في الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، تقدم المسرح في مقدمة المشهد الثقافي، حيث قام عشرين خبيرا بإجراء عملية لسبر الآراء بين رجال المسرح والباحثين في مجال المسرح.
وطلب من هؤلاء الاخصائيين الإجابة على سؤالين بسيطين، هما ذكر الأعمال المسرحية الوطنية (خمسة على الأقل) التي تعد أهم ما تم انجازه في المجال منذ 1962، وكذلك جرد أهم الأعمال المسرحية العالمية التي كانت محل اهتمامهم.
وأشار حوالي ثلاثين مختصا ممن شاركوا مرة واحدة على الأقل إلى الأعمال المسرحية الجزائرية ـ التي هي حاليا محور الدراسة ـ وهي “القراب والصالحين” لعبد القادر ولد عبد الرحمان المدعو كاكي، و”لجواد” لعبد القادر علولة (تم ذكرهما 8 مرات)، ثم الخبزة “علولة” و”الغولة؛ لأحمد عياد المدعو رويشد (7 مرات) و”الشهداء يعودون هذا الأسبوع” لطاهر وطار وأداها الممثل محمد بن قطاف (5 مرات) و”بوعلام زيد لقدام” لسليمان بن عيسى (4 مرات). وتليها “محمد خذ حقيبتك” لكاتب ياسين و”العيطة” لبن قطاف و”افريقيا قبل السنة الأولى” لكاكي التي أعيدتا ثلاث مرات لتأتي بعدها مجموعة أعمال في طليعتها “حافلة تسير” “اقتبسها بوبكر مخوخ من قصة للكاتب المصري احسان عبدالقدوس، و”حمام ربي” لعلولة و”ديوان القاراقوز” لكاكي و”أطفال القصبة” لبوعلام بن رايس المدعو عبد الحليم رايس.
ومن خلال مسرحية “العيطة” التي تصور شخصا فتح نار سخطه بمفرده على جميع جبهات المجتمع الذي يعرف تحولا من كل الجوانب، تمكن محمد بن قطاف من بلوغ نقطة التوازن هذه بعد مسيرة 25 سنة من اعتلائه للخشبة والتعريف باسمه على المستويين الوطني والدولي.
كما شكلت مسرحية “محمد خذ حقيبتك” منعرجا هاماً، لكن من نوع آخر في مسيرة كاتب ياسين كونه يلجأ إلى الوسيلة اللغوية التي سمحت له بالعودة إلى جذوره. وهو الذي كان يخاطب جمهورا صغيرا بالفرنسية، إذ قرر بهذا الابداع وبتطرقه إلى الهجرة واستغلال الانسان بالغوص في مغامرة المسرح التجريبي باللغة العامية التي قد يكون له صدى كبير لدى الجمهور، وكان ذلك رهانا تم كسبه.
ومن بين الأعمال التي ميزت المسرح الجزائري (أكثر من 600 عرض عبر الوطن وهو رقم قياسي وطني) مسرحية “بوعلام زيد لقدام” التي كانت من ضمن الأعمال التي انعشت فترة السبعينيات التي تميزت بنوع من الفراغ بإضفاء الأصالة على صوت الكاتب المسرحي الذي لم يعد يغيب عن المسرح بما فيها خشبات ما وراء المتوسط.
وكانت سنوات الثمانينيات أكثر ثراء من حيث الاعمال الدرامية، حيث اصبحت مسرحية “الشهداء يعودون هذا الاسبوع” عملا كلاسيكيا وطنيا لتعزيز الوضع الاجتماعي السائد آنذاك.
وكانت كل الجرأة لدى رويشد الذي بعد أن أدى دور “حسان طيرو” غداة الاستقلال قام بكتابة “الغولة” الذي تهجم فيها على الأمراض التي كانت تنخر المجتمع الجزائري من رشوة، وتبديد للأملاك العمومية، وسوء التسيير.
وبثلاثة أعمال لكل منهما أدرجت في الرصيد منها “القراب” و”الأجواد” اللتين شهد لها الكثير من المستجوبين أنهما من أبرز الأعمال المسرحية المنجزة منذ الاستقلال يحتل كاكي وعلولة الصدارة عن جدارة واستحقاق بالنظر لإنتاجهما كماً وكيفاً وتأثيرهما على الساحة الفنية مما جعلهما بمثابة مدرسة حقيقية في حياتهما وحتى بعد رحيلهما.
و”القراب” التي أدى الدور الرئيسي فيها الفنان المسرحي عبد القادر بلمقدم الذي رحل في بداية سنة 2010 يطرح الإشكالية التالية: هل بوسع مجتمع تطغى عليه المادة أن ينتج قيما عادلة وإنسانية سليمة ومتوازنة؟ و”الاجواد” التي تنطوي على عرفان وتنويه بكل بسطاء العالم تندرج ضمن المبدأ الفكري التقدمي لعلولة وضمن منهجية تأهيل خطاب مسرحي كان يقاوم سيطرة الصورة والسمعي البصري.
ولايمكن الحديث عن إنسانية علولة من دون استذكار الرجل الذي حمل معانيها الفنان المقتدر سيراط بومدين الذي فارق الفن والعالم في أغسطس من سنة 1995 وهو في الـ48 من عمره.
استطلاع يستكشف العروض الراسخة في أذهان الناس