نظرية الاتصال في الصناعة المسرحية وفرضية الاتصال الاصطناعي
هايل علي المذابي
تمهيد
لا يمكننا الحديث عن نظرية المشاركة والاتصال في سياق منفصل عن الحديث عنها في إطار نظرية الإنتاج والتلقي التي تنبثق من تفاصيلها، ومع ذلك فرغم الاجتهادات التي قدمتها المدرسة الألمانية في تطوير نظرية الإنتاج والتلقي وبالمثل ما قدمته المدرسة الأمريكية في سياق نظرية الاستجابة، إلا أن كلا المدرستين لم تشتغل بما يكفي على نظرية الاتصال، والتي أرى أن فيها- لو تحقق الاشتغال عليها- ما يمثل خارطة طريق بالنسبة للمشتغلين بالصناعة المسرحية، كتاب نصوص ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين ومشتغلين بالصناعة المسرحية، فإذا كانت آليات الإنتاج والتلقي في الصناعة المسرحية تفرض على الكاتب خلق النص وتفرض على المخرج تجريد ذلك النص من خلال أداء الممثل وعناصر ومكونات العرض الأخرى، فإن تحقيق غاية المشاركة لا يمكن أن يتم مع المتلقي إلا بمعرفة كاملة بشروط نظرية الاتصال الفنية بين المرسل والمستقبل.
ويمكن تعريف آلية الإنتاج والتلقي بأنها تلك العملية التي يسعى فيها المنتج للنص او العرض الفني –على تعدد أشكاله- بتحقيق غاية المشاركة والاتصال مع المتلقي، حيث يعتبر انتاج النص/العرض الفني في سياق تحقيق غاية الاتصال فعل إرسال Production ويعتبر تلقي الجمهور لذلك النص فعل استقبال Reception وتشترط غاية تحقيق المشاركة والاتصال بين المرسل والمستقبل تحقق ثلاثة اتجاهات لدى المتلقي اتصال حركي، واتصال إدراكي، واتصال وجداني، وبدون تحقق هذا الاتصال باتجاهاته الثلاثة فإن على المنتج للنص الفني –كاتبا، مخرجا، ومؤديا- أن يذهب للعمل بقول الجاحظ: “فإذا وجدت الأسماع عنه منصرفة والقلوب لاهية، فخذ في غير هذه الصناعة، واجعل رائدك الذي لا يكذبك حرصهم عليه، أو زهدهم فيه”(البيان والتبيين – الجاحظ)
وبالنظر العميق إلى امتدادات مقولة الجاحظ في الزمن الحاضر سنجد فيها إشارة إلى “فقدان الاتصال” ويعني تحقق نوع واحد من أنواع الاتصال دون البقية وهذا ما يحققه “الاتصال الاصطناعي” وهو نوع رابع من أنواع الاتصال ويحدث حين يكون المرسل كائنا آليا كـ”الروبوتات الشبيهة بالبشر” وهذا ما سنورد له تفاصيلا واسعة في سياق المبحث الرابع “نظرية الاتصال”.
وتفترض آلية الإنتاج “الممارسة الإرسالية الفنية” معرفة المنتج للنص –كاتبا، والمنتج للعرض – مخرجا، مؤديا- سينوغرافيا- لما يراد تحقيق المشاركة والاتصال بشأنه أولا ثم معرفة المتلقي/المتَّصل به معرفة أكيدة، حتمية وحقيقية، مواجعه، همومه، احتياجاته، مشاكله الاجتماعية النفسية والحياتية، تطلعاته، اهتماماته…إلخ، أي أنها تشبه التقاط الهاتف المحمول والكبس على رقم يعرف المتصل هوية صاحبه جيدا، ويعرف أكثر ماذا يريد منه، ولا تختلف عن هذا عملية الاستقبال عند المتلقي فعندما يدق جرس هاتفه سيلتقطه ويجيب على المتصِل به، فإن لم يكن راضيا عن المتصل فلن يجيبه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اكتمال تفاصيل الاتصال من قبل المنتج لا تكفي للتأكد من استقبال المتلقي وقبوله لذلك الاتصال فمما يشترطه فعل الاتصال وتحققه بين المرسل والمستقبل أن يكون المرسل –المنتج (كاتبا ومخرجا ومؤديا وسينوغرافيا)- ممن يثق به ويحبه جمهور التلقي وهذا يسبق فعل الاتصال باتجاهاته الثلاثة حركية ووجدانية وإدراكية مع الجمهور، ولا بأس من سعي المرسل ومنتج النص الفني إن لم يكن ذا معرفة لدى جمهور التلقي وفعل الارسال هو تجربته الأولى أن يلجأ إلى وسائل الإعلام ويروج للمنتِج ومنتَجه بما يسمح لخلق الألفة وقبول جمهور التلقي للتعاطي معه بما يكفي لتحقق غاية المشاركة والاتصال باتجاهاتها الثلاثة.
وإذا كنا سنذهب للحديث عن تحقيق غاية المشاركة فمن الواجب علينا الانصراف نحو الحديث عن نظرية الاتصال والتعريف بها وهو ما سنتطرق إليه ونعمل على تفصيل القول عنه هنا، حيث يمكن من خلالها أن نجد ما نحتاجه للمقارنة والقياس عليه واستشراف مستقبل الممثل في عصر الروبوتات بناء على الإضافات التي سنقدمها في بحثنا بخصوص هذا الاتجاه وبما يتوافق مع معطيات التكنولوجيا الحديثة وما تفرضه من وسائل وتقنيات على الصناعة المسرحية.
مفهوم الاتصال
الاتصال هو أحد أبعاد الذكاء الانفعالي ويعتبر محور هذه المهارة العلائقية نظرا لأهميته في التواصل بين الأفراد، والاتصال رباط اجتماعي يقوي التماسك الاجتماعي وهو أفضل ما يميّز الجنس البشري وبدون الاتصال لا وجود للبشرية ولكن يصبح العالم يضم مجموعة من الأفراد المتفرقين، إذن الاتصال في سياق العرض المسرحي يعني تفهم تفكير الأفراد الممثلين فهو يمثل بالنسبة لنظرية التلقي فهم وجهة نظر فرد آخر وأخذ مكانه والإحساس بمشاعره.
والاتصال الوجداني، او التقمص الوجداني والتفهم، ويمكن أن نطلق عليه المشاركة الوجدانية والمشاركة الانفعالية، هو كفاءة اجتماعية تعني القدرة على التعرف وقراءة مشاعر الممثلين والاستجابة المناسبة لها على أساس الوعي بالذات. ولابد من الأخذ في الاعتبار المهارات الحسية والحركية، ويحتل الاتصال حيزا هاما في العلوم المعرفية بتسليط الضوء على دور التقليد في نمو الطفل مثل التقليد الحركي، والتقليد العاطفي، الاهتمام المشترك، والتقليد الشفهي.
تعريف الاتصال
يمكن تعريف الاتصال، ضمن مقاربة الإرسال الفني الإنساني: بأنه المهارة أو القدرة على فهم ومشاركة التجربة الداخلية لشخص آخر. ويمكن تعريفه بأنه “قدرة المتلقي/المستقبل على وضع نفسه في مكان شخص الممثل/المرسل لفهم انفعالاته وقدرة الممثل/المرسل على تحقيق المشاركة مع المتلقي/المستقبل من خلال الإتقان والإجادة.
ويمكن ان نعتبر الاتصال بأنه الشعور بالإنجداب نحو المنتج الفني بجميع مكوناته، ويمكن لهذا الشعور أنّ يكون حتى نحو الحيوان-كما نرى في تجربة الإنسان مع الكلاب والدلافين والقطط والأحصنة-، هذا الانجذاب قد يتحول إلى الرغبة في المساعدة والحماية، كما يجب التنويه بأنه لا توجد خصائص فيزيولوجية أو نفسية تولد تلقائيا هذا الإحساس فهو يتحرك لدى أفراد دون غيرهم.
والاتصال عملية التقاط الإشارات الانفعالية ومنحها معنى. وهو إدراك مشاعر الممثل/المرسل ويمثل العامل الأساسي للذكاء الانفعالي لدى المتلقي/المستقبل. وهو قدرة المتلقي/المستقبل على الزج بنفسه في العالم الشخصي للشخصية التي يقدمها الممثل/المرسل، انطلاقا من العوامل المحصل عليها عن طريق الإتصال اللفظي وغير اللفظي. وهو القدرة والرغبة على التموضع في مكان الشخصية التي يؤدي دورها الممثل/المرسل لفهم شعوره، ومما تتكون إنفعالاته وأيضا تطلعاته وإحباطاته وآماله.
التطور التاريخي لمفهوم الاتصال
لابد من التأكيد بأنّ لمفهوم الاتصال جذورا فيما قبل التاريخ، فمن أجل المحافظة على قدرة البقاء لأنواع الكائنات الحية، يعتقد أنّ الاتصال كان موجودا لفك رموز البيئة المعادية منذ بداية ظهور الإنسان على وجه الأرض. ولو قمنا بتسليط الضوء على جذور مفهوم الاتصال فيما يخص وظائف الإتصال والبقاء على قيد الحياة، إذ أنه وجدت إشارات خاصة والتي تحفز التأثيرات المناسبة والإجراءات” بما في ذلك سلوك المحاكاة” في مواجهة الخطر هذه الإشارات تعرف بالقدرة على التماهي، وهي السمة التي وجدت في الاتصال.
ويمكن تفسير الطابع الحسي للاتصال باعتباره تقاطعا جماليا مع الانفتاح على الفن، إذ تسمح الأحاسيس بالتماهي من خلال الإسقاط الوجداني على الموضوع “ليشعر بالداخل”، ويتأثر المتلقي/المستقبل في حساسيته بالأشكال ومحتوياتها، ويمكن أن نعتبر الاتصال عملية أساسية للذاتية والتي تمثل شكلا من أشكال المعرفة المشتركة التي تكتسب عن طريق التماثل لتحقيق حالة من التكامل. وهذا يعني أنه عندما “نلتقي بالممثلين، نحن لا نكونهم” لإن تكوين الأنا لا يمكن أن يتم إلا من قبل الشخص نفسه: معرفة “أنا” و”أنت” هي التي تخلق مساحة للحوار وتسمح بإقامة علاقات في العالم المشترك عن طريق التشابه.
إنّ الذاتية هي الشكل الموضوعي للغيرية. في الواقع، ونفترض أنّ الذاتية تأخذ أشكالا مختلفة فبالإضافة للغيرية، تعبر عن الاتصال، الرد الذاتي، وعالم العقل. وغالبًا ما تعتبر الذاتية كوسيلة للربط بين جمهور التلقي/الاستقبال وذلك بجعلهم حساسين بالجانب الانفعالي للممثل. وثمة علاقة بين الاتصال والذاتية: فمن ناحية، يمثل الاتصال أساس الذاتية الإنسانية والوسيلة أو الطريقة المفضلة لإقامة أو إعادة الاتصال مع الشخصية التي يؤدي دورها الممثل/المرسل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمتلقي الذي ينخرط في سيرورة الذاتية أنّ يكون في عملية اتصال.
ويعتبر الاتصال وسيلة من وسائل المعرفة الفكرية التي تتميز عن قربها العاطفي البسيط الذي تتسلل إليه ديناميكية اللاشعور. ويمكن للمتلقي تقليد وتمثيل الممثل/المرسل بعضلات جسمه وتعابير وجهه وكذلك أسلوبه في الحديث وطريقة مشيه، دون معرفة كيفية التفكير في ذلك، وهذا إشارة إلى آثار الذاكرة للإيماءات التي تم إنتاجها بالفعل.
ويمكن رد الاتصال من الغموض من خلال التأكيد على طابعه ما قبل الشعور وحتى العقلاني. ويختلف هذا الطابع الفكري والعقلاني للمعرفة الاتصالية، إختلافًا كبيرًا عن الفهم الإنجذابي.
وهو القدرة على الإنغماس في العالم الذاتي للممثل/المرسل والمشاركة في تجربته بالقدر الذي يسمح به التواصل اللفظي وغير اللفظي. وبمعنى آخر، هو القدرة على التموضع في مكان شخص الممثل/المرسل ورؤية العالم كما يراه.
إن فكرة التجربة التي تعني أنّ المتلقي/المستقبل اختبر ذلك الشيء تدل على أنها عملية تتضمن كل من العقل والجسم في البحث عن الوحدة، وفي انفتاح تام قدر الإمكان على الأفكار والمشاعر والتجارب الداخلية والخارجية للجسم. بهذا المعنى تكون قريبة جدا من مصطلح الإبوخية لـ “هوسرل” والتي تعتبر أنّ التجربة هي الحقيقة المطلقة للموضوع. ويقول روجرز: “التجربة بالنسبة لي هي أعلى سلطة”(1).
أهمية الاتصال في مهنة التمثيل
إن أهمية الاتصال في مهنة التمثيل تكمن في كونها المنقذ لمهنة الممثل في عالم الصناعة الفنية من فرضية إزاحة الممثل من الواجهة مقابل أن يحل محله الروبوت فهي بفرضية تحقيق اتجاهاتها الثلاثة لدى المتلقي/المتصل به “الإدراكية والحركية والوجدانية” كفيلة بحل الإشكالية التي تمثلت في الصراع التاريخي بين نقاد ومفكري المسرح حول ماهية الممثل وطبيعة مهمته على الخشبة وعلاقته بالمخرج والنص الفني وعناصر العرض، حيث كان الممثل عند ستانسلافسكي هو الذي يأخذ بمبدأ التقمص والاندماج والمعايشة السيكولوجية، وعند مايرهولد آلية ميكانيكية حية، وعند بريخت هو الذي يأخذ بمبدأ التغريب والتباعد، وعند ﯖروتوفسكي هو الممثل الشامل، ولدى السيميائيين عاملا من العوامل، وعند أندري أنطوان هو ذلك الممثل الذي يحاكي الطبيعة، وعند ماكس مينينجن هو الذي يمثل على ضوء الواقعية التاريخية، وعند كريـﯖ وكانتور بمثابة دمية أو لعبة الماريونيت الخارقة للعادة(2) أو هو بالتوافق مع معطيات التكنولوجيا “روبوت”. وكذلك في إشكالية التواصل بين فضاء العرض والمتلقي/المستقبل(3).
وعلى سياق الأهمية ذاته نجد أن مصطلح الاتصال يتضمن مفهومين على الأقل يمكن تحديدهما:
الأول هو القدرة على التعرف على مشاعر الممثل/المرسل “بشكل أساسي تعبيرات وجهه” والثاني هو فهم المشاعر مثل “الخوف والقلق والألم المعنوي أو الجسدي، ولكي يكون المتلقي/المستقبل متصلا، يجب أن يرى نفسه في معاناة الممثل/المرسل، وتختلف هذه القدرة من فرد لآخر حسب حساسيته وتاريخه الشخصي وخبراته وسنه.. إلخ.
في مجال الإرسال الفني، يصبح الاتصال “فعل مشاركة”، ويجب أنّ يكون ملموسًا في بعض الأفعال مثل: الإصغاء، الإنتباه، اللطف، الطمأنينة، المساعدة، بناء على مسارات الإرسال الفنية الثلاثة وقدرات المخرج التي تتجلى في مشاهد وعناصر العرض، المشاركة في المعرفة للمشكلة أو القضية التي يتعرض لها المنتج الفني، والتموضع على نفس مستوى المتلقي/المستقبل من قبل المرسل/المنتج الفني. ولهذا يجب على الفنان إظهار اتصاله مع أولئك الذين يعانون أو يشعرون بالخوف في أوقات الأزمات وغيرها(4) .
وضمن نفس السياق يمكن التوضيح بأنّ الاتصال في عملية الإرسال الفنية هو عبارة عن عملية إدراكية وتماثلية وإسقاطية وذاتية تسمح للفنان بتمثيل الحالة الانفعالية للمتلقي/المستقبل وتمييزها عن حالته من خلال دراسة حالة المجتمع قبل صناعة العرض المسرحي بخصوص القضية التي يتناولها العرض الفني، في اللحظة التي يواجه فيها الفنان/المرسل المتلقي/المستقبل والذي سوف يعلم للتو أنه سيتعين عليه بدء عملية استقبال اتصال المنتج الفني، سوف يشعر ويرى ويسمع نفسه من خلال العرض.
إنّ الاتصال مفهوم مهم جدا في مجال الصناعة المسرحية لأنه يرتبط إيجابيا بالمشكلة التي يتعرض لها المنتج الفني والممثلين، ويجب أن تركز دراسات التمثيل حول الاتصال على عملية التفاعل أو العلاقة الشخصية بين الممثل/المرسل والمتلقي/المستقبل. وفي نفس السياق يمكن التأكيد بأنّ الاتصال يمثل بعدا من أبعاد مهنة التمثيل فهو أساس مهارة المشاركة، وهو يمثل جوهر فن التمثيل.
وقد أشار الباحث عواد علي في مقالة له بعنوان “إشكالية التواصل في المسرح” إلى حيثيات مشكلة الاتصال في النظرية المسرحية بقوله: ” يكشف السجال الذي شهدته النظريات النقدية الحديثة عن جدل طويل حول وجود التواصل أو عدمه في المسرح على غرار التواصل اللغوي، وذلك لأن عملية التواصل تفترض تبادل الأدوار بين قطبيها بحيث يتحول المُستقبِل بدوره إلى مُرسِل، وهذا ما دفع بعض الباحثين، وخاصة جورج مونان، إلى نفي وجود التواصل في المسرح كتبادل متناظر بين القطبين، وفي الاتجاهين، على الرغم من تلازم الوجود المادي للمُرسِل والمُستقبِل معاً، وتلازم التطابق الزمني لعملية الإنتاج المسرحي وإنتاج التواصل، كما بين دو مارديني في دراسته حول التواصل، لكون المتلقي في المسرح ليس مُستقبِلاً يتحول إلى مُرسِل كما في مجال الحوار العادي، وحتى عندما يبث بدوره رسالة، فإن رسالته تكون من طبيعة مختلفة عن الرسالة الأولى، إلاّ في حال المسرح القائم علي مشاركة الجمهور بشكل فعال كما في المسرح التحريضي، وخاصة بعض عروض بسكاتور، ومنها عرضه المسمي “المادة 218″ (العنوان يشير إلى قانون مدني ألماني يتعلق بالإجهاض) الذي نجح في إقامة حوار مع الجمهور حول هذا القانون، بل وأحرز أيضاً تغييراً سياسياً، فقد شارك الجمهور في هذا العرض بتعليقاته، كما قدم وجهات نظر معارضة للقانون، وفي نهاية العرض صوّت ضده. وأدّى هذا العرض إلى مظاهرات وشغب في الشوارع. وكان بمقدور بسكاتور استخدام العمال من جمهوره عنصراً في عروضه، وقد سمح لهم بالفعل بأن يكون لهم دور في الفعل الدرامي. وعلى الرغم من تأثر بريشت ببسكاتور فقد نبذ هذا التحريك الهستيري للجماهير”(5).
وينقسم الاتصال في إطار علاقة الإرسال الفنية إلى عدة أنواع، ويمكن رصد شكلين من الاتصال هما:
الاتصال التلقائي “الغريزي”: يكون هذا الاتصال نتيجة تشارك الممثل/المرسل والمتلقي/المستقبل -نفس الرؤية لذات الموقف” الحالة الإرسال الفنية، فعندما يتشاركان وجهات نظرهما ورؤيتهما للأشياء ويسعيان إلى استكشاف عالم الممثل/المرسل، والطريقة التي ينظر بها إلى الموقف.
الاتصال الصعب: ويتدخل في لحظات الأزمات بالنسبة للمتلقي، وحين تتغلب عليه – معاناته، إذ تعتبر المشاركة الفنية بالنسبة له حالة خاصة، بينما لا تمثل للفنان أي استثناء.
وهناك بعض أشكال الاتصال منها، وهي: الاتصال الأخلاقي والاتصال الانفعالي والاتصال المعرفي والاتصال السلوكي.
إنّ أكثر مكونات الاتصال المعترف بها على نطاق واسع هي الاتصال الانفعالي، الاتصال المعرفي، الاتصال التواصلي والاتصال العلائقي. وأضيف مكون أخر للاتصال وهو الاتصال العلائقي والذي يدرك المشكلة التي يتعرض لها المنتج الفني.
مكونات الاتصال في مهنة التمثيل
المكون الانفعالي: القدرة على معايشة التجربة الذاتية ومشاركة الحالة النفسية والمشاعر الداخلية للممثل/المرسل.
المكون الأخلاقي: قوة الإيثار الداخلية التي تحفز على ممارسة الاتصال.
المكون المعرفي: القدرة الفكرية للمتلقي/المستقبل على تحديد وفهم مشاعر الممثل/المرسل ووجهة نظره ضمن حالة موضوعية.
المكون السلوكي: الاستجابة الاتصالية لفهم وجهة نظر الممثل.
تنمية مهارة الاتصال لدى الممثلين:
يعد الاتصال مكون مهم في “الاحترافية ” في الممارسة الفنية. وقد لوحظ بصفة مقلقة انخفاض مستوى الاتصال الطبيعي لدى الفنانين أثناء تكوينهم. وهذا ما يتطلب إدراج التدريب على مهارة الاتصال لدى الفنانين خلال التكوين الأساسي.
إنّ تنمية الاتصال مثل الكثير من المهارات للممثل هي عبارة عن سيرورة، ويتطور الاتصال مع مرور الوقت لهذا يجب تنمية الاتصال المهني في الصناعة المسرحية، كما إنّ العمل الجماعي هو الأفضل للتدريب على الاتصال.
أدوات قياس الاتصال
أفضل الوسائل لقياس الاتصال، يمكن وصفه بالمقياس متعدد الأبعاد إذ أنه يتضمن مكونات معرفية وأخرى وجدانية، وهو يحتوي على أربعة أبعاد هي: بعد التعرف على وجهة نظر الممثل/المرسل والذي يقيس الميل إلى تصور وجهة نظر الممثلين في الحياة اليومية، بعد الاهتمام الاتصالي والذي يقيس درجة شعور المتلقي/المستقبل بالانجذاب والشفقة نحو الممثلين، بعد الشدة الشخصية ويقيس اتجاهات المتلقي/المستقبل للاستجابة الوجدانية مثل الأزمة والقلق، أما البعد الأخير فهو بعد الخيال “الفانتازيا الذي يقيس ميل المتلقي/المستقبل للتحول الوهمي إلى حالة شخصية خيالية أنتجها الممثل/ المرسل في عرضه المسرحي.
أنواع الاتصال
الاتصال يرتبط بمهنة التمثيل وآليات الإنتاج والتلقي في الصناعة المسرحية، ويمكن تحديدها في ثلاثة أشكال من حيث الاستخدام:
1 – الاتصال الإدراكي (الجاف): ويتمثل في الاستخدام للتوجه العقلاني في بناء المشاهد المسرحية للاتصال كوسيلة لتموضع المتلقي/المستقبل في مكان الممثل/المرسل لفهم تفاعلاته ومعتقداته ومشاعره(6).
2 – الاتصال الوجداني (الرطب): ويتمثل في الاستخدام للتوجه الوجداني في بناء المشاهد المسرحية للاتصال كوسيلة لتموضع المتلقي/المستقبل لتحقيق المشاركة مع الممثل/المرسل من خلال فهم الحالة الانفعالية له والتفاعل مع العواطف ويتكون هذا الاتصال على أساس العدوى – الانفعالية(7).
3- الاتصال الحركي: ويتمثل في الاستخدام للتوجه الحركي في بناء المشاهد المسرحية للاتصال كوسيلة لتموضع المتلقي/المستقبل لتحقيق المشاركة مع الممثل/المرسل من خلال فهم إيماءاته الجسدية والتفاعل مع حركاته ويتكون هذا الاتصال على أساس المحاكاة الجسدية(8).
وبالتالي يبدو وجود ثلاثة مسارات ضرورية في كل عملية للاتصال:
أ “السلسلة الخطابية خاصة اللفظية وهي تؤكد على البعد الإعلامي “الاتصال – الفكري”.
ب “سلسلة الإدراك الحسي، تكون في معظم الأحيان غير لفظية مثل الصوت – والحركة وتميل إلى التعبير العاطفي “الاتصال الوجداني”.
ج “بالإضافة إلى هذين المسارين يوجد مسار ثالث الذي يتكون من خلال عملية – التزامن التفاعلية” التي تدعى المحاكاة أو التماهي “بالمظاهر الجسدية “الاتصال الحركي”.
هذه الاعتبارات تقودنا إلى الاعتقاد بوجود ثلاثة أبعاد لعملية الاتصال هي:
- البعد النشط الذي يستحضر الأفعال التالية: الملاحظة، الاستماع، التصور، التمييز، الاستنباط، الاستنتاج، الفهم، والتفسير وهي تمثل العمليات العقلية التي تسلط الضوء على الوظيفة المعرفية.
- البعد السلبي الذي يستخدم الصيغ الإسمية التالية: الصدى، العدوى الانفعالية، الإسقاط، – التماهي، الانعكاس، فقدان الذات المؤقت، الخيال الداخلي، حضور الممثل/المرسل، وهي كلها ذات صبغة عاطفية.
- البعد الحركي وهو بعد نشط وسلبي في نفس الوقت، وفي البعد الحركي النشط يستخدم – المتلقي/المستقبل حركات جسمية بالتزامن مع الممثل/المرسل مثل الإيماء، التقليد، النسخ والمحاكاة، وهي تدل على وجود نظام وجداني حركي قادر على تسهيل التبادل وتشفير الإشارات بين الشركاء المتفاعلين.
ولا يشترط تحقيق الأركان الثلاثة للإتصال “الإدراكي والوجداني والحركي” بمساراتها وأبعادها الثلاثة وما تنطوي عليه من حيثيات أن المعنى هو الذهاب نحو نظرية صاحب ” مسرح القسوة” أنطونان أرتو وهو يدعو إلى مسرح شامل يعتمد على الحركة والكوريغرافيا والتشخيص التعبيري الجسدي، علاوة على الرقص والغناء والإيماء والباليه. أو كما يقول: “في رأيي إن المنصة مكان مادي ملموس، يحتاج منا أن نملأه، وأن نجعله يتكلم لغته المادية التي تخاطب الحواس مستقلة عن الكلام…. كما أن الإخراج هو المسرح أكثر من النص المكتوب والمنطوق….بينما قرين المسرح هو الواقع المهمل المهجور، الذي لا يستعمله رجال المسرح اليوم…”(9). كلا فالمعنى هو تحقيق غاية المشاركة مع جمهور التلقي، وتمكين المعنى في ذهن المتلقي/المستقبل وهز مشاعره وتحريك أحاسيسه ووجدانه، فالأثر الذي يبقى من الإتصال في المتلقي بالضرورة هو أثر القيمة وهذه هي الغاية التي يتوجب على المتصل/المرسل إدراكها وأن يسعى لتحقيق غاياتها.
وهناك نوع آخر من الاتصال هو ما يسمى بالشعور بالنفور (الاتصال الاصطناعي) ويكون عندما يشعر الأفراد بأنواع معينة من الاتصال دون البقية(10).
الاتصال الاصطناعي
الاتصال الاصطناعي أو الشعور بالنفور أو ما يسمى بمصطلح “وادي النفور”(11) أو التوجس وهو نوع من الاتصال ظهر مع بداية التطور التكنولوجي(12)، فحسب “al., & Rozzano Locsin – 2011” منذ أكثر من 40 عامًا، درس “موري مازاهيرو”” Masahiro Mori “الآثار التي كان للمظهر المرئي للروبوتات على الجذب العاطفي أو التنافر البشري. وفقًا لفرضية ” موري” “1970، فكل روبوت مصمم ليشبه إلى حد ما الإنسان في المظهر والسلوك، وكلما زاد شعور الإنسان بالألفة، سيشعر بمزيد من الإيجابية والاتصال تجاه الروبوت. ومع ذلك، عندما يصبح الإنسان الآلي في مظهر إنساني أكثر من اللازم، يتم الوصول إلى نقطة يبدأ فيها البشر فجأة في الشعور بالنفور، على سبيل المثال عندما يرون يدًا بها العضلات والأوتار والأوردة ثم يدركون بأنه طرف اصطناعي، سيشعرون بالغرابة أو “الألفة السلبية”. وبالمثل، يحدث الشعور السلبي عند رؤية الشخص المتوفى: جسد الشخص موجود، لكن الشخص قد رحل، هذا الشعور هو وادي النفور “أو الاتصال الاصطناعي”.
وقبل الحديث عن الاتصال الاصطناعي في سياق الصناعة المسرحية والفنية يجدر بنا الحديث عن تمثلات عامة لمخاوف أخرى تجاه صناعة الروبوتات وأهم هذه التمثلات هو الخوف الوجودي، ويجدر الإنتباه إلى أن الأساس الذي ينطلق منه هاجس الخوف الوجودي المصاحب لصناعة الروبوتات الشبيهة بالبشر، قد تبدت تفاصيله بوضوح في تقنية الذكاء الاصطناعي ذات القابلية الذاتية المستقلة للتطور بعيدا عن صناع ومبرمجو هذه الصناعات الروبوتية، إذ أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل بها هذه الروبوتات قد تصل إلى مستوى من الوعي والقدرة التي تمكنها من تطوير برمجتها بشكل استقلالي وصناعة لغة تفاهم خاصة بها، لا يفهمها حتى مبرمجها وصانعها الأصلي، لولا، وعلى الرغم من ذلك، أن ثمة نشوة عقلية تصاحب هذه الصناعات وتحول دون التوقف عن تطوير برمجيات الروبوتات المستمر، هذه النشوة هي نشوة الصانع بما يصنعه، والمبتكر بما يبتكره، والمُجدّ لما يعيه ويستوعبه، وبالإضافة إلى ذلك ثمة أبعاد اقتصادية تبرر ذلك التطور الذي تجتهد وتتنافس فيه الدول الصناعية الكبرى وشركات صناعة الروبوتات، وهي أبعاد مرتبطة باتساع النفوذ والسيطرة في سياق تجارة التكنولوجيا وصناعاتها.
وكما يبدو جلياً فإن المستقبل الذي ينتظر الحضارة البشرية في ظل هذه التحولات هو مستقبل سيبتعد كثيرا عن الجذور البيولوجية للكائن البشري وسيزدهر بالمقابل مستقبل صناعات الذكاء الاصطناعي التكنولوجية فالأتمتة أو التأليل قد بدأ منذ وقت غير بعيد وسيستمر في الاتساع حتى يستوعب كل شيء؛ إنها عملية إلغاء وإزاحة لكل ما هو بشري أو للكائن البشري دور فاعل فيه في حيز الحياة اليومية وإذا استمر هذا التحول فإن سلطة البشر على هذا الكوكب التي كانت تراكماته المعرفية وقدرته على التفكير وامتلاكه للذكاء وغيرها تلعب دورا أساسياً فيها، يمكن القول أنها ستزول وتتلاشى حتما وثمة احتمال وارد بأن تذهب تلك السلطة إلى أيادٍ أخرى منها بلا شك يد تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنتجات التكنولوجيا الروبوتية؛ إنها تمثل أيضا تهديدا لوجود البشر على هذا الكوكب، وهو تهديد لا ينبغي الاستهانة به، ومثلما تعمل الأوبئة والكوارث التي تواجهها البشرية كل يوم على إفناء الإنسان تعمل كذلك صناعات التكنولوجيا وثورة الأتمتة على إفناء الإنسان أيضا لكنها بشكل لا يمكن لأحد أن يصفه بأنه كارثي لإنه لا يحدث بشكل مباشر ودفعة واحدة أي أنه يحدث بالتدريج وهذا ما يجعل البشرية تتساهل أمامه، وإذا لم يتم الانتباه لمثل هذا فيمكن التأكيد أن مستقبل الأجيال اللاحقة سيكون مجهولاً ويحمل صفة الشك كما في القول “يكون أو لا يكون.
أما التمثلات الخاصة بالمخاوف من ابتكار الروبوتات وصناعتها في سياقات الصناعات الفنية وصناعة الممثل في المسرح تحديدا ومستقبله في سياق وجودها واتساع رقعة انتشارها واستخداماتها فيمكن القول تفنيدا لتلك المخاوف بأنه عندما يقترب مظهر وسلوك الروبوت إلى شبه حقيقي بالإنسان، يمكن أن يبدأ البشر مرة أخرى في الشعور بالإيجابية والاتصال ويكون لديهم نفس الشعور بالتقارب بالنسبة للروبوت كما هو الحال بالنسبة للبشر أنفسهم. على الرغم من القبول المختلط لفرضية موري فإن رد فعل المستهلكين الذين يدعمون الطلب على تقنيات المشاركة الفنية يغير بلا شك مدى تأثير الروبوتات البشرية، مهما كان شكلها، على المشاركة. ويمكن شرح ذلك برسم بياني يوضح سيرورة مفهوم “الاتصال الاصطناعي” وهو كما نراه هنا:
ومن هذا نجد أن العلاقة التي تربط المتلقي/المستقبل بالممثل هي علاقة المشاركة فكلما كانت عملية الاتصال احترافية وتحتوي أركانها الثلاثة الادراكي والحركي والوجداني كلما كانت المشاركة والاستجابة لدى المتلقي/المستقبل أكبر وحتمية، أما بالنسبة لأداء الروبوتات فلا يمكن أن تحقق من الأركان الثلاثة للمشاركة والاتصال مع المتلقي سوى ركن الاتصال الإدراكي بناء على النص الذي يفرض عليها تقديمه أما الحركي فلا يمكن أن تمتلك مرونة كافية تخولها تحقيق المشاركة مع المتلقي وأما الوجدانية فتفترض وجود تعابير حقيقية على وجه الممثل وهذا هو المستحيل الذي سيواجه عالم صناعة الروبوتات فهذه القدرات صفة إنسانية خالصة، كذلك فإن تمثلات التكنولوجيا في صناعة الاتصال الفني تمثل عجينة في يد المخرج فهو بدوره يصنع ما يريد تقديمه ويحقق بمهارته الاتصال مع جمهور التلقي ويخلق الألفة والمشاركة.
ونستنتج من ذلك أنه سيكون من المستحيل إيجاد بديل حيوي للممثل في صناعة المسرح أو حتى السماح بالتفكير باستبداله بروبوتات لأن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تحقق المشاركة الوجدانية وكذلك الحركية مع المتلقي ما يجعل من الصعوبة اعتبار وجودها على خشبات المسارح فناً وكذلك فإن اتصالها الاصطناعي يجعلها جالبة للنفور والخوف على عكس الممثل البشري. وفي حال تحقق الاتصال بأركانه الثلاثة بين الروبوتات الشبيهة بالبشر وبين جمهور التلقي من خلال تطوير صناعة هذه الروبوتات فإن الحال حينها سيكون إحدى إثنتين: الأول: القضاء على مستقبل الممثل نهائيا واقصاؤه خارج سياق الصناعة المسرحية والثاني: خلق مسار موازٍ لمسار الممثل البشري وهذا المسار الجديد يشبه مسار مسرح الدمى والعرائس وسيكون بالتالي له جمهوره ومحبيه شأنه شأن مسرح الدمى والعرائس ومبادئه ونظرياته الفنية والنقدية أيضا.
هوامش
([1]) Huffman , K. (2009). Introduction à la psychologie. (3ème édition), (M. Dumas, L. Fortier, T. Pouliot, Trad. ) Bruxelles : de Boeck. (Edition originale publiée en 2007)، نقلا عن: عقباني ربيعة، علاقة سمات الشخصية حسب نموذج العوامل الخمسة الكبرى والتعاطف والمناعة النفسية بالصحة النفسية والصحة الجسدية للممرضين، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في العلوم، علم النفس، جامعة وهران 2، كلية العلوم الاجتماعية، 2021.pdf.
(2) جميل حمداوي، نظريات الممثل في مجال المسرح، pdf.
(3) يؤكد بافيس على عدم إمكانية تطوير دراسات التلقي على أسس سايكولوجية، أو اعتبارات اقتصادية اجتماعية تقام من خلال المسح الشامل للجمهور المتلقي، فعلى الرغم من أن معرفة المؤثر الذي يستجيب له المتلقي، والمعايير الاقتصادية التي تجعله يصنع ذلك مسألة لها أهميتها، فإن هذه البيانات الإحصائية الكمية لا تلقي الضوء على طبيعة العلاقات الأيديولوجية الجمالية التي تجذب انتباهه. وكما يقول عواد علي: فإن تلقي العمل المسرحي، حسب بافيز، شيء مباشر ومفيد، ولكن بسبب طبيعة كون المتلقي مواجهاً للعرض المسرحي ربما ينشأ تصور أن علاقته بالعرض علاقة خارجية ثابتة، أو أنه هدف لإشارات جاهزة صادرة من خشبة المسرح، في حين أن العكس هو الصحيح، إذ تجب محاولة إيصال هذه العلاقة إلى سيطرة تبادلية بين خشبة المسرح والمتلقي، سواء كان التفاعل يحدث مع العرض، أو مع النص في الوعي غير الكامل للمتلقي، فلا يزال موقع المتلقي المواجه للعرض هو أهم شيء (أمام – في داخل – منفصل عن)، في حين أن العمل القائم على موضوع المعرفة هو الذي ينشئ العرض. أنظر: عواد علي، إشكالية التواصل في المسرح، مجلة الجديد، رابط: https://aljadeedmagazine.com/%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%AD
(4) فعل المشاركة هنا ستكون بنفس المعنى الذي تضمنته نظرية التطهير لأرسطو.
(5) عواد علي، إشكالية التواصل في المسرح، مجلة الجديد.
(6) يمكن الاستفادة لتحقيق هذا الاتصال من نظرية المعايشة الصادقة للمخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي الذي يرى أن الممثل الحقيقي هو الذي يندمج في دوره المسرحي، فيعيشه بكل جوارحه الشعورية واللاشعورية، ويؤدي دوره عن طريق المعايشة الحقيقية القائمة على الصدق الفني والإيمان بالدور الذي يؤديه. ومن ثم، يعتمد الممثل المندمج على قدراته الداخلية التي تتمثل في العقل والإرادة والشعور والتخيل والتخييل، واستكناه دوافعه الداخلية الشعورية واللاشعورية، واعتماد الذاكرة الانفعالية على مستوى التخييل والتشخيص الميزانسيني، وافتراض الظروف والوقائع الممكنة المتشابهة، وذلك لإسقاطها على المواقف الدرامية التي تقع في الحاضر والمستقبل، والتحكم في المسرحية عن طريق تقسيمها إلى وحدات كبرى وصغرى، وتحديد أفعالها وأهدافها وأغراضها من أجل ترجمتها نفسيا وعضويا. هذا، وينبغي أن يبحث الممثل عن الهدف الأعلى للمسرحية، وأن يستخدم العقل الواعي والعقل الباطن معا من أجل الوصول إلى الفكرة الرئيسية للموضوع، وفلسفة المسرحية اعتمادا على قواه الداخلية الإبداعية، والتكيف مع الظروف بغية تحقيق التواصل مع الآخرين، والاشتباك معهم وجدانيا واجتماعيا.
(7) في سياق الاتصال الوجداني يمكننا مقاربة هذا النوع من الاتصال بإطروحة ديدرو بخصوص الأدوار المسرحية والتي تتمثل في دورين: الأول دور الشعور الذي يستوجب الشعور بالأحاسيس التي نمثلها؛ والثاني دور الذكاء القائم على فعل الظهور، والذي يستوجب أن نمثله بدون أن نشعر به. ومن هنا، فالبطل الكفء والمقنع هو القادر أن يعبر عن مجموعة من المشاعر والانفعالات الوجدانية والنفسية شعوريا ولا شعوريا دون أن يحس بها إطلاقا.
(8) في سياق الاتصال الحركي يمكن الاستفادة مما رآه مايرهولد في الممثل وهو بأنه آلة حية، تقوم بتنفيذ مهام محددة بمساعدة الموسيقى التي تعمل لديه كحامل إيقاعي يعمل على ضبط الزمن مثلما هو الأمر في المسرح الشرقي، الذي لا تتوقف فيه الإيقاعات الضابطة لعمل الممثلين. وهو ما يوجب دراسة علمية للبيو- ميكانيك…فتمارين البيو- ميكانيك تعمل على تحضير الممثل لداء الجستات المشفرة (الكودية) اللازمة للأوضاع- الهيئات المحددة، كما تعمل على التكثيف الأقصى لمخطط الحركة(الميزانسين). أنظر: جميل حمداوي، مرجع سابق.
(9) جميل حمداوي، مرجع سابق.
(10) هايل علي المذابي، كتاب المصعد في نقد المسرح، مبحث دمى المسرح والروبوتات، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2018.
(11) في عام 2008، كان كارل ماكدورمان يعمل حتى وقتٍ متأخر في جامعة أوساكا باليابان عندما دبت الحياة في جهاز الفاكس لديه حوالي الساعة الواحدة صباحًا وأخرج مقالًا عمره ٣٥ عامًا باللغة اليابانية أرسله إليه أحد زملائه. أسر المقال اهتمام ماكدورمان الذي كان يعمل وقتها على تصميم روبوتات أندرويد تتسم بالواقعية المفرطة. حذر المقال أنه إذا ما أصبحت الروبوتات الاصطناعية تشبه الهيئة البشرية إلى حد كبير سيشعر الناس بالنفور. ومن ثم أعد مع زملائه ترجمة إنجليزية سريعة لهذا المقال وأطلقوا على هذه الظاهرة اسم “وادي النفور”. كان المقال الذي قرأه ماكدورمان قد نُشر عام ١٩٧٠م بقلم عالم الروبوتات الياباني ماساهيرو موري، وكان عنوانه “وداي الخوف”. وتناول المقال قدرة الروبوتات الشبيهة بالإنسان على إثارة شعور عجيب بعدم الارتياح لا تسببه الروبوتات الآلية الأخرى وهو ما سمي بالاتصال الاصطناعي. أما فقدان الاتصال فيحدث عندما تبدو الكائنات الاصطناعية مثلنا، فإنها تقع ضمن ما يطلق عليه “وادي النفور” أو “الاتصال الاصطناعي”. وقد يرجع السبب في ذلك إلى كوننا نشعر بتعاطف أقل تجاهها. وفي حين أنه من المعروف أن سمات الوجه والجسم غير الطبيعية يمكن أن تدفع بعض الناس لتجنب الآخرين، يؤمن بعض الباحثين أن التصميمات الاصطناعية الشبيهة بالإنسان تثير أعصابنا بشدة. المرجع: هايل علي المذابي، المصعد في نقد المسرح، مرجع سابق.
(12) عرف تاريخ فن المسرح الانتصار (ضمنيا) لوجود الروبوتات واحلالها مكان الممثلين في توجهات تادواش كانتور وإدوارد ﯖردون كريـﯖ Gordon Graik حين ثار على الممثل الواقعي والممثل الطبيعي اللذين كانا نموذجين وفيين لمنطق التقليد والمحاكاة والاندماج السطحي، ودعا إلى استبدال ممثل النقل والاقتباس والتقمص الحرفي بممثل الخلق والإبداع. ففضل أن يستخدم في مسرحه الأقنعة والدمى والعرائس والماريونيت، بدلا من توظيف الممثلين والنجوم. وطالب الممثلين أيضا بأن يكونوا نسخا إيجابية من هذه الأشكال اللعبية الهادفة. كما أمرهم بطاعة المخرج ولو كان ديكتاتوريا، وعليهم أن يستسلموا لإرادته وأوامره؛ لأن المخرج بمثابة قائد للسفينة، فمن خالف أوامره وتعليماته، فقد أخل بنظام السفينة. وبالتالي، فعلى المتمرد أو المنشق أن يحاكم محاكمة شديدة وصارمة. وينبغي للمخرج بالنسبة لكريـﯖ أن يتسم بطابع سلطوي وديكتاتوري، فلا يعطي أدنى حرية للممثلين لكي يتصرفوا وفق ملكاتهم الشخصية، فيمثلوا حسب تخيلاتهم الشخصية ورؤاهم الذاتية. يريد كريـﯖ أن يكونوا دمى مطوعة وأدوات محركة بسهولة ومرونة شديدتين، تنفذ بانقياد سريع كل خطوات التصميم الدراماتورجي الذي وضعه المخرج للمسرحية وأيضا للفرقة على حد سواء. والسبب وراء هذا الطرح عند كوردون كريك هو الحد من غرور الممثل النجم في المسرح الإنجليزي الذي كان يتباهى بعروضه المسرحية، فيتبختر فوق الركح صوتا وحركة وخطابا، عارضا شخصيته الفنية العظيمة أمام الجمهور الحاضر بكل قوامها الكوريغرافي وقسماتها التشخيصية. ثم، يتعالى على المدير الفني، ويتكبر على المخرج بشهرته وذيع صيته، وذكر مكانته عند النقاد والجماهير المعجبة. ومن هنا، يطلب كريـﯖ من الممثل:” أن يكون نغمة مؤتلفة مع جميع النغمات المسرحية الأخرى، من ممثلين وممثلات، وأدوات وأضواء ومناظر وحركات وخطوط وألوان…ولكنه لم يكن يجد من يرعى في تمثيله… وقد جاهد طويلا لكي يحقق ذلك…إلا أنه أخفق مؤقتا؛ لأن الممثلين والممثلات كانوا لا ينسون غرورهم فوق المسرح، وكان هم كل منهم أن يصفق له الجمهور وحده… وأن يقال عنه إنه هو وحده الممثل العظيم الذي لا يباري… لماذا؟ …لأنه كان يخلب ألباب الجمهور بوجهه المعبر؛ وتقلصات عضلاته التي كان يسرف في إظهارها إسرافا يطغى على جميع ما يضمه المنظر؛ بل ينسخ المسرح كله في أعين المشاهدين… فلا يرون إلا حضرة الممثل… أو حضرة النجم العبقري! ولما ضاق كريـﯖ بهذا الطراز من الممثلين تمنى أن يختفوا جميعا، وأن يحل محلهم الممثلون الدمى… والعرائس… أو الماريونيت.” والغرض من تحويل الممثل إلى دمية هو التحكم في دفة الممثل وتحريكه كيفما يريد المخرج ليوصل فكرته إلى الجمهور، ثم تمثل الروح الدينية والطقوسية التي تكون وراء استخدام الأقنعة والدمى التي توحي بفكرة العبادة والتقديس. أنظر: جميل حمداوي، مرجع سابق (بتصرف).