البانتومايم.. حين يصمت المسرح

حركات صامتة، تحمل معاني رمزية، أدّاها الفنان الإنجليزي الشهير شارلي شابلن، وخطف بها قلوب المتابعين، لسنوات طويلة، هذا اللون من الفن يعرف بـ «البانتومايم»، ويطلق عليه أيضاً «الفن الصامت»، أو «فن الحركات الإيمائية»، والتسمية الإنجليزية Pantomime ذات أصل يوناني، فكلمة «Panto» تعني الانبهار و«mime» تعني يقلد. 

وفضلاً عن الريادة العالمية لشابلن، الذي يعرف بلقب رائد فن البانتومايم، ثمة فنانون عرب، باتت لهم شهرة كبيرة في هذا المضمار، مثل الفنان أحمد نبيل، والملقّب برائد فن البانتومايم في مصر، وفي العراق يوجد الباحث والممثل الإيمائي، أحمد محمد عبد الأمير، وغيرهما من الفنانين العرب.

وفي معجم مصطلحات المسرح والدراما لمحمود محمد كحيلة، يُعرّف فن البانتومايم بأنّه التمثيل أو التمثيل الإيمائي يستند إلى التعبير بالحركة أو الإيماءة، ووضعيات الجسد بعيداً عن الكلام؛ أمَّا في معجم مصطلحات الأدب لوهبة مجدي، يُعرّفه بأنّه فنّ يعتمد على الإيماءة والحركة دون الصوت.

وفي ديسمبر 2021، أعلنت جامعة ستانفورد شاير في بريطانيا، إطلاق أوّل شهادة من نوعها في فن البانتومايم، على أنّ يؤدي الدارس دراسته خلال عامٍ واحدٍ فقط، وسيكون أول عام دراسي في سبتمبر المقبل، وفقاً لموقع شبكة بي بي سي البريطانية.

وبحسب كتاب التمثيل الصامت: المفهوم والتقنية للباحث والممثل الإيمائي العراقي، الدكتور أحمد محمد عبد الأمير؛ فإنَّ الجمهور المعاصر، عرف التمثيل الإيمائي الصامت من خلال الأعمال السينمائية للفنان الإنجليزي: شارلي شابلن، والمعاصر مستر بن، وفي المسرح عبر: جان لوي بارو، إتيان ديكرو، مارسيل مارسو، جاك ليكوك.

علم

ويقول الفنان المصري أحمد نبيل، المُلقّب برائد فن البانتومايم في مصر، إنّه اعتزل تقديم فن البانتومايم منذ عام 2012 مع آخر عرض تم تقديمه، مؤكّداً أنَّ هذا الفن هو علم لا بدّ من دراسته.

ويضيف «نبيل» في تصريحات لـ«البيان»: «هذا الفنّ يحتاج إلى دراسات ثقيلة، فهو ليس فقط حركات وإنما هو علم نفس، وفلسفة، واجتماع، وتشريح أعصاب، وتشريح عضلات، ويوجا، فالفنان الإيمائي يجب عليه ممارسة جميع أنواع الألعاب الرياضية».

وأكّد أنَّ هذا الفن يجمع بين النظري والعملي، و«لا يوجد في مصر أو حتى الدول العربية معهد لفن البانتومايم، وبعض الدول الأوروبية فقط هي التي تهتم بهذا الفنّ».

ويشارك الفنان المصري في عدد من ورشات التدريب التي تُنفذ لهذا الفنّ في ألمانيا والنمسا، بالإضافة إلى ذلك فهو يشارك في ورش عمل لفن البانتومايم، ومهرجانات تحكيم لهذا الفنّ أيضاً.

تطور

على الجانب الآخر؛ يرى الباحث والممثل الإيمائي العراقي، أحمد محمد عبد الأمير، أنَّ فن البانتومايم بشكل خاص والمسرح الإيمائي بشكلٍ عام يتسع وينمو باستمرار في المنطقة العربية- على الرغم من أنَّ هذا التطور بطيء؛ إلا أنّه سيؤتي ثماره قريباً -وذلك لنمو الذائقة الجمالية المتعلقة بلغة الجسد والإيماءة والاطلّاع بشكل مباشر على التجارب العالمية، وتوافر المصادر والمراجع الحديثة العربية -رغم قلتها -والأجنبية المترجمة المتعلقة بلغة الجسد والتعبير الحركي.

ويشير «عبد الأمير» في تصريحات لـ«البيان» إلى أنَّ بعض المؤسسات التعليمية في الوطن العربي بدأت في إنماء القدرات التعبيرية والأدائية لطلبة الفنون، لذلك أضافت منهجاً يُدرَّب فيه الطلبة على هذا الفن في درس التمثيل الصامت، والبانتومايم، ودرس التعبير الحركي.

ويستشهد الباحث العراقي بدراسة حديثة تشير إلى أنَّ 90 بالمئة من لغة التواصل ما بين الشعوب متعلقة بلغة الحركة والإيماءة، و10 بالمئة فقط متعلّق بلغة الكلمة والصوت، في دلالة واضحة على انجذاب المتلقي المعاصر بلغة الإيماءة والصورة أكثر من لغة الكلمة، فيكون المتلقي أكثر ميلاً لهذه الفنون المتعلقة بلغة الحركة والإيماءة.

أسباب

ويرى أنَّ أسباب حالات ضعف الاهتمام بـ«البانتومايم» عربيّاً هي، أوّلاً: غياب دعم المؤسسات الفنيّة في رعاية المسرح الإيمائي وعدَّه نشاطاً إبداعيّاً أساسيّاً يعبر عن الوجدان الإنساني والعربي، ثانيّاً: ضعف استقبال المهرجانات العربية الرسمية لعروض البانتومايم في المشاركات الرسمية، ثالثاً: قلّة عدد الفرق العربية التي تتخصص بمثل هذه العروض، رابعاً: قلة الورش المتخصصة بفنّ البانتومايم، والذي يجعل أثرها ضعيفاً، خامساً: ما زالت التراجم والمطبوعات العربية شحيحة بالمقارنة مع غزارة المعروض في ما يخص الفنون المسرحية الأخرى.

وعدد «عبد الأمير» الأسباب التي من الممكن أن تُنجح فن البانتومايم عربيّاً، مشدداً على أنّ هذا الفن سيكون له شأن كبير في المنطقة العربية ويوجزها في: أوّلاً: إدراج مناهج التمثيل الإيمائي ضمن الدروس المتعلقة بفنون المسرح، ثانيّاً: ظهور أشكال أدائية إيمائية في المشهد المسرحي كـ«مايم خيال الظل»، و«مايم تماثيل»، ثالثاً: ارتقاء ذائقة المتلقّي العربي في مشاهدة وقراءة المشاهد الصامتة، رابعاً: وجود فعاليات دورية -على قِلّتها -للمسرح الإيمائي في المنطقة العربية منها «المهرجان الدولي للتمثيل الصامت» من فلسطين، «مهرجان العروض الإيمائية القصيرة» من العراق، خامساً: تأسيس فرق عربية معنيّة بالمشهد الإيمائي الصامت.

وأنهى حديثه بالقول: «المدرسة الغربية ما زالت مؤثرة في الأسلوب الأدائي للممثل العربي والبانتوماميم هو ابتكار المدرسة الفرنسية، على الرغم من امتلاك العرب لفنهم الإيمائي المعبّر عن ثقافتهم، ولكن لم يستمر وبقي من ضمن الموروث للثقافة العربية الشعبية القديمة، وحديثاً امتلك العرب تجارب إيمائية عبّرت عن الهوية الوطنية واحتياجات الناس».

إحباط

في مصر؛ عُرضت مؤخراً مسرحية هلاوس للمخرج محمد عبد الله على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، عن رواية «تاجر البندقية» لويليام شكسبير.

ويرى «عبدالله» في تصريحات لـ«البيان» أنَّ «قيمة عروض فن البانتومايم مختلفة تماماً في كل أنحاء العالم، حيث إنَّ اتجاهات مدارس المايم حاليّاً في العالم تصوّب سلاحها نحو المايم الإنساني وطبيعة العلاقات الإنسانية، فهذا الفنّ ليس مشهوراً في مصر، والبيئة المحيطة به محبطة لفناني المايم، وأنَّ هذا الفن هو الثاني بعد المسرح».

وعن أسباب عدم شهرة فن البانتومايم في الوطن العربي، علّل ذلك بـأنّ «الممثلين الصامتين يواجهون مشاكل إنتاجية كبيرة، واستضافات من المسارح كبيرة؛ ما يؤدي لإحباطهم وعدم رغبتهم في تقديم هذا الفن للجمهور»، مشدداً على أنَّ «العالم العربي يحتاج إلى الاهتمام بمدرسة تُدرّس فن البانتومايم»، واستشهد بمثالٍ على ذلك بقوله: «المايم في مصر -على سبيل المثال -ىفي المعهد العالي للفنون المسرحية يُدرّس كمادة في ترم واحد في سنة كاملة، على العكس في خارج مصر يُدرّس كمادة أساسية في كل أعوام الدراسة لزيادة إحساس الممثل بصمت شخصيته».

بذرة

فنان المسرح الصامت، والمخرج العراقي، منعم سعيد، قال إنَّ البانتومايم هو بذرة المسرح على الأرض، على حد وصفه، إلا أنّه شدد على ضرورة الابتعاد عن المسرح الغربي خاصّة مع وجود منذ قديم الأزال مسرح شرقي صامت في وادي الرافدين، ووادي النيل، والصين والهند، وأغلب الحضارات القديمة.

 

  • (القاهرة – مصطفى سيف)
  • https://www.albayan.ae/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش