أسئلة موجهة للمخرجيْن حسن هموش ومسعود بوحسين ضمن المحور الفكري: مساءلات علمية وعملية لتجارب مسرحية مغربية بمناسبة انعقاد الدورة 13 لمهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح- بالدار البيضاء من 10 إلى 16 يناير 2023 أ.د. مصطفى رمضاني

أسئلة موجهة للمخرجيْن حسن هموش ومسعود بوحسين

ضمن المحور الفكري: مساءلات علمية وعملية لتجارب مسرحية مغربية

بمناسبة انعقاد الدورة 13 لمهرجان المسرح العربي الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح           بالدار البيضاء من 10 إلى 16 يناير 2023

أ.د. مصطفى رمضاني

يسعني أن أساهم في هذه التظاهرة العلمية الذي تنظمها الهيئة العربية للمسرح مشكورة في إطار فعاليات الدورة 13 لمهرجان المسرح العربي الذي أقيم بمدينة الدار البيضاء من 10 إلى 16 يناير 2023. وتندرج هذه المداخلة ضمن المحور الفكري الخاص بمساءلة بعض التجارب المسرحية الخاصة بمخرجين مغاربة. ويسعدني أن أتناول بالمساءلة العلمية تجربة كل من الفنانين الأستاذ حسن هموش والأستاذ مسعود بوحسين. وبما أن الأمر يتعلق بمساءلة، فلن أخوض في عملية الاستعراض النقدي ذي الطبيعة النظرية، وإنما سأقف عند بعض القضايا ذات الطبيعة العملية في المنجز المسرحي لدى المخرجين معا، وسأقدم بعض الأسئلة التي أراها كفيلة باستكشاف مناطق خفية أو غير واضحة في صيرورتهما الإبداعية، وإثارة بعض الأمور التي أعتقد أنها بحاجة إلى توضيح أكثر. وتلك هي الغاية من المساءلة: أن ندعو المخرجيْن معا إلى الكشف عما ما نتصور أنه بحاجة إلى إضاءة أو تفسير أكثر. والغرض من وراء كل ذلك هو التعريف بتجربتهما قد الاستفادة منها، أو إثرائها بالنقاش العلمي الرزين خدمة للمسرح العربي والمهتمين به.

أولا: أسئلة موجهة للفنان حسن هموش:

1- نلاحظ أنك على غرار أغلب المخرجين من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي تتكئ على نصوص مقتبسة لإنجاز عروضك المسرحية. وغالبا ما تكون تلك النصوص لكتاب غير عرب. وهذا واضح بشكل جلي فيما قدمته من عروض لحد الآن. فإلى أي شيء يعزى هذا إلى الاختيار الذي كاد يكون مشتركا بين خريجي المعهد؟

فإذا كان هذا اختيارا جماليا بالفعل، فهل يشكل ذلك قاعدة أو اقتناعا عاما عندكم، أم هو مجرد صدفة، علما بأن نسبة الصدفة قد لا تتحقق بمثل هذه الحجم اللافت ولا تتكرر بشكل متواتر. من هنا يجوز لنا أن نتساءل عن السر وراء هذه العملية. وقد يذهب الظن ببعض الناس إلى اعتبار عملية اللجوء إلى نصوص مسرحية لمؤلفين غربيين مشهورين عادة من أمثال موليير، وشكسبير، وبيكيت، ولوركا، و بريخت، وبيرانديللو وداريو فو وغيرهم… مجرد عملية احتماء بتلك الشهرة لإعطاء مشروعية النجاح للعرض. وبذلك يصير الأمر وكأننا نفرض على المتلقي تأثيرا قبليا، إذ قد نوهمه بأن هذا العرض سيكون جيدا استنادا إلى ما يمثله المؤلف الأصلي من سلطة معنوية على ذاكرته الثقافية والفنية؟ وهذا لا يلغي ما قد يملكه المخرج أيضا من قوة التأثير فيه بدون شك إذا كان قادرا على ذلك بالطبع.

2- وتبعا لذلك، نتساءل: لماذا هذا العزوف عن النصوص المغربية والعربية؟ أهي عاجزة عن الاستجابة لأفق اختياراتكم الفنية والفكرية، أم تعتقدون أنها أقل مستوى من النصوص الغربية التي تتوسلون بها، علما بأن هناك مؤلفين مسرحيين عربا يضاهون زملاءهم الغربيين، بدليل أن نصوصهم تعرض في مختلف أركاح المعمور، وتحظى بالمتابعة والتقدير والإعجاب أيضا؛ وكثير منها يحصد جوائز تقديرية في مهرجانات دولية: أي أن عملية التلقي تتم بشكل عادي ومقبول وجيد أحيانا. وهي الغاية التي يتوخاها أي مبدع فيما نتصور. لذا فما المبرر الحقيقي وراء تلك الكثافة من الاقتباسات من المسرح الغربي؟

3- وموازاة للنصوص المسرحية، ـ وإذا كان لا بد من الاقتباس ـ، فلماذا لا تلجأون إلى الاقتباس من إبداعات عربية غير مسرحية في أصلها مثل النصوص الروائية والشعرية والحكائية وتعملون على مسرحتها؛ وقد قام بذلك بعض كبار المخرجين مغاربة وعربا، بل وأجانب أيضا؛ وقد فعل ذلك عل سبيل التمثيل لا الحصر الطيب الصديقي في المغرب، وروجيه عساف في لبنان، وعز الدين المدني في تونس وغيرهم… فهل هذه الإنتاجات العربية لا تستجيب هي الأخرى لاختياراتكم الفنية والفكرية؟ أم أنكم تعتبرونها أقل إبداعية ونضجا مما ينتجه الغربيون.؟

4- وهنا قد نستحضر فكرة وهم المركزية الغربية. وهو الوهم الذي ما زال يمثل سلطة قائمة الذات في وعي كثير من المثقفين العرب، وفي لا وعيهم أيضا بشكل صريح أو ضمني ـ ناهيك عن وعي الإنسان العادي ـ، علما بأن بعض كبار المخرجين والمنظرين الغربيين أنفسهم قد شككوا في وهم تلك المركزية الغربية، وثاروا عليها بالعودة إلى التراث الشرقي وتمثلوه في تجاربهم، على نحو ما قام به برتولد بريخت، وأطونان أرطو، وبيتر بروك، وأوجينيو باربا وغيرهم…فهل بات مخرجونا العرب ـ والمغاربة على رأسهم ـ أكثر تعلقا بتلك المركزية من أولئك الغربيين؟

ولئك الغربيين أنفسهم

 5- وقد يجرنا هذا الأمر إلى استحضار إشكالية أعوص وأخطر، كان قد أثارها بعض المستشرقين وتبعهم في ذلك بعض الكتاب والمفكرين العرب أنفسهم ، وأعني بها الإشكالية التي تقول بعجز العقلية العربية عن التجريد، ومن ثم العجز عن كتابة نصوص ذات طابع موضوعي ومنها النصوص الدرامية. وهو الحكم الذي اتكأ عليه هؤلاء للقول بغياب الظاهرة المسرحية في الثقافة العربية القديمة. وفي هذا السياق قد يذهب بعض الناس إلى الاعتقاد بأنكم تقرون هذا الحكم، وإلا فلماذا تعتمدون على نصوص غربية أو تقتبسون منها وتتحاشون النصوص المسرحية العربية الخالصة، أو ما هو قابل للمسرحة من النصوص غير المسرحية ولكنها غنية بخصوصياتها الدرامية؟

6- ومن الأمور اللافتة في أعمالك المسرحية كذلك، أنها تجمع بين الأسلوب الطاغي لدى بعض خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بتركيزه على الجانب التقني والحضور السينوغرافي على وجه الخصوص، وبين  الخطاب المسرحي الذي كان مألوفا عند مبدعي الهواة، ولاسيما عند بعض الفنانين المسرحيين المتميزين بمدينة مراكش من أمثال محمد شهرمان، وعبد العزيز الزيادي، والمختار الملالي، وعبد الكريم بناني. وهو الخطاب الذي كان يعتمد لغة شاملة، يحضر فيها الحوار المسجوع والغناء والرقص والنكتة والأزياء المثيرة، والمعمار المحلي، فضلا عن جودة التشخيص والأداء.

والحق أن كثيرا من أعمالك نجحت في الجمع بين الحسنيين. فهل يمكن القول بأنك تَدين إلى تجربتك في مسرح الهواة، فضلا عما استفدته من تكوينك الأكاديمي في المعهد؟ أقول هذا لأني أعتقد أن كثيرا من خريجي المعهد ربما لم يمارسوا المسرح في إطار مسرح الهواة بشكل واضح ومنتظم.

7- هذا السؤال يجرني إلى سؤال آخر مفاده حضور ما أسميه بتقنية “المجدوبية” في جل أعمالك المسرحية. وأنا لا أقصد مفهوم “الجدبة” الذي لها علاقة بمجال الصوفية، وإنما أقصد الحضور الواضح لخطاب المجاديب سواء على مستوى النصوص، أم على مستوى الأداء اللغوي والملفوظات، أم على مستوى الملابس والألوان والأكسسوارت، فضلا عن المتْح من بعض أساليب التراث الشعبي، كالمُلح، والنكت، والحكم، والمواويل، والتعابير المسكوكة، وكيفية تأثيث الفضاء على المستوى السينوغرافي من أشكال هندسية تقليدية، ومادة بناء الجدران والستائر، وألوانها الرمادية، ونحو ذلك مما يقربنا من الأفضية الشعبية التقليدية بأسوارها ومعالمها التراثية.

 8- وما دمنا بصدد الحديث عن سلطة المكان، ألاحظ أن مدينة مراكش تفرض عليك سلطتها ولو بشكل خفي في كيفية بناء عروضك المسرحية. فهي حاضرة بهذا الأسلوب الذي أشرت إليه، وحاضرة بأعلامها المسرحيين من خلال وضوح بصمات بعض مخرجيها، ولاسيما المخرجين عبد العزيز الزيادي وعبد الكريم بناني، وحاضرة أيضا بتراثها الشفوي من خلال فن الملحون كما هو واضح مع الشاعر الشعبي المرحوم سيدي قدور العلمي، و بالكوميديا الشعبية المرحة التي تطبع الثقافة المحلية لأهل مراكش عامة، وكذا الأغنية الغيوانية التي تظهر بصماتها بشكل واضح في كثير من عروضك، خصوصا تلك التي يحضر فيها الطابع الغنائي على غرار مسرحية “كيد الرجال”، و”ناكر لحسان”، و”حراز عويشة” وغيرها. والملاحظ أن حتى عناوين بعض هذه الأعمال تستلهم عناوين أغاني المجموعة الغيوانية الشعبية جيل جيلالة مثل “سرّح مسجونك”، و”دارت بنا الدورة”، و”ناكر لحسان” وهكذا… فالذاكرة الغيوانية تؤثث أعمال حسن هموش كما تؤثثها ذاكرة مراكش بحضارتها المتنوعة المشارب. وكأنك بكل ذلك تلح على ترسيخ ما تسميه بـ”الأقلمة”. فهل لسلطة المكان بكل فضائه العمراني والثقافي والفني أثر على تلك الأقلمة؟

9- وهل يعتقد الفنان حسن هموش أنه نجح في ترسيخ فعل “الأقلمة” كما كان يحلم دوما؟ كيف ذلك؟ وما تجلياتها في عروضك المسرحية؟

10- ثم ألا يمكن اعتبار هذا الطموح نحو ما سميته بالأقلمة امتدادا للتجربة المسرحية المراكشية بشكل عام سواء في مرحلة الهواية أم في مرحلة الاحتراف؟

 11- وأخيرا، هل يؤرخ المخرج حسن هموش لطريقة إخراج عروضه المسرحية ويوثقها في كنانيش أو دفاتر تقنية على غرار ما هو معهود لدى كبار المخرجين في العالم؟

 ثانيا: أسئلة موجهة للفنان مسعود بوحسين:

1-نلاحظ أنك لا تلتزم برؤية فنية واحدة في عروضك المسرحية يمكن أن تسهل على المتفرج إدراجها في مدرسة أو تيار واحد. بمعنى أنك لا تلتزم باتجاه فني يوحد أعمالك. فهل هذا التنوع مقصود لغرض تجريب حساسيات فنية مختلفة بحثا عن النموذج الذي تطمح إليه وقد تستقر عليه، أم هو اقتناع فني تمليه عليك خصوصية العمل؟

2- غالبا ما تردد مقولة “أن تُخرج هو ألا تُخرج”. وهي مقولة قد نفهم منها أن كل شيء عندك خاضع للتلقائية. فهل هذا يعني أن لا تعتمد على رؤية فنية واضحة قبلية قبل الشروع في إنجاز العرض. إذا كان الأمر كذلك، فكيف تختار النصوص والممثلين والسينوغراف والفضاء وغير ذلك مما يؤثث العرض في كليته، علما بأن هذا الاختيار أساسي في أي تصور سينمائي أو مسرحي؟ بمعنى أنه لا مجال للحديث عن التلقائية أو الصدفة؟.فهناك ما يسمى بالكاستينكَ واختيار البلاطو في السينما، وهناك عملية الملاءمة في العمل المسرحي: أي اختيار ما يلائم العرض من حيث الممثلون والفضاء وما يرتبط بالجانب السينوغرافي عامة، كل ذل في سياق ما ينسجم مع النص المسرحي طبعا. أي لا مجال للحديث عن التلقائية الكلية وإلا سقط العرض في الفوضى، وبذلك تغيب ما نسميه بالهرمونيا التي هي أساس جمالية العرض.

3- في بداية مسيرتك المسرحية كنت أكثر ميلا إلى العقلانية. ويبدو أنك فهمت فيما بعد أن عملية الإخراج ليست مجرد تكنيك ومعرفة علمية، وإنما هي بالأساس عملية ذاتية. وهنا نطرح مسألة الإبداعية الحق. فهي تقتضي الأمرين معا: الموهبة التي هي خاصية ذاتية، والعلم التي هي خاصية موضوعية. فإلى أي جانب تميل أكثر؟ وهل تعتقد أن الجانب الذاتي كاف لتوفير فرجة مسرحية ناجحة؟ والعكس صحيح، هل تعتقد أن امتلاك التكنيك والمعرفة المسرحية كافيان لتحقيق ذلك أيضا؟

4- حين كنتَ طالبا تدرس المسرح في رومانيا، انتبهت إلى أن عملية الإخراج عملية جماعية. وإذا كان الأمر كما تتصور أتساءل: ما وظيفة المخرج في نظرك؟ أهي مجرد تنسيق بين عناصر العرض البشرية والتقنية؟ وما حدود تدخله في تلك العناصر ليكون فعلا هو المخرج الحق الذي ينعكس تصوره وفكره وموقفه الفني في العرض؟ وكيف تتحقق رؤيته الخاصة من خلال البعد الفكري والجمالي معا؛ وهما فيما نرى من أهم الأبعاد التي تمنح المخرج فرادته وتعكس رؤيته للعالم في سياق ذلك العرض؟

5- تنطلق في تجربتك المسرحية من موقف أساسه أن العرض المسرحي في شموليته تجربة جمالية قوامها الإدراك الحسي. فهل هذا كاف لتحقيق الأثر عند المتلقي. والأثر ثلاثي الأبعاد كما نعلم: أثر معرفي وجمالي وفكري. وما الإدراك الحسي إلى مرحلة من مراحل الإدراك عند المتلقي لا يتجاوز الإدراك المعرفي، وقد ينتقل أحيانا إلى الإدراك الجمالي، ولكنه لا يصل إلى الإدراك الفكري، علما بأن هذا المستوى الأخير من الإدراكات الثلاثة يعتبر في نظري من أهم الغايات التي يتوخاها كل عمل فني. من هنا نتساءل ألا يحول الوقوف عند الإدراك الحسي دون تحقيق الغاية الحقيقة في مسألة التلقي عامة؟

6- وفي هذا السياق نسجل أن أغلب عروضك المسرحية تميل إلى المسرح الكلاسيكي، ولا يحضر فيها هذا الجانب الجمالي بشكل مكثف كما هو الحال عند كثير من المخرجين الذين يمثلون ما يسمى بـ”الحساسية الجديدة” من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. ما سبب ذلك؟

7- وضمن هذا التوجه الكلاسيكي العام يحضر المسرح الاجتماعي الكوميدي بشكل لافت في كثير من عروضك المسرحية. وهذا ما يتضح من خلال إخراجك لبعض نصوص المرحوم أحمد الطيب العلج مثل “النشبة” و”لهواي قايد النساء”، وكذا “ضيف الغفلة” لحسن هموش، و”هنا طاح اللويز” وغيرها. هل هذا التوجه الاجتماعي الكوميدي هو امتداد لاهتمامك بالتجربة الكوميدية التي انشغلت بها في بحثك الأكاديمي؟

8- وفي مقالب ذلك نسجل أنك من خريجي المعاهد المسرحية بأوروبا الشرقية، فلماذا لا نلمس بوضوح أثر هذا المسرح في تجاربك المسرحية، ما عدا مسألة التركيز على تقنية الاندماج التي تعكس تجربة استانسلافسكي فيما يبدو؟ 

9- تتدرب أحيانا على عرض مسرحي وفق مكونات سينوغرافية قبلية، لكن قد يفاجأ الممثلون بسينوغرافيا مغايرة؟ ألا يؤثر ذلك على صيرورة العرض المسرحي؟ أو قد يوحي لنا بأنه من مساوئ إدارة العرض؟ وإلا فما جدوى حضور السينوغرافيا أثناء التداريب إذا كان الأمر كذلك؟

10- نسجل قلة حضورك أعمالك المسرحية في المهرجانات المسرحية العربية الكبرى. هل مرد ذلك إلى موقف شخصي أم أن تلك الأعمال لا ترشح لسبب من الأسباب، قد تكون فنية أو غيرها؟ فهل لك أن تكشف سر ذلك الغياب.

وشكرا للصديقين العزيزين على حسن الإصغاء إلى هذه المساءلة العلمية التي نتمنى أن تحقق غاية في الإفادة والاستفادة./.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش