لو كان المسرح حقدا لقتلته أو هجرته.. – يوسف الحمدان

لو كان المسرح حقدا لقتلته أو هجرته .
على هامش الغبار الكثيف للمختلفين مع الهيئة العربية للمسرح
بقلم : يوسف الحمدان

ما مر مهرجان للهيئة العربية للمسرح منذ انطلاقته وحتى الثاني عشر من عمره الذي تجلت ثمار نضجه في العاصمة الأردنية عمّان في يناير 2020 ، إلا وأثارت شلل المختلفين مع بعض أفراد إدارته ، بسبب أو دون سبب ، زوبعة غبارية كثيفة تعمي عيونهم قبل أن تطال ذراتها المزعجة عيون المشاركين في فعالياته ، ولو وقفت على أسباب هذا الهجوم الاختلافي العدائي والاستعدائي الذي تتبناه بعض المواقع الإلكترونية وخاصة في الفيس بوك والإنستغرام ، لرأيت أن المصدر الأساسي لهذه الزوبعة ، بجانب الاختلاف غير المبرر في الغالب مع بعض القائمين على إدارة هذا المهرجان ، هو عدم دعوتهم للمشاركة في المهرجان ، أو دعوة من يرونه بعيونهم المضببة أقل أهمية فنية وأكاديمية وإبداعية منهم ، وهي أسباب للأسف الشديد عقيمة وعابرة ، إذ قاطرة المهرجان مستمرة وإنجازات الهيئة العربية للمسرح تشمل كل المسرحيين في الوطن العربي بمن فيهم من اختلف مع الهيئة ذاتها ، فالهيئة العربية للمسرح ليست مهرجانات ودعوات فحسب ، إنما هي أكبر من ذلك بكثير ، فلماذا نستبطن الحقد والغل والبغض تجاه هيئة تعد هي الوحيدة في الوطن العربي التي تجمع المسرحيين كلهم وتمدهم بالدعم الباذخ في كل فعالياتهم وأنشطتهم بجانب احتياجاتهم الضرورية التي من شأنها أن تسهم في خلق بنى تحتية للمسرح تسهم في تنشيط الحراك المسرحي في وطننا العربي ؟

دعونا أيها المختلفون من اللغو الكثير والفائض والمجاني الذي لا يغني ولا يسمن من جوع ، ففي المسرح أشياء كثيرة تستحق أن نتوقف عندها إذا ما انطلقنا من كون المسرح حبا لا كرها ، علاقات خلق وإبداع تتجاوز حدود الرقابة المريضة في المسرح ، فدعونا نفعل ونتحاور بدل أن نشتم بعضنا وندخل في نفق لا خروج بعده إلا بشق الأنفس ، ولو كان المسرح حقدا لقتلته ، أو في أقل الخيارات هجرته ، المسرح لم يخلق للضباع والغربان ، خلق للحياة والطيور الحرة والفراشات الرهيفة والنبل وتعرية كل من يقف في وجه الحياة أو يريد بالإنسان شرا ، ففي اللعبة المريضة تكون العدوى بطلا لكل المواقف وفيروسا يفرح به أعداء المسرح والحياة ، فلا أحد غير

مدعو للمهرجان مادام إعلام الهيئة يوثق العروض والندوات والورش ويبثها مباشرة على الهواء، وأكاديمية الفنون الأدائية متاحة للجميع، والإصدارات المسرحية متاحة للجميع ولعل لبعض من اختلف مع الهيئة أن يتذكر جيدا بأن له نصيب من إصداراتها السنوية والمستمرة وتعرض في معارضها في كل مهرجان ومعرض كتاب يقام في الشارقة أو خارجها ، وجائزة التأليف المسرحي للكبار والشباب والأطفال بجانب البحوث العلمية متاحة أيضا للجميع بمن فيهم من اختلف مع الهيئة وانضم لقائمة مواقع التشهير الإلكترونية ، فعلام هذا الاختلاف ؟!

وكنت أتمنى أن أستمع لرأي واحد منكم في حوصلة المهرجان الأخيرة التي عقدت بعمّان ، إذ الكثير من الآراء والتوصيات الجريئة والتي وصل بعضها لمحاسبة الهيئة إذا لم تمتثل وتنفذ ما تم طرحه في هذه الحوصلة ، وكيف تقبلت الهيئة كل هذه الآراء الجريئة وبشفافية عالية تتجاوز حدود جرأة السخط المجاني الذي يصدر من مواقعكم الإلكترونية التي لم تحتفي يوما بمنجز مسرحي يسهم في وضع مسرحنا العربي في مقدمة الركب المسرحي الدولي مستقبلا .

علينا أن نعي جيدا ونثمن بأن الهيئة العربية للمسرح هي منجزنا المسرحي الأكبر والأشمل ، وفي كل مهرجان تقيمه أو تنظمه تعلن عن منجزات ما أحوجنا إليها اليوم أكثير من أي يوم مضى ، وهي منجزات يستفيد منها الكل ودون استثناء بمن فيهم المختلفين معها ، وآخر المنجزات إعلان الأمين العام للهيئة العربية للمسرح في الشارقة، الكاتب والمسرحي إسماعيل عبد الله، عن تأسيس “رابطة أهل المسرح”، والتي ستقوم عليها الهيئة بتكليف من الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح ، وهو حلم كما أشار عبدالله تحول إلى حقيقة ، بجانب إعلانه عن صندوق الرعاية الاجتماعية للمسرحيين، وهو مشروع يحمي كل الفنانين المسرحيين في الوطن العربي ويقف على أمورهم الاجتماعية والصحية ، فآتوني أيها المختلفون بهيئة مسرحية تضطلع بمثل هذه الإنجازات المسرحية والإنسانية المهمة ؟

وتخيلوا لو توقف مثل هذا الدعم ، فهل سنجد من يسعى حثيثا في أوطاننا العربية لتحقيقه ثانية ؟ معذرة فلربما كنت أخاطب المستحيل في هذه السانحة .

وهنا لا بد وأن أشيد بالجهد الكبير والملموس الذي اضطلعت به نقابة الفنانين الأردنيين برئاسة النقيب الفنان حسين الخطيب في مهرجان الهيئة لهذا العام ، فقد قدمت الكثير من أجل إنجاح هذه الدورة ، وكانت معنا وفي القلب ليل نهار ، وكانت عونا حقيقيا مؤمنا برسالة الهيئة العربية للمسرح التي تجمعنا كمسرحيين على الحب والخلق والإبداع ، فلماذا ننتقص من جهودهم عبر هذه المواقع التي وجدت لتثبيط الهمم ومحاربة الأحلام ونكران الجهود ؟

وأضيف سائلا بعض الأكاديميين والنقاد والأساتذة الأفاضل الذين انبروا خلف هذه المواقع : لماذا إطلاق أحكام القيمة على بعض العروض المقدمة في المهرجان وبشكل استفزازي بعيدا عن أي قراءة فاحصة وشاخصة ومفككة لتفاصيل وتضاريس خلقها وتكوينها وتجسيدها ؟ ما هي أسئلتكم النقدية على الوضع المسرحي الراهن في وطننا العربي والعالم ؟ لماذا نجعل من هذه المواقع بيئة آسنة يصعب أن يحيا فيها مسرح أو مسرحي ؟

لا تجعلوا أيها المختلفون مواقعكم الإلكترونية مكبات قمامة لكل من هب ودب ، ابحثوا عن سماء أخر .. سماء بيضاء .. عن حلم خارج القيد يتجاوز كل الأحلام الصغيرة المستهلكة ، فلا تجعلوا المسرح آخر همكم ، ولي أن أستشهد هنا بما جاء في كلمة أمين عام الهيئة في ختام المهرجان ، ( ينبغي هدم الجدار الذي كان أمامنا، ليسهل تجاوزه وبناء صروح للفن والثقافة بدل بناء الحواجز التي تعيق الثقافة والفنون ) ، وما أحوجنا حقا لتأمل هذه الكلمة ، إذ العوائق لنا بالمرصاد ولعلها أكثر شائكية حين تصدر من جسمنا المسرحي !

دعونا نختلف على كل شيء من شأنه أن يسهم في الارتقاء بمسرحنا وبإنساننا النبيل وبذواتنا العاشقة لمسرح متقدم مغاير خلاق ، بدل الاختلاف على ما اتفق أن يكون هدما واستهلاكا لفراغ لا جدوى من انتظار أن يكون فعل خلق وإبداع .

فأنا المتواطيء حد الانحياز المطلق للمسرح الخلاق ، أدرك أن مسرحنا الآن بين خيارين .. بين أن يسمو بإبداعه وإنسانه ومنجزه ، وبين أن يكون لقمة سائقة في فم الدواعش والمتخلفين والحمقى والمعادين لكل فعل إنساني نبيل .. فأيهما نختار ؟

أصدقائي لست إلها كي أحيي الموتى ولست مسيحا كي أشفي الأكمه والأبرص ولست خارقا كي أحمل الجبل وحدي على عاتقي ولست نبيا كي أخلق المعجزات وآتي بها إليكم ولكني أدرك أن في قلب كل واحد منكم نبيل يعشق المسرح ويعشق من فيه ومن يحبه ، فكفى اختلافا لا نحصد منه غير الغبار ..

يوسف الحمدان – البحرين

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر