الدورة 7 لمهرجان المسرح العربي 2015
- كلمة وزير الثقافة السيد محمد أمين الصبيحي
- الكلمة الإفتتاحية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله
- رسالة اليوم العربي للمسرح 2015: المسرحي السوداني د.يوسف عايدابي
كلمة وزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي
مهرجان المسرح العربي – الدورة السابعة
حفل الإفتتاح – 10 يناير 2015 بالمسرح الوطني محمد الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم
“تغمرني سعادة كبيرة وأنا أتناول الكلمة أمام هذه الوجوه الطيبة من نساء ورجال المسرح بالعالم العربي في حفل افتتاح الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي التي تنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وبدعم قوي من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة والرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر إلى الهيئة العربية للمسرح على اختيارها تنظيم الدورة السابعة بالرباط بعد القاهرة وبيروت وتونس وعمان والدوحة والشارقة، وهو تأكيد على جهود هذه المنظمة للنهوض بالمسرح في العالم العربي والرقي به، وإسهام من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في إعلاء شأن المسرح العربي بين الأمم.
إن إقامة هذا الحدث بعاصمة المغرب تعكس تلاقي إرادتي الهيئة والوزارة من أجل تنظيم دورة ينتصر فيها المسرح وتتجلى من خلالها قيم المحبة والتسامح والإخاء التي تجمعنا جميعا. كما ستضيف نفسا جديدا للمسرح المغربي ولمريديه ورواده وهواته.
كيف لا والرباط أصبحت، بفضل الإرادة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مدينة للأنوار وعاصمة للثقافة المغربية تضم منشآت ثقافية وفنية ترقى إلى المستوى العالي وتحتضن تظاهرات متنوعة في المسرح والموسيقى والسينما والأدب.
أيتها السيدات، أيها السادة
إن إقامة هذه الدورة مع مطلع هذه السنة يتزامن مع إطلاق وزارة الثقافة للصيغة الجديدة لدعم المسرح المغربي بآليات جديدة ترتكز على توطين المسرح واستقرار الفرق المسرحية داخل فضاءات مسرحية تسمح للمهنيين بممارسة عشقهم لأبي الفنون وفق شروط مادية ومعنوية مواتية.
كما أن هذه الدينامية الجديدة جاءت لتواكب إطلاق مجموعة من المشاريع المهيكلة والمتمثلة في فضاءات مسرحية ذات مواصفات تقنية عالية بكل من الرباط والدار البيضاء ووجدة وطنجة، إلى جانب القاعات المسرحية المنتشرة بمختلف مناطق وجهات المملكة المغربية والتي بلغ عددها 125. ونحن ماضون في هذا الاتجاه بوثيرة معقولة لسد الخصاص الحاصل على هذا المستوى.
ونجد أنفسنا اليوم جميعا أمام تحد جديد لتطوير مسرحنا الوطني، وذلك من خلال جعل كل مسرح أو قاعة مسرحية فضاء حيا ومنفتحا يوفر للفرق المسرحية فرصا للإبداع والعمل على أسس تعاقدية مع الحرص على تعزيز وتقوية مؤسسات وأجهزة التوزيع والترويج وتنظيم الجولات المسرحية. وهذا هو الهدف الذي تعمل وزارة الثقافة على تحقيقه ضمن مقاربة تشاركية وتشاورية مع المنظمات والجمعيات ومهنيي القطاع.
ولربط حلقة الوصل بين المنشآت الثقافية والفنية وبين المهنيين والجمهور، نعمل جاهدين على تقوية آليات ترويج وتوزيع المنتوج المسرحي عبر مقاولات محترفة ومهيكلة ومتخصصة في التسويق والتواصل، لتقريب المسرح أكثر فأكثر من جمهوره وعشاقه.
إن هذه الدورة ستكون حافزا مهما لنا لمواصلة جهودنا من أجل الرفع من مستوى المسرح المغربي الذي يستحق في نظرنا كل الرعاية والاهتمام نظرا للأدوار الطلائعية التي لعبها من خلال رواده الذين نحتفي بهم في هذه المحطة والذين نقف لهم وقفة إجلال وإكبار، مقدرين تفانيهم وغيرتهم على المسرح والوطن وإثراءهم للساحة المسرحية الوطنية لسنوات عديدة.
إن المجهود المبذول من قبل المسرحيين المغاربة منذ استقلال البلاد أدى إلى تطوير الريبرتوار المغربي وتأسيس الفرق المستقلة وتأهيل المسرح الهاوي وبروز المسرح المدرسي وتألق المسرح الجامعي وتنظيم العديد من المهرجانات واللقاءات المسرحية، كما ساهم في خلق مسرح ذي جودة فنية محترمة. وهذا ما سيطبع الساحة الفنية خصوصا والحياة الوطنية عموما
أيتها السيدات أيها السادة
إن المسرح العربي مدعو أكثر من أي وقت مضى، في خضم الأزمات والتوثرات التي يعرفها العالم وبوادر التطرف القوية وفي ظروف تؤثر فيها المشاكل الاجتماعية والمجتمعية، أن يلعب دوره التنويري والتربوي والترفيهي لمواجهة كل أشكال الانحراف والتطرف والغلو.
على المسرح أن يكون أداة فعلية للتنمية المستدامة للمجتمعات وأن يتوجه لمختلف شرائح المجتمع ليؤدي رسالته الداعية إلى الحق والسلم والتعاون والتعايش والحوار والمحبة والإخاء . فأنتم أيها المسرحيون أحد أعمدة هذا الوطن العربي المعول عليكم وعلى إبداعاتكم لصناعة مستقبلنا المشترك.
أيها الحضور الكريم
اسمحوا لي في ختام هذه الكلمة أن أجدد الشكر والامتنان باسم الحكومة المغربية للهيئة العربية للمسرح، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي رئيسها الأعلى، على الثقة التي وضعت في المغرب لاحتضان الدورة السابعة لهذا المهرجان المتميز. كما أغنتم الفرصة لأرحب بالأشقاء العرب مبدعين ومحاضرين ومؤطرين وتقنيين ومنظمين وإعلاميين متمنيا لهم إقامة طيبة ببلدهم الثاني المغرب كما أرحب بكل المسرحيين المغاربة الذين ينيرون بحضورهم هذا الفضاء البهي.
و أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر لكل الداعمين والمساندين لهذا المهرجان وأخص بالذكر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون ووزارة الداخلية ووزارة الاتصال ووزارة السكنى وسياسة المدينة وولاية جهة الرباط سلا زمور زعير ومصالح الأمن والوقاية المدنية والمسرح الوطني محمد الخامس والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومجلس جهة الرباط سلا زمور زعير والمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما. والشكر موصول كذلك لاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر والمركز الدولي لدراسات الفرجة ومؤسسة أحمد الطيب لعلج وكل المؤسسات الخصوصية المدعمة لهذه الدورة. كما أحيي الإعلام الوطني بكل أطيافه على الدعم والمساندة والمواكبة لهذه التظاهرة .
وختاما أتقدم بتحية خاصة لكل أعضاء اللجنة المنظمة واللجن العاملة من الهيئة العربية للمسرح ومن أطر وأعوان وزارة الثقافة على الجهود الكبيرة التي بذلت على مر الشهور الماضية والمتواصلة إلى اليوم، وكذا فريقي الافتتاح والختام من الفنانين المغاربة وبالأخص طلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.
أتمنى للجميع مقاما طيبا وفرجة ممتعة. والسلام
كلمة اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح
في افتتاح الدورة السابعة
مهرجان المسرح العربي (المغرب)
10 / 1 / 2015
رباط مسرحي من أجل الحياة
في موعدِها، نعقد ناصيةَ النسخة السابعةِ من مهرجان المسرح العربي في رِباط الخير والإبداع، فها هو المسرح يجمع العشاقَ الذين جاؤوا من كل وادٍ وفج ٍعميق، حجيجاً إنسانياً على اسم المسرح، ها هي الأرواح المسرحية تنجو من اليأس بالمسرح، هاهي تصعد من وسط الدمار بالمسرح، ها هي تحمل مشاعل نور تصد بها موجات الظلام التي تحاول أن تقلب اتجاه الحياة، وتحول مجرى الزمن، وتأد في رمل الجهالة كل جمال، تدافع عن شعوبنا وأوطاننا بالمسرح.
يمتد خيط النور عابراً جسد الوطن الكبير، من المشرق في الشارقة، إلى المغرب في الرباط، يمتد خيط النور صراطَ خير وحق ومدرسةً للأخلاق والحرية، يمتد خيط النور الذي تلألأت عليه إبداعات المئات من المسرحيين، من حضر ومن لم يحضر، من قضى ومن ينتظر في معركة الجمال من أجل الحياة، فطوبى لأبناء النور.. طوبى للمسرحيين الذي يعتصمون بحبل الإبداع من أجل غدٍ أفضلَ للإنسان الذي خلقت من أجله الحياة.
هي الرباط إذن، سيدة الموعد قبلة أنظار عشاق المسرح، والراغبين في زاد الروح والعقل، هي الرباط كما كانت رباطاً لقوافل الحجيج التي تسري منها شرقاً على كف الرحمن، مهللة مكبرة، هي الرباط التي تحتضن قوافل المسرحيين من كل حدب وصوب، شاسعة ساحاتها، ورحبة مسارحها، وهادرة أصوات الذين يغنون الحياة فيها، ونبض الذين صدقوا المسرح عهودهم ووعودهم فكان في الموعد هنا، يأتي المهرجان بموعده مثل المواعيد التي احتفى بها الإنسان على مد العصور، فأقام لها أعياداً.. أعياد حصاد وأعياد قطاف، أعيادا لكل ما يمنح الإنسان الفرح، ويؤكد احتفاءه بالحياة، وانسجامه مع الطبيعة ومكوناتها، هكذا هو مهرجاننا، عيد حصاد وجني ثمار عام بأكمله، عيدا يشكل مع سابقاته وكل الأعياد المسرحية التي ينجزها المسرحيون على امتداد العام مخزوناً ثقافياً ومعرفياً للإنسانية التي لا بد أن نكون شركاء فاعلين في صناعة مستقبلها، مستمدين من مفاهيم الخير والحق والعدل والحرية التي تقوم عليها رسالات الحضارة التي انبعثت من أرضنا، وحملها فلاسفة ومفكرون ورسل أناروا ظلام الكون، ومناضلون ذادوا عن حياض الروح بأرواحهم، نحن هنا أبناء فرسان أطلس النضال والحرية، نحن هنا خيل الصحراء التي حملت فرساناً لا ينامون إلا على ظهورها، نحن هنا، حين نرق نغني الملحون، ونحلم بغزال فاطمة، نحن هنا ترديد النهام في الخليج لأحلامنا، نحن هنا مواويل عتابا وميجانا، ومواويل تنساب في الأهوار، ورواة السيرة على ربابة ويرغول ، نحن هنا احفاد بن ماجد وأحفاد الزيناتي، أبناء الحكاية ديوان وجدان الشعوب، أمهاتنا الحكامات الشاعرات، وأحلامنا رايات فجر لا بد أن يجيء، بكل هذا يأتي مهرجاننا، و يحمل لكل قلوب المسرحيين في العاشر من يناير (اليوم العربي للمسرح) من كل عام رسالة واحد من سدنة المسرح، اصحاب الحكمة والتجارب، وهي في هذا العام كلمة لحصان البياحة يوسف عايدابي.
هكذا يكون مهرجان المسرح العربي، عملاً تنويرياً بامتياز، هكذا يكون بتضافر جهود الذين يؤمنون بهذه الرسالة، فنحن جميعاً هذا المسرح، نخلق لونه ونبضه ونوره ونحن جميعاً صانعوه ولاعبوه وخادموه، يكون حين نكون، و لن نتركه يهون؛ وكيف يهون وأمامكم أيها المسرحيون بلد ينفتح بكامله على مسارحكم، بلد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه لغربه يحتفي بكم ، في رباط المسرح نمضي واثقين من الحلم، متحدين للواقع، بأن لنا في دورات المهرجان المتعاقبة أعيادا لمسرح عربي جديد ومتجدد، فالرباط تقف اليوم مثل عرابة لهذا الحلم، تتلو عليه نشيدها العظيم، بأصوات وصور القامات المسرحية والثقافية العالية، لتجعل من دورة هذا العيد، الدورة السابعة، دورة غير مسبوقة من حيث المحتوى الفني والفكري، ولناحية المشاركة الواسعة للمسرح المغربي، مما حول المهرجان إلى عيد حقيقي للمسرح على امتداد التراب الوطني. ولم يكن ليتحقق هذا لولا التعاون المثمر والبناء، لولا الثقة الكبيرة التي أولتها وزارة الثقافة ممثلة بوزيرها المتنور الأستاذ محمد الأمين الصبيحي وكافة أعضاء طاقم العمل الذي افرزته ممثلاً لكل ألوان الطيف الإبداعي المغربي، خدمة لهذا، المشروع المسرحي العربي، فاحتضنته وسخرت له كل قواها، ليليق بكم وبالحلم الذي نسعى جميعاً من أجله
ومن مشرق الحب في الشارقة أحمل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد ، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، والذي يتابع هذا الحدث باهتمام الأب المحب وهو الذي يضع اهتمامه بنهضة المسرح ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم أجمع، ويقول معكم، فتعالوا يأهل المسرح لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية، وهو الذي وجهنا منذ اللحظة الأولى لإنشاء الهيئة العربية للمسرح، أن تكون بيتاً لكل المسرحيين في الوطن العربي، وان تكون معيناً ومفعلاً للمشهد المسرحي، وتقع المغرب الحضارة والإبداع عنده موقع التقدير والاحترام.
هنا في الرباط نجدد عهداً بيننا، أن نمضي بالسيد النبيل المسرح إلى ذرى المجد… معاً.. يداً بيد.. ونعلن من الرباط أننا في رباط مسرحي من أجل الحياة.
إسماعيل عبد الله
الأمين العام للهيئة العربية للمسرح
10 / 1 / 2015
رسالة اليوم العربي للمسرح
(10 يناير 2015)
كتبها وألقها المسرحي السوداني
د.يوسف عايدابي
المسرح الذي نريد
يعاني وطني السودان، أكثر من غيره على صعدٍ كثيرةٍ، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، من انشطار الهوية؛ فشق منه عربي، وشقه الآخر إفريقي. لسانه عربي، ورطاناته متعددة متنوعة. سحناته عربية وإفريقية، وجذوره مختلفة عديدة؛ فهو جسر ثقافة العرب إلى إفريقيا، وهو محل تفاعل ثقافات إفريقيا مع العروبة.
إشكالات أهل السودان بين خياراتهم وواقعهم وآفاقه؛ فمنذ استقلاله، يجهد السودان لإقامة مجتمع متماسك واحد، ولكن هيهات، فالشمال شمال، والشرق شرق، والغرب غرب والجنوب جنوب.
ولقد انشغل المثقفون بهموم الوطن وأناسه، وذهبوا في ذلك الانشغال مذاهب شتى، كان لنا نصيب منها في مطالع ستينيات القرن الماضي، عندما كنّا شباباً في جامعة الخرطوم، فتنادينا، نحن كوكبة من شعراء الوطن، لطرح حيّز إبداعي جديد للثقافة السودانية تمييزاً لها، تحت مسمى “الغابة والصحراء” – نحو تعددية إثنية وثقافية، ولتنوع لقوس قزح ثقافي للهوية المتمددة والوطن المتمدد ليلم أشتات الأعراق والثقافات المتباينة؛ وبحيث يكون للجهات وناسها أصواتهم وأثرها وفعلها في ثقافة المركز.
ومشى الوطن ومشي الزمان، لأدعو، في مطالع السبعينيات، لمسرح لعموم أهل السودان، متخذاً من مجمل أشكال التلاقي والتجمعات الشعبية في الحل والترحال، وفي البر والنهر، وفي البادية والحضر، وفي الغابة والجبل، ملعباً ومسرحاً ومكاناً لمسرحة لصيقة بالناس لقضاياهم؛ وأسهبت في ذلك الشأن تفصيلاً لأشكال وصيغ المسرح الطقوسية والتراثية والتقليدية، تعداداً لها وابتعاداً بها عن الصيغ الأوروبية، عن المنصة الإيطالية، بل وعن المباني الدائمة المتعارفة للمسارح، خروجاً إلى أرض الله الواسعة، فكل مكان نظيف فيه شمس أو بدر تمام، وفيه متلقٍ ومؤدٍ، هناك يكون المسرح الذي نريد؛ وما المسرح الذي نريده؟ إنه ذلك الكشّاف المباشر لما يعتمل في النفس، وما يعتور المجتمع، وما يُطرح من سُبل ينصلح بها حال الذات والجماعة.
لا نريد مسرحاً للنخبة أو لفئة قليلة في بلداننا التي ترزح تحت نير الحروب والجوع والفقر والمرض. في مثل بلادي الكليلة العليلة الممزقة، المقطوع شطرها – الغابة جنوباً، والمنفصل شقها – الصحراء شمالاً، لا نريد للمسرح إلا أن يكون أداةً اجتماعية ووسيلة للمقاومة والكفاح ضد التفرقةِ والاحتراب. على المسرح أن يكون في مناطق النزاع والشقاق، وفي أماكن العلم والتنمية، فرصةً للتسامح والتعايش والحوار؛ بل ولتقريب شقة الخلاف والاختلاف.
مسرح اليوم في بلداننا هو ذلك الحبل السري، فلا ينبغي أن يكون إلاّ عضوياً بسيطاً مباشراً، متحللاً من الزوائد، منطلقاً من الناسِ ومن وحيهم. أن يكون المسرح وصلاً في كلِ مكان، فما جدوى مسرحٍ في المدينةِ لمن يسخّره لإلهاءٍ في غير مصلحة الناس، بينما ربوع البلادِ في غمٍ وهمٍ وظلمةِ ليلٍ؟
نريد المسرحَ بدراً في ليل الأوطانِ، ونوراً في دروبها، وصوتاً هادراً في ميادينها، ونفيراً في بواديها؛ بل وبوسع المسرحِ أن يكون وسيلة ماضية مستدامة لتنمية الإنسان الجديد والمجتمع العربيّ الجديد.
فما علينا كمسرحيين إلاّ أن نعيد النظرَ في فكرة المسرح ودوره وووظيفته المبتغاة، وأن نتأكد أننا لا نحاكي ونتبع الغرب سيراً في الركب المتعولم.. إن ظروفنا الراهنة إجمالاً مضطربة متقلبة، وأناسنا يتطلعون حقيقة إلى ثقافةٍ بديلةٍ مختلفةٍ تهديهم السبيلَ إلى وجودٍ مغايرٍ، وحياةٍ أكثر سلماً وعدالةً. وعلى المسرح أن يكونَ في طليعةِ أدوات المستقبل، وإلاّ فهو لزوم ما لا يلزم، زبدٌ يذهب جفاءً، فيا أهل المسرح، استيقظوا.
كلمة أ.اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح
في ختام مهرجان المسرح العربي
الدورة السادسة (المغرب)
10 / 1 / 2015
بسم المبدع الخالق المصور الذي خلق فسوى ومنح القلب نبضه
باسم كل نبضة قلب دقت على المسرح فأيقظت روح الحياة
باسم الحياة التي تتلخص بكل ما فيها على المسرح.
هو المسرح الذي يسكن فينا ونسكن فيه
هو المسرح الذي يعيش بنا ونعيش به
هو الملاذ حين يجن الكون
وهو الأمان حين تدلهم الخطوب
وهو الحب في زمن الحروب.
السيد رئيس الوزاء عبد الإله بن كيران
السيد وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي.
السيد رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عبد الله العويس.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة
أيها المسرحيون أنوار المهرجان وسادته.
الحضور الكريم النبيل.
لا تطفئوا أنواره، لا تسدلوا ستاره، ولا تكلوه للعتمة والوحشة فينكمش ويستوحش، هو سيد جاء من أول خاطر للإنسان، ومن أول مساحة لخياله، هو ترانيم الصلاة، وهدهدات الأمهات، وهو المقدس الشفيف، وهو الجريء العفيف، وهو الذي سجل ما يصعب البوح به إلا في رحابه، وهو الذي أدان الموت بانتصاره للحياة، وهو الذي كشف الظلام بأنوار الحقيقة، هو الذي حول الصعاليك إلى نبلاء، وخلد المتخيل حتى صار حقيقة.
لا تتعالوا عليه فيفر منكم، ولا تستعدوه فيبعدكم، اخفضوا له جناح الذل من المحبة، وانطلقوا بصحبته لميادين الفرح، هذه الأرصفة لكم، والساحات لكم، هذه مسارحكم، قلوب الناس هويتكم، لغتكم أبدان ناطقة فصيحة، ولسان غير ذي عوج، شارتكم دلائل، ودلائلكم مسارات نور، مساراتكم مدارس، ومدارسكم أخلاق وحرية.
أيها النبلاء المسرحيون، يا صفوة الناس و خلاصة العصر، جئنا جميعاً إلى رباط الثقافة و الإبداع، لننسج معاً في مغرب الخير حرير الجمال، و نرسي في الفكر رواسي لا تميد، و نبذر في الأرض ما ينفع الناس فيمكث فيها، جئنا لمغرب الخير حاملين هموم أوطاننا و أوجاع شعوبنا، و سكبنا على عتباتها و خشباتها و أركاحها، و شوارعها رحيق المحبة، فقابلتنا الحب بالحب، و الشوق بالشوق ، و الإبداع بالإبداع، و لونت ذرى المغرب ووهاده بالمسرح العربي، كانت المغرب في الموعد، و كان مسرحيوها كما يليق بكائنات المسرح الطهرانية أن تكون، جعلوا الحلم قريب المنال، و جعلوا اليوم منصة لحلم يصنع الغد باقتدار العارفين.
فاصلة في تاريخ مهرجان المسرح العربي هي الدورة السابعة، و نقطة إنطلاق للتجويد، حملنا من نجاحها زاد العبور إلى الأفضل، و تبصر ما يجب أن يكون، كي يمضي المهرجان إلى ذرى جديدة، فقد سجل المهرجان عبر دوراته تحولات في آلياته نحو الحيوية ، و أنظمته نحو الشفافية، و سعيه نحو الشمولية، ليتجاوز كونه مهرجاناً للعروض، ليكون مؤتمراً فكرياً، ومؤتمراً لتطوير المهنة و ثقافتها، و بناء العلاقات البينية في أوساط المسرحيين على أسس من التكامل و التفاعل و المنافسة في خدمة المشروع التنويري، من أجل خدمة الحركة المسرحية التي تخدم بالتالي مجتمعاتنا.
لا تطفئوا أنواره ولا تسدلوا ستاره، واضربوا لإبداعاتكم موعداً جديدا، مع البحث والحفر والتنقيب وخلق كل جديد، لا تكلوه للكسل البحثي، لا تكلوه لسطحية الصراع وفقر الدراما، لا تتركوه يتلعثم في لغة بلا حياة، ولا تجعلوه عرضة للزينة الفارغة المعاني، استنطقوا فيه أرواحكم وأجسادكم بطلاقة دون تأتأة، هو السهل فلا تستسهلوه، هو الصعب فلا تصعبوه، هو الصادق فلا تكذبوه.
ولكم علينا أن نعمل على تذليل كل صعب، وأن نطور من طرائق العمل، وأن نظل معاً لنشق دربه الفسيح، مخضعين عملنا وكما تعودنا للنقد والتثمين والترشيد والتصحيح.
أيها الأحبة..
في ظل هذا الفرح الغامر، اسمحوا لي أن أشكر المغرب ملكاً وحكومة وشعباً لهذه الوقفة العظيمة إلى جانب المسرح، وأن أنوه بالدور الكبير الذي لعبه المغرب في اجتماع وزراء الثقافة العرب في الرياض مؤخراً، والذي تمخض عنه تبني وزارات الثقافة العربية لمشروع “الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية” التي يشكل تبنيها منجزاً تحقق بفضل الرؤى الثاقبة التي سلحتمونا بها.
كما أتوجه بالشكر الجزيل شخصياً للسيد وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي وكافة أعضاء اللجنة المنظمة واللجان العاملة وكل العاملين في كافة المرافق المسرحية التي قدمت عليها الفعاليات الذين ضربوا أجمل مثال للتعاون والتفاني من أجل نجاحنا جميعاً.
وبكل اعتزاز أيها الأحبة، أحمل لكم أجمل التحايا من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح والذي يتطلع معكم وبكم إلى نهضة مسرحية عربية حقيقية، ويرسل تهانيه للمسرح العربي بتكريم كوكبة من المبدعين في المسرح المغربي في هذا الختام، والتي تأتي إلى جانب جهودكم لتبني مستقبلاً مشرقاً لمسرحنا.
الخطوة التي نقطعها تأخذنا إلى الأمام، وها نحن في ختام السابعة نبدأ الرحلة صوب الدورة الثامنة من مهرجان المسرح العربي، والتي ستحتضنها دولة عربية قدمت الكثير للثقافة العربية، وتميزت فيها مخاضات المسرح و منابرها، دولة أدخلت المعرفة لكل بيت من خلال مجلة العربي، وسلسلة عالم المعرفة، و سلسلة المسرح العالمي، فموعدنا في الدورة الثامنة في دولة الكويت، بيت آخر من بيوت المسرح العربي، وقبل أن أستودعكم الله، اسمحوا لي أن أقدم لكم الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي فليتفضل.
إسماعيل عبد الله
الأمين العام للهيئة العربية للمسرح
الرباط – يناير 2015