أثير- د. سعيد السيابي، أستاذ المسرح في جامعة السلطان قابوس
اللقاء بكاتب مسرحي متمرس في الاشتغال على مختبرات الكتابة المسرحية كالأستاذ عبد اللطيف ونوس فرصة سانحة للاقتراب أكثر على جهود مبدع مغربي كبير ومثقف عميق يحمل في التحاور معه هموم الثقافة العربية والقضايا الإنسانية، وقد قام بالاشتغال على مجموعة كبيرة من النصوص المسرحية تأليفا وإعدادا وإخراجا. ومؤخرا قام باستضافته النادي الثقافي بمسقط ليفتتح مشغلا لمجموعة من الشباب الشغوفين بالتعلم ومحاولة الدخول إلى تجارب إبداعية كتابية فكانت هذه الورشة لتحويل النصوص القصصية العمانية إلى مسرحيات قصيرة وهذا التلاقح بين فن السرد والفعل المسرحي يُعد تجربة تستحق الوقوف عليها والكتابة عنها ولكن مقالنا اليوم عن ما تحصلت عليه من إهداء قيم وهو النص المسرحي (عبور) الذي صدر عن مؤسسة آفاق في العام 2021م، والذي حمل مغامرة الكتابة عن الموت والحياة والحب والحقد والإرهاب ومواجهته.
يتخذ هذا النص المتماسك أسئلة كبرى تشغل العقول والقلوب، فالموت سؤال النص الجوهري ومنبع البحث عن إجابات على لسان شخوصه، ويستضيف في نصه كما يقول: التركيب المسرحي الذي اعتمد فيها على فضاء مسرحية (الأبواب المغلقة لجان بول سارتر)، وعلى البناء الدرامي لمسرحية (رقصة الموت) لفيكتور حاييم، وأفكارا واقتباسات نصية لمجموعة من الفلاسفة والأدباء من أوطان مختلفة ولغات متعددة جمعتهم الكتابات بتيمة الموت، وهم: الشاعر أدونيس، وشارل بودلير، ونيرودا، وبورخيس، والطاهر أمين، والطاهر بنجلون، ولمرنيسي، والخمار الكنوني، وغيرهم.
إن الثقافة العريضة لكاتب النص تُحمل تأثره بروافد شتى من الفلسفة والتراث والتاريخ وفنون الفرجة المغربية وساهمت تلك المشارب الثقافية بوضوح في الانتقالات الزمانية والمكانية واستدعاء الشخصيات الواضحة الملامح والمقنعة في توصيل رسالة النص الذي يبدأ بإرهاصات الولادة وأسئلة على غرار ” كيف يمكننا أن نتوهم بأننا نحسن صنعا بتقبل ثقافة من أجل حياة أخرى؟ هل يمكن للحب أن ينبث في فضاء الموت؟ كيف تم ربط الكتابة بالموت؟”.
الموت في النص حاضرا ليس بصفة العبرة والدروس ولكنه تجسيد عن المآلات المسببة له، والأمراض الإنسانية التي تدفع للوصول لهذا الفعل والتجييش له، باعتباره الملجأ الوحيد لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والذي لابد من التضحية في الوصول إليه، حتى لو كانت الدوافع لارتكابه فكرا غير مستقرة، وتدفع به شخصيات مهزوزة نفسيا ودخلت في منطقة التعالي على الأجناس البشرية الأخرى، وأن المنطق الصحي يمتلكه أحدهم دون غيره، لهذا المؤلف يرصُد طرق الموت في نصه ويحاكمها، فهي إما الموت غرقا بقوارب متهالكة أو بالألغام أو بحوادث الاغتيالات أو بالحروب والقائمة تطول.
يُراهن المؤلف على الحب الذي يعده بداية لحياة جديدة والقادر على تجاوز النهايات المؤلمة والحماقات المرتكبة والتدافع اللاإنساني خلف مجد زائل وهو هنا يضعنا تحت مجهر ما يعيشه الإنسان العربي والواقع الحالي الذي بدأت فيه الحدود في التفكير منحصرة بمع وضد وغابت لغة الحوار والتحاور داخل أروقة السياسة وعلم الاجتماع والثقافة التي هي أكثر ما يمكن أن نقول عنها القوة الناعمة الرئيسة لتوطين التصالح وتأكيد التسامح وتبجيل مصلحة الجميع على أي قضية ضيقة أو فكرا مختل ويحتاج إلى اطفائه بماء الكلمات وفعل التحاور والجدل المحمود ليتسنى لنا أن نعبر لعالم أكثر استقرارا وتدافعا نحو وضع البصمات واللمسات الإنسانية التي هي خلاصة ما يمكن أن نتركه بعد الموت.