجي جسدا وصوتا وحركات.

وقد درج تومي ميليو على إيلاء بناء الفضاء الركحي نفس الأهمية التي يوليها للتمثيل والضوء والصوت وإن بدت السينوغرافيا هنا بسيطة لا تتعدّى بلاطة خرسانية، ولكنه اختارها كفضاء محسوس يلتقي فيه الشبان. فالخشبة تبدو خالية ضعيفة الإنارة مغشاة بضباب شفيف، يوحي بأن المكان قبو، أو فضاء خال، في مكان ما من ضواحي إحدى المدن، قد تكون كنتوكي مسقط رأس المؤلفة.

تتنقل ناومي والاس بين مرحلتين، لترسم شخصيات مراهقة جمحت بهم رغباتهم حين تحوّلوا إلى سن الرشد، لتقدم تراجيديا اجتماعية، وتندّد في الوقت نفسه بمصانع الأدوية التي شرّعت استعمال مخدر يعرف بـ”مخدّر المغتصِب”.

وتعالج من خلالها قضية الرغبة حين تستبد بالشباب، إلى جانب الهيمنة التي يتيحها الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لتبيّن كيف أن ممارسة الهيمنة والتسلط بين الأثرياء والفقراء تبدأ منذ الصغر، ولا يستطيع أبناء الطبقات الضعيفة الصمود إلاّ إذا كانت الشخصية قوية، قادرة على التمرّد، كما هو الشأن بالنسبة إلى جود.

وتُعالج أيضا قضية مختبرات الصيدلة ونفوذها الذي يتعدّى الجانب الاقتصادي ليمسّ الصحة العامة، والأفراد من خلال صناعة موادّ تبدو أدوية في الظاهر فيما هي في الواقع مخدّرات. فالمؤلفة تنطلق من الأجساد البشرية لتصف الجسد الاجتماعي.

يقول المخرج تومي ميليو “في الثغرة ثيمات كثيرة، كاستغلال جسد المرأة، وعنف مخابر الصيدلة والعلاقة بين الرجل والمرأة وفكرة الهيمنة الاجتماعية، ولكني لا أريد أن أمرّر رسالة. الإخراج بالنسبة إليّ ينبغي أن يَفتح أمام كل واحد طريقا شخصيا للنص والتخييل”.

أبو بكر العيادي – تونس
(العرب)

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

This will close in 5 seconds